هل تحضّر أوروبا رداً على أمريكا بسبب رسوم الجمارك؟    أمانة الشرقية والسجل العقاري يقيمان ورشة رحلة التسجيل العيني للعقار    أمير الشرقية يرعى توقيع اتفاقيات لتعزيز التنمية المستدامة ودعم القطاع غير الربحي    منتخب طالبات الهيئة الملكية بينبع للبادل يحقق المركز الثاني في بطولة الجامعات    إنطلاق المؤتمر ال 32 لمستجدات الطب الباطني وأمراض الكلى بالخبر    الدوسري يعلن رغبته في البقاء مع «الأزرق»    9 لاعبين مهددون بالغياب عن «كلاسيكو الجوهرة»    هداية" تحتفي بإنجازاتها لعام 2024.. أكثر من 1500 مسلم جديد خلال العام    سماحة المفتي يستقبل الأمين العام لجمعية رفد لرعاية مرضى زراعة الأعضاء    "شتانا ريفي" يصل إلى المدينة المنورة ويعرض أجود منتجات الريف السعودي    نايف الراجحي الاستثمارية تطلق أول شركة سعودية لتمثيل وسائل الإعلام الأجنبية داخل المملكة    أمين القصيم يلتقي مستشار معالي رئيس الهيئة السعودية للمياه    اختتام فعاليات معرض ابداع 2025 .. غداً    خطط أمريكية لسحب القوات من سورية    وزير الحرس الوطني يستقبل سفير البوسنة والهرسك لدى المملكة    محافظ الأحساء يشهد ملتقى "المدن المبدعة" في اليونسكو العالمية    نائب أمير الشرقية يستقبل قائد القوة الخاصة للأمن البيئي بالمنطقة    «الزكاة» تدعو المنشآت لتقديم نماذج استقطاع الضريبة لشهر يناير    القيادة تهنئ رئيس جمهورية بوروندي بذكرى يوم الوحدة لبلاده    القبض على مواطن لنقله 3 مخالفين لنظام أمن الحدود    بعد تحرير الرميلة.. الجيش السوداني يزحف نحو قلب الخرطوم    البديوي يؤكد أهمية تفعيل التعاون الأمني بين الجانب الخليجي - الأوروبي    «صحة جازان»: خطط لتطوير القطاع غير الربحي    القبض على 4 أشخاص بمنطقة الباحة لترويجهم مادتي الحشيش والإمفيتامين المخدرتين    مدفوعة برؤية 2030.. 7 مستشفيات سعودية ضمن أفضل 250 مستشفى عالمياً    رابطة العالم الإسلامي تثمِّن عاليًا تأكيد المملكة موقفها الثابت والراسخ من قيام دولة فلسطين وعاصمتها "القدس الشرقية"    لا للتهجير.. اجتماع فلسطيني - مصري في القاهرة اليوم    «موسم الرياض» يرعى حفل الزواج الجماعي «ليلة العمر» ل 300 عريس    الكويت: صدور مرسوم أميري بتعديل وزاري يشمل "الداخلية" و"الدفاع"    مقترح بتحويل «بني حرام» إلى وجهة سياحية وربطها ب «المساجد السبعة» بالمدينة المنورة    الرياض تحتضن «بطولة المملكة المفتوحة» للكيك بوكسينغ.. غداً    ضم هيئة التأمين لعضوية اللجنة الدائمة لمكافحة غسل الأموال.. مجلس الوزراء: نقل اختصاص تراخيص 4 مهن لهيئة المراجعين والمحاسبين    "رماح النصر2025".. جاهزية قتالية لبيئة حرب إلكترونية    في ختام الجولة 20 من" يلو".. الباطن يواجه النجمة.. والجندل في ضيافة العربي    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية والرئيس الألماني    الاقتصاد السعودي.. أداء قوي واستدامة مالية    السماح للشركات الأجنبية الخاصة ب«الطلب» بنقل الركاب    ولي العهد ورئيس الإمارات يبحثان تطوير التعاون    أسترالي يصطحب صندوق قمامة في نزهة    انتحار طبيب هرباً من نفقة أطفاله    تحديث بيانات مقدمي الإفطار الرمضاني بالمسجد النبوي    أخضر تحت 20 عاماً يواصل الإعداد للآسيوية    بيئة حيوية    فريق جرعة عطاء ينظم فعالية للتوعية بمناسبة اليوم العالمي للسرطان    انطلاق أعمال المؤتمر الدولي الثاني لطب حديثي الولادة في جازان    وزارة الصحة بالمدينة المنورة تنظم دورة تدريبية للمتطوعين الصحيين    فهد بن نافل: صافرات الاستهجان لا تمثل جماهيرنا ولا تمثل الهلال ولا تخدم النادي    نورة الجربوع: العمل الفني ترجمة للمشاعر في مساحات اللون    شتان بين القناص ومن ترك (الفلوس)    نصائح عند علاج الكحة المستمرة    علاج السرطان بتقنية cytokinogenetic therapy    تطبيع البشر    بئر بروطة    80 يوما على سقوط المطالبات التجارية    بقعة زيت قلبت سيارتها 4 مرات.. نجاة ابنة المنتصر بالله من الموت    الرئيس السوري أحمد الشرع يغادر جدة    رئيس الوزراء الصومالي يصل إلى جدة    العلاقات بين الذل والكرامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. محمد بن علي آل خريف
عندما يكون المثقف وصولياً!
نشر في الجزيرة يوم 15 - 08 - 2003

ابتداء نقول إن الثناء على شخص ما لفعل حميد أو موقف نبيل سواء كان الفعل خاصاً أم عاماً، يعد ذلك هدياً نبوياً اسلامياً يندرج في سياق معنى قوله تعالى: {هّلً جّزّاءٍ الإحًسّانٌ إلاَّ الإحًسّانٍ} الآية.. وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - «من لا يشكر الناس لا يشكر الله» وغيرها من النصوص التي تقرر هذه القاعدة وهذا بخلاف النقد أو التنديد بفعل سيئ أوضار، حيث يقتضي الهدي الاسلامي تجنب ذكر الشخص المقصود بالنقد وفق مبدأ (ما بال أقوام..) إذ المراد معالجة هذا الفعل المخالف وليس التشهير بفاعله، وهذا المبدأ له أبعاد تربوية عظيمة في الاصلاح الخاص والعام والرد الجميل للمخطئ الى طريق الحق. إلا أنه في هذا الزمن الذي غشيته النفعية الضيقة، حتى أصبحت هي الأصل في الوصولية والتسلق حتى وصل الأمر إلى أن من لم يمتطيها يعد ساذجاً ومثالياً. فوجدنا أنفسنا وسط تيار جارف يعتمد التملق المسف والمديح الفاضح سلماً لتحقيق مصالحه الشخصية ولو تم ذلك على حساب المصلحة العامة أو مصلحة الآخرين. إنك لا تعجب أن يسلك هذا المنهج عامة الناس ورعاعهم، ولا تعجب أن يتم ذلك وفق منهج موضوعي وحقيقي وفق الاطر التي قررناها في مقدمة هذا المقال. لكن العجب يطول من أن يصدر ذلك من أناس قد يشار لهم بالبنان لعلم أو وجاهة أو سلطة حتى يصل بهم الحال إلى الاسفاف في التزلف والمديح بمناسبة وبدونها بشكل يمقته حتى من وجه إليه هذا الكلام.
ان هذا النهج من مثل هذه الفئات لن يوصلنا إلى الرقي والتقدم والاصلاح الذي ينشده المخلصون لهذا الكيان المبارك. بل ان التمادي في قبوله وتشجيع اصحابه سيفضي إلى ترسيخ نهج فاسد يعمق المشاكل وتضيع معه الحقائق، وسط هذا الزيف المتملق. لا يخلو زمن من مثل هذه الفئة التي لا تجدها إلا تدور دائماً مع مصالحها حيث وجدت وآخر ما تفكر فيه مصلحة الوطن، قد غشيتها وتعمق في وجدانها شعور مصحوب بالأنانية المقيتة، إن مثل هذه الفئة قد يستهويها ويميل لها من تتعامل معه لأول وهلة لتظاهر تبديه بشطارة وحنكة تعبر من خلاله عن اخلاص وتجرد لكن سرعان ما يكتشف الحصيف مع تماديها في التسلق واحراق المراحل للحصول على أعلى قدر من المكاسب الشخصية وفق الجبلة الإنسانية المتعجلة أنها لا تتعدى أن تكون من هذه الفئة الوصولية، إنها فئة لا تبغي الاصلاح العام وحتى لو ظهر منها تحمس لمشروع اصلاحي ما فهي بالضرورة تسعى لجني مصالح ذاتية من ورائه. ليس هذا مبالغة منا في سوء الظن، ولكن الحال يدل على ذلك والتاريخ مليء بشواهد كثر من هذا الصنف الغريب من البشر. إنه قد لا يعنينا بأي حال أن يكون هذا السلوك المرفوض أمراً خاصاً بين فاعله ومن وجه له إذا قبله منه وعند الله الحساب، لكن أن ينشر ذلك على الملأ ودون حياء حتى يفسد به السلوك العام كونه قد يمثل قدوة لضعاف النفوس الذين ونتيجة لضغط الواقع قد يستهويهم تسنم هذا النهج فيتحول مع مرور الزمن إلى قاعدة مألوفة تمعن في انتشار هذا الوباء الكارثي وعندها قل على الأمة السلام.
إن الإنسان طبع على حب الثناء والمديح، خاصة إذا كان ذلك بناء على معطيات واقعية تجسد الوفاء لأعمال قام بها فيشعر بأنه وسط مجتمع يتعامل مع تميز افراده وانجازاتهم بامتنان وحفاوة تدعم مسيرة التطور وبما يشجع على التنمية والتقدم والابتكار. ومع التسليم بحفظ مقامات أهل الرياسة وذوي الهيئات الرفيعة واعطائهم حقهم من التقدير صيانة لمكانتهم عند العامة لما في ذلك من مصالح ظاهرة، لكن الوضع المرفوض هو أن يتحول الأمر إلى مركب لكل أحد حتى أصبح نهجاً مبتذلاً فاقداً للقبول، بل قد يتحول من فرط الايغال في طرحه الى ما يشبه الذم.
إن العتب يطول على من يقبل ويسمح بمثل هذا الوضع ان يترسخ في المجتمع دون أي ضابط، والمسؤولون وهم كثر يرفضون ويمقتون مصدره حتى ولو أظهروا له شيئاً من المجاملة والقبول الظاهر بدافع من حسن الخلق الذي يتحلون به. إلا أن المصلحة تقتضي مع تفشي هذه الظاهرة طرح المجاملة جانباً والتصدي لهذا السلوك ورفضه.
لندع الحقائق والانجازات تتحدث عن نفسها سواء كانت فردية أو عامة، إن الانتشار الاعلامي صار في وضع لا يمكن ان يخفي معه أي فعل نافع أو انجاز يعود نفعه بخير على الأمة، إن الأمة لن تغفر لهذه الفئة النفعية الوصولية انانيتها وامعانها في تغييب الوعي وحجب الحقائق عن المسؤول بغشاوة الرياء، إن مثل هذه الفئة كخفافيش الظلام التي سرعان ما تختفي اذا ادلهم الخطب وعظم الأمر الجاد، لأنها لا تعيش إلا في زمن الهزل.
إنه لمن الغش والتحايل على المجتمع ان يعلو صوت هذه الفئة فيطغى على كل صوت مخلص فتضيع الأمانة في بحر لجي من التدليس، وكما أنه أمر مرفوض انتهاج أسلوب التشنيع والمبالغة في التأنيب والفضاضة في النقد، إلا أن الحكمة تقتضي في رأيي رفض طرح الفئة الوصولية كونه أشد خطراً من أسلوب النقد الذي قد يصاحبه شيء من الغلظة والمبالغة لأننا حتماً سنستفيد من هذا النقد والتأنيب مهما غلا في طرحه في حين يشكل الآخر غشاً وخداعاً للراعي والرعية على حد سواء.
إنه لأمر مثير للسخرية والاشمئزاز أن ترى من يحمل بين جوانحه علماً وثقافة وربما تدينا ظاهراً ثم يتسنم هذا النهج الزائف ويجعله ديدنه حتى وصل الحال ببعضهم الى الوقوع في طوام من المبالغة والتسطيح لقضايا الأمة بشكل لا يقبله أي عاقل، وما ذلك في رأيي إلا لادمان حل بمثل هذا الصنف حتى أدخلهم في نفق لم يعد لهم مستمسك للخروج منه بعدما فقدوا أي مصداقية أو قبول لدى العامة والخاصة.
إننا للأسف حينما نرى أمم الغرب وقد تجذرت في أوساطهم سلوكيات حميدة تقدر المصداقية والشفافية وتؤمن بالتقييم العلمي الموضوعي حتى أصبح جزءاً من حياتهم مما أصلح أوضاعهم الحياتية المادية، ثم نقارن ذلك بممارسات بعض مثقفينا الذين نهل بعضهم من علوم هؤلاء القوم ثم لم يقتبسوا شيئاً من ايجابياتهم فانغمسوا في وحل الوصولية بمهارة الحاذق المسيء، وكان حري بنا وبهم ونحن أهل الحضارة وأمة الرسالة الخالدة أن نكون عنواناً للصدق والعدل في التعامل مع بعضنا ومع الآخرين حتى يتحقق فينا مؤهلات الاستخلاف في الأرض وعمارتها وقيادة البشرية الضالة الى طريق هداية الإسلام، وهذا في رأيي يحتاج إلى مجهودات جبارة تعيد النظر في برامجنا وخططنا التربوية في بيوتنا ومدارسنا ومجامعنا الدينية والدنيوية حتى نجسد المبادئ التربوية الإسلامية التي تدعو الى الصدق والعدل لتكون واقعاً معاشاً يبني ولا يهدم ويصلح ولا يفسد. والله الموفق.
ص.ب 31886 الرياض 11418 - فاكس 4272675


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.