لا أكاد أحصي تلك الحملات الإعلامية التي يطلقها بعض المسؤولين في بعض الدوائر الحكومية، وتتناول -غالباً- في موضوعاتها نشاط تلك المنشأة ودائرة اهتمامها، فلا تكاد تغرب شمس يوم إلا ونسمع عن إطلاق حملة أو مبادرة! المهم أن هذا الهوس الإعلامي بهذه الحملات وصل -لدى البعض- مرحلة من العبث والسخف لم نكن نتصورها يوماً ما، حتى صار اللعب على المكشوف -كما يقال- في سباق وصولي شخصي محموم دون حياء ولا خجل! وما زلت أذكر مرة أني حضرت فعالية تدشين حملة «ما» في جهة «ما»، وقد حضر ذلك المسؤول الحكومي - منتشياً - ليعلن عن إطلاق تلك الحملة، وغاية ما فعل أنه علّق بضع لوحات على بعض الجسور والطرق، ملأها بعبارات ركيكة، وربما لم يرها أحد!، وأقام معارض مهجورة في بعض الدوائر الحكومية لم يكد يستفد منها مستفيد! ثم في ختام الحملة -وهنا يبدأ التزييف- يطلق تقريراً مدوياً عن أثر هذه الحملة وكيف استفاد الناس منها! وأن (الملايين) من الناس استفادوا منها! حتى صاروا بعدها خلقاً آخر عما قبلها! والحقيقة التي لا تخطئها العين أنه لم يستفد من هذه الحملة إلا ذلك المسؤول الذي أطلقها! ولا يوجد أي فعالية حقيقية تتضمنها هذه الحملة سوى حفلات التصوير والتزييف! لقد صارت هذه الحملات -في بعض الدوائر- أشبه بالدعايات الانتخابية لرؤساء الأحزاب السياسية! ومن المضحك فعلاً أن تغط دائرة حكومية في سبات عميق ردحاً من الزمن، وفجأة ودون مقدمات تصحو ويعلن مديرها عن إطلاق حملات متتالية!، وعندما تفتش عن السبب في هذه الصحوة المفاجئة تكتشف أن سيادة المدير أو رئيسه مقبل على ترقية (عظيمة) تحتاج –بزعمه ووهمه- إلى أكبر قدر ممكن من الحملات! والمشكلة حقاً حينما يتم المتاجرة بالوطن في هذه الحملات الوصولية! هنا لا تسل كم سنخسر من الوعي بعد نهاية هذه الحملة / الحفلة الإعلامية! لا يجوز بحال أن يكون الوطن والقيادة -وهي من أعز ما نملك- محلاً لمثل هذه الحملات الإعلامية الوصولية! فإما أن تقام هذه الحملة على أصولها الصحيحة؛ بحيث يتم وضع خطة استراتيجية صحيحة لتنفيذها ومن ثم قياس مخرجاتها بطريقة علمية صحيحة من مركز قياس محايد، وإلا فلا حاجة من إقامتها، ولنوفر على الدولة هذه الجهود والأموال المهدرة! وعلى الذين يظنون أنهم - بحملاتهم هذه - سيبلغون أهدافهم الشخصية أن يفيقوا من هذا الوهم، فالرؤية الكريمة (رؤية 2030) قطعت الطريق على هذه المتاجرات الزائفة، إذ هي رؤية واقعية عقلانية، عمادها التخطيط والعمل الجاد، لا مكان فيها لباعة الوهم وصنّاع التزييف، وصانع القرار لا تؤثر في قراره واختياره مثل هذه الحملات الوهمية الزائفة، إذ لا يمكنها بحال أن تستر سوأة عمل عامل، ولا مكان - في عصر الرؤية - لهذه المنافع والأجندات الوصولية الشخصية. ومن لا يفهم هذا الدرس جيداً عليه أن يقرأ بتمعن جواب سمو ولي العهد حفظه الله لسؤال محرر مجلة «ذا اتلانتيك» حينما سأله: هل تشعر أنك محاط بأشخاص يقولون لك الحقيقة، ويتحدثون معك بكل صراحة؟ فأجاب – حفظه الله: «نعم، وإن كان هناك إمّعة في مَن حولي، فيجب أن يرحل في أقرب وقت ممكن». لقد أسّس – حفظه الله- بهذا الجواب منهجاً للوعي الرشيد، وأوصل رسالة بالغة الأهمية، وهي أنه لا مكان في الدولة الحديثة للكائنات (الإمعية) التي لا تبدع وتتفرد، وإنما هي مسلوبة الشخصية والإرادة، تكرر نفسها وتسير على خطى من كان قبلها بلا وعي ولا رشد، والإمعة -كما يقول الزمخشري- هو الذي يقول لكل أحد أنا معك! بقي أن يقال: وإن كان هناك بعض الحملات الصحيحة التي نشرت الوعي بالفعل لكن ما دام أنه لا يوجد مركز علمي محايد يقيس -على وجه التحديد- أثر هذه الحملات وما هي مخرجاتها فسيبقى الفضاء مفتوحاً لهذه الحملات الزائفة. وكل عام وأنتم بخير.