يرفض بعض البدو -كبار السن تحديدا- البقاء في المدينة ويفضلون العيش في الصحراء بعيدا عن الصخب والزحام وضجيج الشوارع والبيوت. ورغم أن الكثير منهم استوطنوا المدن والقرى تحت وطأة حاجتهم وعائلاتهم للقرب من الخدمات كالمدارس والمستشفيات وغيرها، إلا أن من بينهم من هاجر عكسيا باتجاه الصحراء، فهي بالنسبة لهم حياة مختلفة تخلق في أنفسهم الهدوء وتعلمهم الصبر والاعتماد على النفس والتواصل مع الطبيعة بكل تفاصيلها. ولكن هذه الأسباب ليست كافية بالنسبة لبعض أبناء البدو للعودة إلى الصحراء، فتربية المواشي من المهمات اليومية التي تتطلب البقاء في الصحراء خصوصا لمن يمتهنها. ومناور الشلاقي (85 عاما) يؤكد أن عزوف أبنائه عن تربية الماشية والاهتمام بها جعله يعود إلى حياة الصحراء ليمارس هذا الدور، خصوصا في ظل ارتفاع أسعار الأعلاف وقلة موارد المياه في المدينة أو المواقع القريبة منها، يقول «حياة البدو ليست فقط تلك الصحراء الشاسعة والكثبان الرملية التي يستعصي على الناظر إليها التمييز بين السراب والماء، بل هي الراحة وصفاء الذهن وفيها لا نتوقف عن البحث عن الماء والكلأ لرعي مواشينا». وبالنسبة للتسعيني مناحي الشمري فحياة الصحراء مرتبطة بوجدانه كثيرا، ورغم كل محاولات أبنائه أن يكون معهم في منزلهم الحديث في مدينة حائل، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل فهو يعشق الصحراء ولا يستطيع الفكاك منها، يقول «سوف أعيش كما ولدت على الفطرة في الصحراء الشاسعة، وأرفض العيش في المدينة وحياة القصور والحيطان، فالصحراء تذكرني بماضي آبائي وأجدادي». أما سالم الخلف فأعطى لأبنائه الفرصة للعيش في المدينة وبقي هو وزوجته وأطفاله الصغار في الصحراء، يتنقل معهم بين موارد الماء والكلأ، يؤكد أنه لم يفكر يوما في أن يترك بيت الشعر والخيام، لذلك يقطع يوميا أكثر من 30 كم لتوصيل أطفاله إلى المدارس والعودة بهم، ويجد مع زوجته متعة في تربية الأغنام والاعتناء بها خصوصا أنها مصدر رزقه الوحيد، يقول «أعشق حياة وهدوء الصحراء، فنحن البدو جزء لا يتجزأ من هذه الصحراء، وأشكر حكومة خادم الحرمين الشريفين على توفير جميع السبل والدخل الثابت من الضمان الذي يساعدنا على ظروف المعيشة، ولا ولم أفكر بتبديل حياة الحرية بحياة الحيطان والمدينة».