أصبحت السعودة (أو توطين الوظائف، أو توظيف المواطن) من المواضيع المعادة والمكررة، وقد دخلت مفردات القاموس السعودي منذ عدة سنوات دون برنامج واضح. وتقدم العديد من المهتمين بهذا الشأن بأفكار جيدة لا أدري هل درست من قبل المسؤولين المعنيين بما تستحق من انتباه أم أنها قوبلت بالرفض أم أنها استقرت في قاع سلة المهملات. المهم أن موضوع السعوده أو توطين الوظائف هو موضوع مهم جدا (رغم أنه تحول إلى أحد المواضيع الممجوجة في المجالس) ولا بد أن نتعامل معه بالأفكار والدراسات الجادة. ولكن كما أن هذا الموضوع يهم أجيال المستقبل ومستقبل الأجيال، فهو أيضا لا يمكن أن يترك في أيدي جهة واحدة، أو يوضع عبئه على كتف واحدة، أو يصبح الشغل الشاغل لشخص واحد في بلد كبير مثل بلدنا. وفي رأيي الشخصي أن السعوده هي غاية وليست وسيلة، أما الوسيلة فهي التدريب القوي والمتمرس، وخلق فرص وظائف جديدة، وزرع مبادئ واحترام العمل وسلوكيات الإنتاج والرغبة في التفوق في نفوس الأجيال. لا أود أن ألف وأدور في هذا الموضوع فقد سبقني الكثير، ولكن الواضح أننا سنحتاج إلى العقول الأجنبية والعمالة الوافدة، المتخصصين المقيمين بيننا، إلى أمد طويل جدا. كل الذي نرجوه و نأمله ونعمل على تحقيقه هو تقليص هذه الحاجة، والعمل بكل جدارة وجدية في تدريب أجيال المستقبل وتأهيلهم ليحلوا (تدريجيا ولكن بكل منهجية منظمة) محل الوافدين الذين ساعدونا في نمو هذا الوطن وقت الحاجة جزاهم الله كل خير. ولكن مع اهتمامنا الجارف بالسعوده، فقد خلطنا بين بعض الأمور. لا أدري هل أصبحت عملية التعقيب مثلا على المعاملات والسعي لإنجازها هي إحدى الأهداف الرئيسة من السعودة، وأصبح إسناد أعمال التعقيب إلى فئة من السعوديين هو أهم منجزات عملية السعودة وتوظيف المواطن! وبالفعل وبسبب هذا التوجه، أقفلت كل أو معظم الدوائر الحكومية والجهات التي يتعامل معها الجمهور ويحتاج إليها في إنهاء معاملاته وأوراقه الرسمية، أقفلت أبوابها أمام الأجنبي. بل الغريب أنها منعت الأجنبي من الوصول إليها والتعامل معها شخصيا دون وسيط حتى لو كان الأمر يهمه هو نفسه وبصورة مباشرة. فلا يستطيع المقيم مثلا استخراج تأشيرة خروج وعودة لنفسه بنفسه، بل يجب إرسال .. معقب سعودي. وقس على ذلك كل التعاملات مع الجهات الحكومية الأخرى. ومع زيادة الاعتماد على المعقب السعودي، ازدادت عمليات الاحتيال وتأخير المعاملات وفقدانها، والمبالغة في قيمة الأتعاب التي يتقاضاها المعقب. وبين يوم وليلة تحول سعادة المعقب إلى مؤسسة وطنية خطيرة، تمسك بزمام الكثير من أمور المواطنين والمقيمين وشؤونهم. وبالرغم من أن هناك دراسة عن نظام خاص بشركات التعقيب وإنجاز الأعمال والخدمات العامة، إلا أن السؤال يطرح نفسه. لماذا لا يسمح للشخص المقيم أو الوافد بإنجاز ما يخصه من أعمال شخصية في مختلف الجهات الحكومية مباشرة ودون معقب أو وسيط كما يحدث في جميع أنحاء الدنيا ودول العالم الأخرى؟ لماذا لا تستطيع الشركات والمؤسسات أن ترسل أحد موظفيها حتى وإن كان من الوافدين أو المقيمين لمتابعة إنجاز معاملاتها وأوراقها الخاصة لدى الجهات الرسمية طالما أنه يحمل خطابا معتمدا من شركته يفوضه بذلك؟ هل مهمة التعقيب وإنجاز المعاملات هي غاية الأعمال المتخصصة التي يجب أن نشجع المواطن السعودي على الالتحاق بها؟ وهل هذه هي المهمة التي يجب علينا أن ندرب المواطن السعودي على القيام بها والتفوق فيها؟ وهل مهنة التعقيب تدخل تحت المظاهر الحضارية للمجتمعات؟ وهل هي جزء من خطتنا للسعودة؟ اذهب الآن إلى مكتب غالبية المعقبين، ستجد هناك على الأقل شخصا أو اثنين أو ثلاثة من الوافدين، لتشغيل المكتب والاستقبال والرد على الهاتف، أما هو نفسه فنادرا ما تراه. بجعل هذه المراجعات حكرا على المعقب السعودي فقط، أصبح المعقب شيخا، يتحكم كما يشاء ويطلب ما يريد. وربما يأتي اليوم الذي نكتشف فيه أن لدينا نقصا في المعقبين السعوديين، فنستورد معقبين أجانب لسد الثغرة؟ قبل أن يحدث ذلك، أرى أنه لا مفر من إعادة النظر في أعمال إنجاز المعاملات وخدمات التعقيب، والسماح للمقيمين من إنجاز أعمالهم التي تخصهم مباشرة أمام الجهات الحكومية بأنفسهم ودون وسيط أو معقب. كما أنه لا بأس من السماح للشركات والمؤسسات أن ترسل موظفا أجنبيا مقيما على كفالتها، أو موظفا سعوديا لمراجعة الدوائر الحكومية وإنجاز معاملاتها، بتفويض رسمي ومعتمد منها ومن غرف التجارة والصناعة. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 129 مسافة ثم الرسالة