رغم الأحداث الكثيرة التي يضج بها مشهدنا الرياضي هذه الأيام، إلا أن أهم وأخطر حدث ينبغي التوقف عنده طويلا، وإعطاؤه ما يستحقه من اهتمام وعناية، هو ما شهدته مباراة الهلال ونجران من هتافات عنصرية وطائفية يجب أن لا تمر دون موقف حازم وصارم من الجهات الرسمية المسؤولة. فهي وإن لم تكن المرة الأولى التي نسمع فيها هتافات خارجة عن اللياقة والأدب، وبعيدة عن الروح الرياضية، فإنها هذه المرة أخذت بعدا خطيرا بملامسة قضية تمس وحدتنا الوطنية، وفاحت منها رائحة طائفية نتنة، لا يجب التساهل تجاهها وإلا تحولت مدرجات ملاعب كرة القدم إلى منبر لتبادل الهتافات القذرة والخطيرة بين جماهير الكرة في مختلف المناطق. وإذا لم نرسل للجمهور الرياضي بأن هذه الهتافات (خط أحمر) لا يمكن القبول بها أو السكوت عنها، فما الذي سيمنع جمهور نجران أن يرد الصاع صاعين عندما يلعب الهلال في نجران في الدور الثاني، فيسمع جمهور الهلال هتافات لا تقل سوءا عن الهتافات التي سمعناها في مباراة الفريقين الأخيرة. صحيح أن القضية حساسة جدا، وصحيح أن الأندية لا تستطيع أن تضع حراسا على أفواه جماهيرها، وبالتالي لا يمكن تحميلها تبعات أخطاء وتجاوزات مجموعة من الجمهور المحسوب عليها، وصحيح أن مضامين هذه الهتافات ليست من تأليف هذا الجمهور أو ذاك، وإنها موجودة من قبل، وصحيح أيضا أن بعض الجماهير تفتقر للإدراك والوعي بخطورة ما تردده من عبارات وألفاظ، مثلما تفتقر للحس الوطني الذي يردعها عن التورط بإطلاق مثل هذه الهتافات، إلا إن الأصح هو أن لا تكون مثل هذه التبريرات غطاء لتمرير القضية وكأنما شيئا لم يحدث، لأن السكوت على مثل هذه التجاوزات والخروقات الخطيرة قد يجرنا إلى ما هو أخطر وأكثر سوءا مما لا يخطر ببالنا الآن. ولنا في تجارب الماضي عبر ودروس، فالتساهل إزاء الكثير من التجاوزات ولد تجاوزات أكثر خطورة منها، حتى استعصت هذه التجاوزات على العلاج، وبدأنا نتكيف معها ونتقبلها كأمر واقع، واعتبارها شرا لابد منه، مع إننا نرفضها ونخجل منها. ويزداد الأمر خطورة إذا ما عرفنا أن غالبية جمهور الكرة هم من شريحة الشباب ممن لا تتجاوز أعمارهم ال 25 عاما، فهؤلاء الشباب عندما يسمعون مثل هذه الهتافات التي تفرق أبناء المجتمع الواحد وتصنفهم إلى فئات، وتقسمهم إلى أقسام، ستنطبع في أذهانهم هذه الهتافات وتنعكس من حيث يدرون ولا يدرون على سلوكياتهم وتصرفاتهم في الكثير من المواقف، مما ينسف جهود الدولة في تكريس الوحدة الوطنية، وتعزيز اللحمة بين أبناء هذا المجتمع الواحد. والمطلوب هو اتخاذ إجراءات تمكن الجهات المسؤولة من ضبط المشجعين الذين يطلقون هتافات من هذا النوع، وتقديمهم للمحاكمة لينالوا جزاءهم، عقابا لهم وردعا لغيرهم. يجب أن تصل الرسالة واضحة للجمهور الرياضي، وهي أن الجهات الرسمية ليست عاجزة عن ضبط مدرجات الملاعب، وأن كل من يتجاوز الأنظمة والقوانين سينال عقابه العادل، وأن لا أحد يستطيع أن يفلت من هذا العقاب، في تصوري هذه الخطوة الأهم لضبط بعض الجماهير المنفلتة، فالنظام وهيبة الجهات المسؤولة والمعنية بتطبيقه ينبغي أن نصونهما ونعززهما ببعض الإجراءات الملموسة، وإلا فالكلام ليس عليه جمرك كما يقال. دندنة: من بين الكل بتسرقني وبتلج الماضي تحرقني