عشق عبدالملك ملا الأذان بالوراثة، فمنذ أن كان طفلا في حارة سوق الليل المجاورة للحرم، وصوت أذان والده وعمه أحمد ملا يتردد من منارة المسجد الحرام في أذنه خمس مرات في اليوم، وعندما كبر وجد نفسه مؤذنا بل إنه أصبح شيخا للمؤذنين حتى وافته المنية في 1428ه. ولد ملا في العام 1352ه وعاش وترعرع في منزل عمه مؤذن الحرم أحمد علي ملا وحفظ القرآن في صغره في دار تحفيظ القرآن في زقاق الصاغة. حصل على الشهادة الابتدائية من المدرسة الرحمانية الابتدائية في عام 1365ه كما حصل على الشهادة المتوسطة والثانوية من المعهد العلمي السعودي. وحصل على ليسانس كلية الشريعة في عام 1372ه وكان الثالث على الدفعة وهي أول دفعة تخرجت من كلية الشريعة بمكةالمكرمة. بدأ ملا العمل معلما في العام 1373ه في وزارة المعارف لمدة ثلاثة سنوات في المعهد العلمي السعودي، بعد ذلك عين وكيلا للمعهد العلمي السعودي مع مدير المعهد الشيخ سعيد الجندول يرحمهما الله بعدها عين مديرا لمدرسة خالد بن الوليد المتوسطة، وبعد ذلك صدر قرار تعيينه مديرا للمعهد العلمي السعودي الابتدائي والثانوي. في أواخر شهر رمضان 1388ه أصبح مديرا لمدرسة عبدالله بن الزبير المتوسطة حتى أحيل على التقاعد في ربيع الأول 1410ه. وكرم في عام 1417ه من قبل صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبدالعزيز أمير منطقة مكةالمكرمة من الرواد التربويين في مجال التعليم لخدمة العلم والتعليم لمدة أربعين عاما. وكان طوال هذه الفترة يعمل مؤذنا في المسجد الحرام مع والده وعمه أحمد وذلك في منارة باب المحكمة إضافة إلى عمله التربوي. وفي عام 1390 تم تعيينه شيخا لمؤذني المسجد الحرام، بناء على اختياره من قبل سماحة الشيخ عبدالله بن حميد رئيس الإشراف الديني يرحمه الله وتزكيات من قبل بعض المشايخ بالمسجد الحرام ورجال التعليم. واستمر شيخا للمؤذنين حتى تاريخ 1/9/1427ه تعرض حينها إلى وعكة صحية ألزمته الفراش حتى انتقل إلى جوار ربه في 1/3/1428ه. ويتذكر أبنه الوحيد فايز أن والده لم يحصل على يوم إجازة منذ التحاقه بالعمل في المسجد الحرام، يقول: كنت أتبعه إلى الحرم يوميا طوال شهر رمضان وأحمل له الإفطار الذي يحبه وهو التمر والسمبوسك. ومن الذكريات العالقة في ذاكرة ابنه يقول: أذكر أننا كنا نستقبل رمضان بقشع فرش البيت واستبدالها بحنابل حتى ليلة العيد وبعدها نعيد الفرش كما كانت، لتكون جديدة في ليلة العيد. يضيف: كان والدي مديرا للمدرسة التي كنت أدرس فيها، وكان يحرص على ترفيه الطلاب ومشاركتهم في رحلات إلى المدينة وإلى الباحة، وكان يحرص على المشاركة في إعداد الطعام معنا بيده. ويستمر فايز في سرد قصة والده بالقول: بنى والدي منزلا في حي الششة، وهناك ابتعدنا عن الحرم قليلا ولكن الوالد كان لا يفارق الحرم وخاصة صلاتي المغرب والعشاء وفي شهر رمضان كان يرحمه الله يطالبنا بضرورة الصلاة في المسجد الحرام وكان يحرص على أداء صلاة التراويح والتهجد في الحرم، كما كان حريصا على عدم السهر، حيث لم يتجاوز الثانية عشرة ليلا وكان دقيقا في مواعيده يحرص على تسجيل كل شيء بالورقة والقلم. وفي العيد وبحسب فايز كان أول ما يقوم به الذهاب زيارة القارب وتهنئتهم بالعيد، وكان شديد الحرص على زيارة أخته التي كانت تسكن في العزيزية وتناول طعام الغداء معها بشكل سنوي. وحول مرض والده يقول فايز: أصيب الوالد في آخر حياته بمرض السكر والضغط ولن أنسى تلك الليلة التي تعرض فيها للجلطة، حيث عاد من الحرم في أول ليلة من رمضان لعام 1427ه بعد أن صلى التراويح جلس معنا وكأنه يودعنا، وبعد أن تناول طعام العشاء قال لابني فارس الذي يبلغ من العمر آنذاك 13 عاما: أعطني كتاب الأمثال الشعبية لكي أقرأه قليلا قبل أن أنام، ذهبت إلى شقتي وبقي هو في المنزل في الشقة السفلى، وفي الصباح وجدته يعاني من ثقل في لسانه وعدم قدرته على الكلام، فانطلقت مسرعا وأحضرت طبيبا وبعد الكشف عليه أخبرني بأنه قد تعرض لجلطة في المخ نتج عنها شلل نصفي فقمت بنقله إلى أحد المستشفيات الخاصة بمكةالمكرمة وبعد الكشف عليه أخبروني أنه قد تعرض لجلطة أدت إلى إصابته بشلل نصفي وأصبح غير قادر على الكلام. ويضيف فايز: تدخل الشيخ صالح الحصين الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي وأحضر لنا أمرا من الملك بتحويل الوالد إلى المستشفى التخصصي في جدة، ولكن بعد عرض التقارير عليهم أشاروا إلى أنه لا يوجد له علاج وأنه يحتاج إلى عناية ومتابعة فقط، بعد ذلك أدخلته إلى أحد المستشفيات الخاصة في مكة وبقي فتره ثم أعدته إلى المنزل وكان لا يتناول طعامه إلا أن طريق أنبوب من خلال الأنف وبقي على هذا الحال حتى توفي يرحمه الله في غرة ربيع الأول لعام 1428ه. ويؤكد فايز ملا أن والده خلف تركة كبيرة من حب الناس، يقول: أتلقى اتصالات من داخل وخارج البلاد للسؤال عن والدي، فهو أحد الذين سافروا إلى بعض الدول الآسيوية لتعليم الناس هناك الأذان وللمشاركة في الدعوة، كما خلف مكتبة كبيرة تغص بالكتب المختلفة. وعن مدى تأثره بوالده من خلال قدرته على الأذان بنفس الصوت، قال فايز: أديت الأذان مع والدي وخاصة أذان الفجر الأول في الحرم ولدي ملكة صوت تشبه صوت الوالد، كما أديت الأذان في الكثير من المساجد في مكةالمكرمة وقد تقدمت للرئاسة لكي أكون مؤذنا خلفا لوالدي ولازالت أنتظر وأنا رهن إشارة الرئاسة في أي وقت، على الأقل لكي أنال الشرف الذي ناله والدي يرحمه الله.