غيب الموت أوائل صفر الماضي أحد أشهر شعراء النظم والمحاورة في الخليج فيصل منصور الرياحي البقمي، الذي رحل مخلفا وراءه إرثا شعريا كبيرا توجه بألفية شهيرة في رحلة استمرت نحو 40 عاما. ولد الرياحي في العام 1377ه في تربة البقوم شرق محافظة الطائف وترعرع في كنف أسرة عريقة مهتمة بالأدب والشعر، وكان عدد من أقاربه تنبأوا بموهبته الشعرية منذ نعومة أظفاره. وحينما اشتد عوده بدأ يقرض الشعر مع شعراء قبيلة البقوم خلال المناسبات التي تشهدها تربة وما جاورها. مكث فيصل الرياحي في حضن والده حتى توفي ليدخل بيت جده الذي تولى رعايته بعد وفاة والده، ظل مع جده حتى بلوغ السن الوظيفي ليلتحق بالحرس الملكي. انتقل بعد سنوات للعمل في وزارة الشؤون البلدية والقروية وشغل بعدها منصب رئيس مركز إمارة تربة الخيالة وانتهى به المطاف رئيسا لإمارة مركز نخال التابع لإمارة منطقة الباحة. عاش فيصل الرياحي مع الشعر منذ الخامسة عشرة من عمره، وكان يشارك في المناسبات التي تحييها قبيلته في محافظة تربة، وتطور في شعره وأسلوبه حتى نازل كبار الشعراء مثل صياف الحربي ومطلق الثبيتي ومحمد المسعودي وأحمد الناصر وخلف بن هذال والعديد من الشعراء الآخرين. وواصل يرحمه الله تواجده في ساحات المحاورة متنقلا بين عدة دول بالخليج العربي وكافة مدن المملكة، وكون جماهيرية عريضة أخذت تلاحق شعره أينما حل وارتحل، حتى انتهى به المطاف ليغادر حياته بعد مساهمته في عضوية لجنة مسابقة «شاعر المعنى» والتي كان أحد أهم العناصر التي قادت البرنامج للنجاح. له خمسة من الأبناء أكبرهم الملازم أول بدر الذي عاصر حياة والده وكان يرافقه حتى تخرج والتحق بالسلك العسكري، ويتذكر بدر الكثير من الجوانب الإنسانية لدى والده وطقوسه في رمضان.. يقول: كان لنا معه ذكريات جميلة في رمضان وكان يرحمه الله يحرص كثيرا على جمع الأسرة والالتقاء بكافة أولاده وبناته وزوجاته بجانب والدته خلال شهر رمضان والإجازات الرسمية. وأضاف: كان والدي في حياته محبا للخير متصدقا في السر فقد كان يتصدق ويرعى أسرا وأيتاما ولا أحد يعرف عنهم شيئا حتى نحن أبناءه، وتبين لنا من خلال اتصالات تلقيناها من جهة ما بمملكة الأردن أن والدي كافل لأيتام ورغبوا في معرفة رغبتنا في مواصلة الكفالة وأجبناهم بالموافقة دون تردد، وكذلك قام يرحمه الله بحفر بئر قبل وفاته بأيام وقمنا باستكمال مشروعه الذي أبصر النور، بالإضافة إلى مسجد على نفقة أبنائه. ويتذكر بدر حياة والده معهم في رمضان قائلا: كان والدي يسعد كثيرا بتجمعنا على مائدته في شهر رمضان للإفطار أو السحور وكان جميل الابتسامة رائع الطلعة، وصاحب نكتة عذبة، حنونا لا ينفك يداعبنا مازحا مبتسما، وكنا نتمازح معه من خلال مقتطفات نحفظها من شعره ونحاول أن نقول أبياته أمامه، ما يدخل في نفسه السعادة والسرور وهو يستمع لها ويعرف أننا نحفظها. كل هذا إلى جانب أنه كان حريصا على أداء الصلاة في أوقاتها حتى في آخر أيامه، وتوفي بعد صلاة الفجر التي أداها جماعة على طريق الرياضالطائف، وكان يرحمه الله حريصا كذلك على صلاة التراويح والتهجد وكان يحثنا على ملازمة المسجد في حياته. ويؤكد نجل الرياحي أن الراحل لم يكن يوما من الأيام حريصا على الدنيا واللهث وراءها، وكان يتمتع بخصال حميدة حتى إنها انعكست على شعره نظما ومحاورة، كان يرحمه الله مبدعا في قصائد النظم التي كان لها الحظ الوافر من موهبته وكان يحثنا على مواصلة زملائه والاتصال بهم ونحن لازلنا على تواصل معهم وهم كذلك لهم نفس الحال معنا.