الحياة - سعودي لا أشك في أن أعظم جامعة في العالم هي جامعة الحياة التي يستفيد منها الذكي المجتهد العبر، لأنه ينظر بعين الاعتبار والبصيرة لا البصر، وفي جامعة الحياة كان درس ناهد بنت ناصر المانع - رحمها الله - درساً اختلفت مواقف الناس فيه باختلاف نظرتهم وخلفيتهم الثقافية، والقلوب تغلي بما فيها، والألسنة مغاريفها، إلا أن هذا الدرس من هذه الفتاة العظيمة التي تشرفت بها كل فتاة سعودية علمني فوائد، أهمها: - الحذر من الخوض في ما لا تعلم، وكف اللسان عن أذية الخلق، ذلك أنه لما انتشر خبر مقتلها تلقى هذا الخبر البعض بألسنتهم من دون أن يمرروه على عقولهم، واتهموا الفتاة بما ليس لهم به علم، حتى انتشر الفيديو الذي سبق مقتلها وهي بكامل سترها وعفتها، فما موقفهم أمام الله يوم القيامة، وهو سائلهم عن الكلمة التي لفظوها، وما جوابهم عنها إلا العجلة وقلة التروي «وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ»، وعليه فإن موقف العقلاء إمساك اللسان عن الحديث في أي امرئ، وفي كتاب الله «لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ، إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ، أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ». وفي الحديث الذي أخرجه البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم». - خطر العنصرية المقيت، الذي أشارت التصريحات الأولية إلى أنه هو الدافع في مقتل ناهد وقد أشرع الإسلام سيفه لوأد العنصرية والتحذير منها، وفي كتاب الله، «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ»، فربنا واحد وأبونا واحد ولا فرق لأبيض على أسود ولا عربي على عجمي إلا بالتقوى، هذه التقوى التي تكون مصدر عزة للمتقي بها يعدل بين الناس ويدعو إلى دينه من خلال أخلاقه وتعامله، وروى أبونعيم والبيهقي قصة عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وبعض أهل العلم يضعفها، ونصوص القرآن والسنة تشهد لها، وهي أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب تنازع مع يهودي على درع، فاحتكما إلى القاضي شريح، الذي قال: «يا أمير المؤمنين هل من بينة؟» قال: «نعم الحسن ابني يشهد أن الدرع درعي»، قال شريح: «يا أمير المؤمنين شهادة الابن لا تجوز»، فقال علي: «سبحان الله رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته؟» فقال: «يا أمير المؤمنين ذلك في الآخرة، أمّا في الدنيا فلا تجوز شهادة الابن لأبيه». فقال علي: «صدقت - الدرع لليهودي». فقال اليهودي: «أمير المؤمنين قدمني إلى قاضيه، وقاضيه يقضي عليه! أشهد أن هذا الدين على الحق، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وأن الدرع درعك يا أمير المؤمنين، سقط منك ليلاً». فأهداه أمير المؤمنين الدرع. والعجب من بعض أبناء جلدتنا الذي مارس العنصرية الفجة ضد الحجاب والعباءة وجعلهما السبب وراء مقتل المبتعثة، ولم يفلسف القضية بمنطقية، وحمل الضحية جرم اعتزازها بدينها وتمسكها بمبادئها، وبرأ المجرم الذي قادته عنصريته لقتل صاحب القيم والمبادئ! أضف إلى ذلك سلبية بعض وسائل الإعلام التي لم تتناول القضية بما يخدم المملكة العربية السعودية والمسلمين، ويعرف المواطن الأوروبي كم يستاء المسلمون لجريمة دافعها التمييز الديني الذي قضى على حياة مبتعثة، وبمعادلة بسيطة تخيل لو أن المقتول بريطاني قُتل في السعودية بدوافع دينية، كيف ستتناول وسائلهم الإعلامية مثل هذه القضية، لتدرك حجم الفرق بين المستثمر للحدث الحريص على وطنه وحياة أبنائه، والمراقب له. - علمتني ناهد - رحمها الله - أنه ما مات من ورث أفكاراً نيرة يستفيد منها الوطن والعالم بأسره، لقد أعلن مدير جامعة الجوف الدكتور إسماعيل البشري موافقة وزير التعليم العالي الدكتور خالد العنقري على تخصيص جائزة للمبتعثين المميزين باسم طالبة الدكتوراه السعودية ناهد المانع التي قتلت في كولشستر، وجاءت جائزة ناهد المانع للمبتعثين المميزين، لتذكي روح التنافس الشريف بين أبنائنا في الخارج للحصول على جائزة تحمل اسم المرأة العظيمة، كما أعلن أمين المنتدى الإسلامي في بريطانيا تبنيه مشروع مركز ناهد الزيد الإسلامي الذي اقترحه مجموعة من المغردين، ليكافح هذا المركز العنصرية التي قتلت روحاً بريئة، وليعرف العالم أجمع بسماحة الإسلام ورقيه وإن أساء له بعض المنتسبين إليه. - في صلاة الجنازة على جثمان ناهد كان المنظر مهيباً، إذ تجمع عدد كبير من أهالي الجوف للصلاة على ناهد ليظهر هذا المجتمع كم هو مترابط بينه، وفخور بمن يمثله، فتاة تلقى حتفها بكامل سترها، اللهم اغفر لها وارحمها. * داعية، وأكاديمية سعودية. Nawal_Al3eed@