يضطر المواطن حسن جابر القرني (35 سنة)، وهو يعمل في مهنة التعليم، للذهاب من حين لآخر إلى محلات بيع الأفلام لاختيار أفلام كرتونية تتناسب مع سن طفليه خالد (6 سنوات) وتولين (4 سنوات)، بعد أن فقد ثقته في القنوات الفضائية المخصصة للأطفال، والتي يعتبرها منحصرة في أيدلوجيتين قائمتين على العنف والتشدد من جهة، والتحرر والانحلال من جهة أخرى. ونتيجة هذا التجاذب والتنافس الفضائي لعقول الأجيال، تبلورت فكرة وزارة الثقافة والإعلام في إطلاق قناة «أجيال» للأطفال في أول أيام شوال الحالي، للخروج بالطفل السعودي والعربي من دائرة التجاذب الفكري للقنوات الفضائية، وصناعة جيل يستند على الثوابت، ويعتمد التفكير الحر في تعاطيه مع محيطه والعالم. من داخل أحد الاستوديوهات في مبنى تلفزيون جدة (جنوبي المدينة)، ترسم المديرة العامة للقناة الإعلامية سناء مؤمنة المعروفة في الإعلام السعودي بخبرتها الواسعة في إدارة برامج الأطفال طوال 17 عاما، أربعة أهداف رئيسية في وضع خطط وبرامج خامس القنوات التلفزيونية السعودية، وتعتبرها ترجمة للإصلاح والرؤية الخاصة بخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز المتمثلة في السؤال: «كيف نربي أبناءنا». وتتجسد أهداف مؤمنة الأربعة في تقديم ترفيه هادف، وتكوين آراء وتفكير الناشئة بعيدا عن التعصب أو اللامبالاة، وبث روح الابتكار والاختراع، وإيضاح صورة أنهم جزء من العالم لا بد أن يتفاعلوا معه عبر الحوار والاحترام المتبادل للثقافات والشعوب بمرجعية إسلامية وصبغة عربية وهوية سعودية. وبالمقابل يرفع المدير العام لتلفزيون جدة والمشرف على قناة أجيال الإعلامي خالد البيتي شعار «القناة ليست للمنافسة بل نريد أن نقدم ما هو جيد، فالقناة الوليدة هي هاجس وزير الثقافة والإعلام عبد العزيز خوجة منذ توليه منصبه، وجاءت هدية خادم الحرمين الشريفين متجاوبة مع هواجسه في إنشاء قناة تحاكي الطفل، وترضي طموحه وتفكيره ورغبته». أما بالنسبة للبيتي الذي سعى بمجهود خارق في خروج القناة للنور في مدة زمنية قياسية لم تتعدى الشهر الواحد من تاريخ صدور قرار التوجيه بإطلاقه في الأول من رمضان الماضي، وبأفكار وكوادر سعودية، فطموحاته ترتكز أن تصنع القناة برامجها الخاصة للأطفال في المملكة، وكذلك أطفال العالم العربي. يقول البيتي: «لا يخفى عليكم أن الطفل السعودي والعربي مهضومين إعلاميا، فهناك قصور في إنتاج برامج الأطفال حيث لا يوجد سوى خمس أو ست قنوات عربية متخصصة، فيما نجد في الدول الأوروبية أكثر من 50 قناة للطفل». ويشدد مدير تلفزيون جدة على ضرورة الاهتمام بما يقدم للأطفال في الإعلام العربي، خاصة في ظل وجود دراسات دولية تفيد بأن الطفل يقضي 900 ساعة أمام التلفاز سنويا، بينما لا يزيد عدد الساعات التي يقضيها الطفل في المدرسة عن 800 ساعة على مدار العام. ويتفق البيتي ومؤمنة في أن خطط القناة لا تعتمد سياسة تجميد الأطفال أمام التلفاز لساعات طويلة، ويؤكدان أنهما ضد أن يكون الطفل طوال الوقت متسمرا أمام شاشة أجيال التي لا تزال في مرحلة البث التجريبي لمدة ست ساعات يوميا (9 صباحا حتى 3 مساء)، وينتظر أن تزداد إلى 12 ساعة بث يومية بدءا من يناير (كانون الثاني) المقبل. وإذا ما زرت مبنى تلفزيون جدة تلحظ أن أجواء استوديوهات «أجيال» الباردة نتيجة التكييف العالي للتخفيف من حرارة الأجهزة والمعدات تطغى عليها أجواء الدفء بين أفراد فريق القناة المكون من 16 إعلامية وإعلاميا. ويمكن القول: إن جيلين يصنعان المواد المقدمة لأطفال أجيال في المملكة، باعتبار أن خالد البيتي وسناء مؤمنة يمثلان جيل الآباء والأمهات، وكلا من المذيعين ومهند عبد الله، والمذيعتان ندى فران ونوف الحازمي، بالإضافة للمايسترو كما يصفه أفراد الفريق المخرج هتان رامبو، الجيل الشاب في المملكة. ولا تجد مكانا لمقولة صراع الأجيال في العلاقة القائمة بين كلا الجيلين، فالجيل الأكبر ينظران لجيل الشباب نظرة تقدير لتميزهم في التعامل مع التقنية، وإبداء الأفكار الجديدة. وجيل ندى ونوف ومهند و الذين جرى اختيارهم من ضمن خمسين متقدما في تجارب اختيار مذيعين ومذيعات القناة، يسعون للنهل والاستفادة من تجارب وخبرات خالد البيتي وسناء مؤمنة الطويلة في الإعلام المرئي بكل ود واحترام. ولا ينسى فريق الإعداد الذي عمل ليل نهار، بحسب مؤمنة التي تمارس دور المعدة أيضا، لإعداد برامج الانطلاقة طوال شهر رمضان الماضي، والذين لم يكن يتسنى لهم مغادرة مبنى تلفزيون جدة لترجمة التصورات الموضوعة للقناة عبر أفكار البرامج والمواد المقدمة لمدة كانت تصل إلى يومين، ولكن المهمة الأولى والأساسية التي واجهت المشرف على القناة خالد البيتي بعد صدور توجيه البدء في استعدادات الظهور للعلن، تحددت في صناعة توليفة من المذيعين والمذيعات المؤهلين للوقوف أمام كاميرات التصوير، بحيث يمثل كل فرد منهم تخصصا أو جانبا معينا يحقق السياسة والتخطيط الإعلامي المرسوم لقناة الطفل السعودي. المذيعة ندى فران هي أول من وقع عليها الاختيار كي تصبح مذيعة في القناة بعد نقلها من عملها في القناة الثانية السعودية الناطقة باللغة الإنجليزية، ويصفها مرؤوسوها في العمل بأنها تتميز بالتلقائية. وندى التي تحولت من دراسة الإعلام في بداية مرحلتها الجامعية لأسباب خاصة كما أوضحت، إلى التخصص في مجال السياحة والفنادق، وتلقت دراستها في الولاياتالمتحدةالأمريكية وسويسرا حتى حازت درجة الماجستير. وتقول ندى: «دخولي مجال العمل الإعلامي جاء نتيجة إصرار مني في أن أصبح إعلامية، وإيصال الرسالة الإعلامية الهادفة التي أرغب في تقديمها للناس». وتتشارك نوف الحازمي مع زميلتها ندى فران في حب الإعلام واللغة الإنجليزية، بيد أنها لم تتوقع أن تصبح إعلامية في يوم من الأيام رغم إعجابها الكامل الذي دفعها للتقديم كمذيعة في القناة الثانية ولكن الأقدار حولتها إلى الرضيعة الجديدة للإعلام المرئي السعودي. وتضيف «بصراحة كنت أعتقد أني سأستثمر الإعلام في ترويج أفكاري، خاصة وأن طموحي كان وما زال إنشاء شركة لإنتاج أفلام الكرتون، ولكني سعيدة الآن كون الإعلام يسمح للشخص إيصال فكره لكافة الناس في أقل من 30 ثانية». ربما يتساءل أحدهم عن سبب ذكر علامات الاشتراك بين ندى ونوف في الجزء الثاني المتعلق باللغة الإنجليزية، والإجابة على لسان البيتي «من الغريب والطريف أيضا، أن شهر رمضان بالنسبة لندى ونوف فترة تدريب مكثفة على نسيان اللغة الإنجليزية التي يجيدانها بطلاقة، وذلك حتى يستطيعوا إتقان اللغة العربية». وأضاف «ولقد بذلتا جهدا مضاعفا خلال التدريب سواء في التلفزيون أو عند ذهابهن للمنزل، وأشرف على تدريبهن مدرب للغة العربية هو الأستاذ عبد الله جماح». ولا يختلف الفتى العلمي وزميله الموهوب في التمثيل والتقليد مهند عبد الله في الاشتراك بصفة واحدة هي أنهم تخرجوا حديثا من المرحلة الثانوية، ويخوضون غمار المرحلة التحضيرية في الجامعة في تخصصات علمية بحتة. أما المذيع يعتبر الإعلام هوايته ووظيفته لذلك اختار الطب مجال دراسته في جامعة الملك عبد العزيز في جدة. ويبين مدير تلفزيون جدة أن عند وقوع عينه على شعر بقدرته على تقديم البرامج ذات الطابع العلمي ليس في قناة أجيال للأطفال بل في القناة الأولى أيضا، مضيفا «لديه مخزون معرفي في الجوانب العلمية يساعده على هذا الانتقال، وقد ساعده اهتمامه العلمي في البروز في الأيام الأولى من البث من خلال رسائل المشاهدين». ورؤية مهند هي ذات رؤيا زميله ، والمتمثلة في أن الإعلام موهبة وليس بالضرورة يجب دراسته، لهذا اختار تخصصا علميا لإكمال مرحلته الجامعية بعد تخرجه من الثانوية العامة. ويتحدث البيتي عنه قائلا: «لديه موهبة كبيرة في التمثيل والتقليد، إضافة إلى اهتمامه بالجوانب الرياضية، ويتميز بعشقه للعمل الإعلامي، والتلقائية والموهبة التي ساهمت الدورات التدريبية المكثفة في رمضان الماضي، في صقلها بشكل جيد». وفي غرفة الكنترول المجاورة لاستوديو قناة أجيال يجلس العقل المدبر لبرامج القناة حديثة الولادة المخرج هتان رامبو الذي يهتم بتفاصيل التفاصيل، ما جعله يستحق لقب مايسترو أجيال. ويوضح هتان أن خطط البرامج يراعى في تنفيذها عوامل تمزج بين الثقافة والترفيه وكيفية التعبير وتنمية المعلومات، معتبرا أن على عاتقهم دورا كبيرا في إبعاد الأفكار الضالة والمنحرفة عن عقول رجال المستقبل. ويقول: «خلال الفترة الزمنية الضيقة لإعداد برامج القناة راعينا تحديد المواضيع التي تراعي قصر المرحلة الزمنية، بحيث لا بد أن يختار الموضوع المناسب الذي يتواءم مع الزمن المحدد لبدء البث».ويتناوب فريق المذيعات والمذيعين الأربعة للقناة على تقديم خمسة برامج تتمثل في برنامج يومي بعنوان أصدقاء أجيال، وبرنامج مواهب واختراعات الذي يشجع كافة أطفال المملكة المخترعين على المشاركة ضمن البرنامج بهدف تشجيعهم، وخلق جيل من المبدعين. بالإضافة إلى برامج سافروا معنا لتوسيع مدارك الطفل حول دول ومناطق العالم، والطباخ الصغير الساعي لجعل الطفل معتمدا على ذاته، وبرنامج خير أمة للتأكيد على ثوابت الأمة السعودية المستندة على الشريعة الإسلامية. وتبين أول إعلامية سعودية تتبوأ منصب مدير عام قناة من قنوات التلفزيون السعودي أن فترة زيادة ساعات البث المستقبلية ستشهد في تقديم برامج جديدة من بينها برنامج الطفلة الموهوبة تقدمه طفلة من المنطقة الشرقية، وبرنامج يختص بذوي التحديات (الاحتياجات) الخاصة لتنمية مواهبهم الإبداعية، إضافة إلى برامج باللغة الإنجليزية باعتبارها اللغة العالمية الواجب التمكن منها لمسايرة تطورات العصر الحالي. ولكن حلم سناء مؤمنة الأهم والأكبر، والذي بالفعل يعد الأجدر بالتنفيذ لأهميته في تربية أجيال المستقبل في المملكة، صناعة أفلام كرتون للطفل السعودي وفق عوامل مرجعيته وصبغته وهويته. وتؤكد المديرة العامة لقناة أجيال سناء مؤمنة أن الغاية والأمنية الكبرى لطاقم قناة أجيال هو «توجيه الطفل السعودي من خلال البرامج التربوية والثقافية والعلمية أن يستطيع عندما يكبر اختيار الحياة المناسبة، وتحديد مستقبله بنفسه».