هذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الذي خلف أبا بكر في الحكم يقدم لنا نموذجاً رائعاً من نماذج الحاكمية الخيرة. وما أكثر ما قدمه عمر في معرض حضارة الإسلام من نماذج روائع.. في سيرته بين أهله وولده وذوي قرباه وفي سياسته لرعاياه من عامة المسلمين لقد بعث إليه عتبة بن فرقد عندما تم له فتح أذربيجان بطعام شهي وقدم رسول عتبة إلى المدينة بالهدية الكريمة وعندما حضر بها لدى عمر كشف عنها خليفة المسلمين وذاق الطعام فوجده طيباً لذيذاً، ولكنه سأل رسول عتبة أكل المهاجرين أكلوا منه، فأجاب الرسول لا.. يا أمير المؤمنين إنما هو شيء خصك به عتبة, وهنا يرفض عمر أن يأكل من هذا الطعام الذي أهداه إليه عامله على أذربيجان, ويكتب إليه كتاباً يقول له فيه: (من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى عتبة بن فرقد - أما بعد فليس من كدك ولا كد أبيك ولا كد أمك إنا لا نأكل إلا ما يشبع منه المسلمون في رحالهم). أبحاث وقبل أن نعرض النموذج الثاني شريح ما أرى أن تخرج من نقدم له بالإشارة الخاطفة إلى يده فهل لك بينة. الأدب النبوي الذي تأدب به خلفاء المسلمين وأمراؤهم واتخذوا صاحبه عليه الصلاة والسلام - قدوة لهم يهتدون بهديه ويتبعون خطاه. أليس هو القائل عليه صلاة الله وسلامه عندما أحس دنو أجله من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري ليستقض منه ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي ليستقض منه ألا وإن الشحناء ليست من طبعي ولا من شأني) أو كما قال صلى الله عليه وسلم. إن رسول الله كما نعلم جميعاً ونعتقد كان المثل الأعلى للعدل والأدب وحسن الخلق وما احتواه في معانيه الواسعة من رحمة ورأفة وتسامح وإيثار ولكنه بما طلب عليه الصلاة والسلام من براءة لعرضه وراحة لضميره إنما أراد أن يكون (النموذج الأول) لخلفائه وأمراء المسلمين من بعده في تحري العدالة واتقاء المظالم في سياسة المحكومين, فهذا علي بن أبي طالب وهو النموذج الثاني يفتقد درعه وهو أمير المؤمنين ثم يجدها مع نصراني يعرضها للبيع في السوق ويستوقفه ليقول له هذا درعي ولكنه لا يأخذها منه قسراً وهو أمير المؤمنين والحاكم المطاع بين الناس جميعاً إلى كونه ابن عم الرسول (ص) وزوج ابنته وإنما يقول للنصراني في أدب رفيع: (بيني وبينك قاضي المسلمين) فهو أي علي كغيره من المتخاصمين ولو كان أمير المؤمنين عليه أن يقيم دعواه بين يدي القاضي فيثبت أن الدرع درعه أو تسقط دعواه. ويذهب علي والنصراني إلى القاضي شريح وينعقد مجلس القضاء ويبدأ علي دعواه قائلاً: هذه درعي ذهبت مني منذ زمان فيقول القاضي لقد طلب القاضي من أمير المؤمنين بينة على دعواه بأن الدرع له وإلا فهي حق للنصراني ما دامت في يده، ويقول علي رضي الله عنه عندئذ: (صدق شريح) وهنا تفعل العدالة التي تحراها القاضي فمنعته حتى عن مجاملة أمير المؤمنين وتحراها أمير المؤمنين نفسه تفعل مفعولها وتؤثر أثرها في نفس النصراني لأنها أي العدالة مجد الحياة وسعد الأحياء مهما اختلفت أديانهم وتمايزت ألوانهم وتعددت أوطانهم، إنها الظل البارد الكريم الذي تلتمسه الإنسانية أبداً لتأمن فيه الظلم وتنشد السلم وتسعد بالمعاش, قال النصراني حينذاك أما أنا فأشهد أن هذه أحكام الأنبياء, أمير المؤمنين يختار قاضيه وقاضيه يحكم عليه هي والله يا أمير المؤمنين درعك اتبعتك يوم الجيش وقد زلت من جملك الأوراق فأخذتها, وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وكما تأثر النصراني بهذا الموقف العدالي الرائع انفعل علي باعتراف النصراني ثم إسلامه اقتناعاً منه بالإسلام دين عدالة ومساواة تتحققان للسادة والعامة وللمسلمين وغيرهم على سواء فقال علي: أما وقد أسلمت فهي لك ثم حمله على فرس عتيق. اختارها: عبدالله بن محمد أبو قاسم عن مجلة التجارة السعودية