يمكن النظر إلى كارثة السيول الأخيرة في جدة على أنها فشل إنساني في التعامل الصحيح مع ظواهر مناخية محتملة. جدة، ببساطة نسيت أو تجاهلت خطر السيول ولم تستعد لها لا من ناحية تصميم وإنشاء البنى التحتية للمدينة، مثل مجاري السيول المناسبة وشبكات تصريف الأمطار والصرف الصحي، ولا من ناحية توفير أنظمة المراقبة والإنذار المبكر والتعبئة العامة والاستعداد والتدريب، وكلها إجراءات لازمة لتخفيف الأضرار وصيانة الأرواح عند وقوع الكارثة. مع ذلك فالأمطار التي أدت إلى كارثة جدة، مع كل ما سببته لنا من حزن ومعاناة، تعتبر في واقع الأمر خفيفة بمقاييس الكوارث المناخية التي تحدث في أماكن أخرى من العالم، أو التي يحذر العلماء من وقوعها بصورة متزايدة بسبب التغيرات المناخية الناتجة من التأثيرات البشرية التي أدت إلى زيادة انبعاث الغازات الدفيئة وما يتبع ذلك من ارتفاع في درجة حرارة الأرض. هذه التغيرات، كما يقدر العلماء، ستؤدي، لا قدر الله، إلى أعاصير وزوابع وارتفاع لمستوى البحر وفيضانات من العيار الثقيل المصحوب بعشرات أو مئات الآلاف أو حتى الملايين من الضحايا الذين سيخسرون أرواحهم أو بيوتهم وممتلكاتهم ويضطرون إلى النزوح والتشرد. الذين يرفضون الاستماع إلى تحذيرات العلماء والمسؤولين المختصين و يميلون إلى إدراج هذه التحذيرات تحت نظرية المؤامرة هم الذين يقفون عاجزين عن تقديم الحلول الفاعلة بعد وقوع الكوارث. لحسن الحظ هناك الكثير من القادة والمسؤولين في دول العالم الذين ينظرون بعين العقل والتدبر إلى الإثباتات العلمية، ويفضلون أخذ جانب الحيطة والحذر. هؤلاء هم الذين دعوا إلى مؤتمرات التغيرات المناخية ومنها المؤتمر المنعقد حاليا في مدينة كوبنهاجن بين 7-18 من ديسمبر بحضور 192 دولة و100 من الرؤساء والقادة وهو الخامس عشر من سلسلة المؤتمرات التي أدت إلى التوصل إلى اتفاقية كيوتو في عام 1997م التي قضت بأن تكفل البلدان الصناعية تخفيض مجموع انبعاث غازات الاحتباس الحراري ( الغازات الدفيئة) بنسبة 5 في المائة على الأقل مما كانت عليه عام 1990م. ينتهي العمل باتفاقية كيوتو عام 2012م، ولذا فهناك حاجة إلى اتفاقية أخرى لمتابعة نفس الهدف بعد 2012م وهي ما يحاول المجتمعون في كوبنهاجن التوصل إليه. ويمثل تحمس الولاياتالمتحدةالأمريكية الحالي للوصول إلى اتفاق بخصوص المناخ تغيرا مهما مرحبا به وعاملا أساسيا في النجاح المرتقب لمؤتمر كوبنهاجن. يحاول مؤتمر كوبنهاجن التوصل إلى اتفاقية ملزمة بتخفيض انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة محددة لكل دولة من الدول الصناعية الكبرى بحيث يكون الانبعاث في عام 2020م أقل مما كان عليه في عام 1990م بهذه النسبة. مثلا سيتحتم على الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2020م تخفيض انبعاثاته بنسبة 20-30 في المائة عن ما كانت عليه في العام 1990م. النسب المعادلة هي 25 في المائة لليابان، 25 في المائة لروسيا، 3 في المائة لكندا، 1,3 في المائة للولايات المتحدة (هذه النسبة الأخيرة تعادل 17 في المائة عن مستوى عام 2005م). أما بالنسبة للدول الصناعية النامية مثل الصين والهند فإن التخفيض سيقارن بمستوى 2005م وسيكون بنسبة 40-45 في المائة في الصين و20-25 في المائة في الهند. الهدف من هذه التخفيضات ألا يتجاوز مستوى غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي للكرة الأرضية 450 جزءا في المليون في عام 2020م وعدم ارتفاع درجة حرارة الأرض بأكثر من درجتين مئويتين. من أهم النقاط التي يجب الاتفاق عليها في كوبنهاجن مقدار التعويضات التي تقبل الدول المتقدمة دفعها للدول النامية مقابل الحد من انبعاثاتها وما يصحب ذلك من تكبيل لمشاريع الدول النامية التنموية والصناعية. وقد بادر الاتحاد الأوروبي بتخصيص مبلغ 30 مليار دولار لهذا الغرض. حادثة جانبية مفتعلة، أطلق عليها لقب «كلايمت جيت» حاولت، للأسف، إثارة التشكيك في ظاهرة الاحتباس الحراري، حيث تمت سرقة ونشر البريد الإلكتروني لوحدة أبحاث المناخ في جامعة إيست أنجليا البريطانيا، واستخدامه في اتهام علماء بفبركة نتائج تؤيد هذه الظاهرة وعرقلة نشر نتائج تعارضها. وقد رد على هذه الحادثة الكثير من العلماء وعدد من الشخصيات العالمية البارزة منها رئيس وزراء بريطانيا والسكرتير العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي أوضح أن هذه الحادثة لا تمس صحة الدراسات العلمية الكثيرة والأكيدة التي تدل على أن تغير المناخ يحدث بمعدل أسرع بكثير مما كنا نعتقد وأن الأنشطة الإنسانية هي السبب الرئيس في هذا التغير. الدرس الصغير الذي مر علينا في جدة، يجب أن يحثنا على النظر بجدية واهتمام إلى كل ما يدور في العالم حول التغيرات المناخية لأننا لن نكون بمعزل عن آثار هذه التغيرات، وعلينا أن نتحمل نصيبنا من المسؤولية، مهما كان صغيرا، في تصحيح مسار الإنسانية لتجنب ظاهرة التغيرات المناخية والكوارث الهائلة المترتبة عليها. أما الوصول إلى اتفاقية لتخفيض انبعاث الغازات الدفيئة في كوبنهاجن فهو تحد كبير للبشرية نأمل أن تنجح فيه. وقد يكون أهم دافع للنجاح، كما قيل في المؤتمر وخارجه، إن الفشل ليس خيارا ممكنا وإنه ليس لدينا خطة بديلة أو أرض ثانية. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 133 مسافة ثم الرسالة