قام الإسلام على قيم الحرية والعدالة والمساواة والإنسانية، وجعل أساس العلاقة بين البشر مبنية على الأخوة على حد قول الإمام علي عليه السلام: «الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الإنسانية»، ولم يقبل الإسلام علاقة السيطرة والظلم واحتقار الآخر مهما كانت عقيدته أو دينه، بل أمر بالإحسان والبر والقسط لكل البشر، ونظم العلاقات في حالات الحرب والسلم حتى لا يكون هناك تجاوزات وحفاظا على الأرواح والأبرياء، فهو القائل جل جلاله: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون»، كما ترك لغير المسلمين حرية الاعتقاد وعدم إرغامهم على الدخول في الإسلام «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر». يكثر اللغط كثيرا حول سوء معاملة غير المسلمين في الإسلام نتيجة السلوك الخاطئ لبعض الجماعات «الإسلامية» التي عملت منذ عقود على تشويه صورة الإسلام، لكن الحقيقة التي لا يمكن أن يخفيها أحد هي تلك الأدلة التي لا تدع للشك موضعا بأن الإسلام دين عدالة وقيم أخلاقية شاملة لكل البشر، وبالرجوع إلى القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة يتبين للجميع أن الإسلام بنى العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين على دستور ثابت لا يتغير أساسه، وهنا نؤكد على مضامين صحيفة المدينة قديماً ووثيقة مكةالمكرمة التي أطلقتها رابطة العالم الإسلامي حديثاً أن العلاقة تبنى على أربع أسس وهي: 1. العلاقة تبنى على أساس، لكم دينكم ولي دين. 2. على أساس، المسالمة وليس الإسلام. 3. نسالم من يسالمنا ونعادي من يعادينا. 4. الانضباط الأخلاقي والإنساني العادل والمتوازن في التعامل. وتؤكد سورة الكافرون على مبدأ «لكم دينكم ولي دين»، كما أكد القرآن على عدم إكراه غير المسلمين على اعتناق الإسلام في قوله: «لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي»، كما أن العلاقة بينهم هي علاقة مسالمة ولا ينبغي محاربتهم لمجرد أنهم غير مسلمين، بل إن الحرب طارئة في العلاقة إذا حصل هنالك اعتداءات مباشرة أو غير مباشرة على المسلمين، كما أنه من الأهمية بما كان معاملة غير المسلمين بمنتهى الأخلاق والعدالة، ونضرب مثالا على عدالة الإسلام في سلوك وأخلاق الإمام علي بن أبي طالب الذي افتقد درعه المفضلة، فوجدها في يد يهودي كان قد عرضها في السوق يريد بيعها، فلمّا رآها عرفها، فقال لليهودي: هذه درعي كانت قد سقطت عن جمل لي في مكان كذا، فأنكر اليهودي عليه قوله، وطلب أن يحكم بينهما قاضي المسلمين، فقبِل علي فلمّا صارا عند قاضي المسلمين وكان وقتئذٍ شُريح -رحمه الله-؛ قال شريحٌ لعليٍّ: لا أشك بأنك صادق يا أمير المؤمنين، ولكن لا بد لك من شاهدين يشهدون معك أنّها درعك، فأراد عليّ أن يشهد له قنبر وولده الحسن. فأجابه القاضي شريحٌ بأن شهادة الولد لا تجوز لأبيه، فقال عليّ: يا سبحان الله! رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته؟، أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الحسَنُ والحُسَيْنُ سيِّدا شَبابِ أَهْلِ الجنَّةِ»، إلّا أنّ القاضي شريح أصرّ على موقفه بأنّه لا تجوز شهادة الولد لأبيه، عندها التفت عليّ إلى اليهودي وقال له: خذها؛ لأنّي لا أملك شاهدين غيرهما، فتعجب اليهودي من الموقف. وقال لعليّ: أشهد أنّها درعك يا أمير المؤمنين، ثم قال مُتعجباً: أميرُ المؤمنين يقاضيني أمام قاضيه، وقاضيه يقضي لي عليه!، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فأسلم اليهودي لِما رأى من العدل في القضاء، فكان موقف شريح وقضاؤه بالحقّ وقَبول أمير المؤمنين وخضوعه لحكم القاضي دون اعتراض سببًا في دخول اليهودي الإسلام. أصبح المسلمون وغير المسلمين في كثير من البلدان يعيشون جنبا إلى جنب، ولا شك أن لكل منهما معتقداته وثقافاته وتوجهاته، ولكن الأهم هو كيفية التعايش بسلام بينهما دون مواجهة أو صدامات التي من شأنها أن تؤثر على أمن واستقرار البلد الذي يعيشون فيه، لذلك فإن روح الانتماء إلى الوطن هو أحد أهم العناصر التي تحمي المسلمين وغير المسلمين على حد سواء للعيش بسلام ودون أي مناوشات قد تحصل بسبب الانتماء الديني، وقد أكد ميثاق صحيفة المدينة على ذلك في أحد بنودها بالقول إن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم. كما أنه بالعودة إلى الوثيقة التاريخية يتبين أن جميع المواطنين يعاملون على قدم المساواة مهما كانت عقيدتهم، بل لا مجال للحديث عن تقسيم المواطنين إلى مواطنين من الدرجة الأولى والثانية والثالثة، بل يتساوون في الحقوق والواجبات، وهذا ما أكدت عليه رابطة العالم الإسلامي عبر وثيقة مكةالمكرمة التي أكدت على ضرورة نشر الوعي بقيم المواطنة الحقة، وتكريس ثقافة التسامح والتعايش السلمي بين المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية.