عاشت الانتخابات الرئاسية في إيران حمى استقطابات مريرة منذ عام 1997، إذ كان ينتمي المرشحون المتنافسون إلى فصائل متشددة وإصلاحية وسطية؛ بيد أن التوجيه الأخير من مجلس صيانة الدستور منع عمليا معظم المرشحين الإصلاحيين أو الوسطيين من الترشح وحصر المرشحين في التيار المتشدد المحسوب على خامنئي. وإذا فاز رئيس السلطة القضائية المرشح رئيسي في الانتخابات الصورية التي تعقد بعد غد (الجمعة) فإن ذلك سيعزز فرص رجال الدين من الطبقة الوسطى المتشددة في خلافة «خامنئي». إذا كانت النساء والشباب والتيار الإصلاحي والمعارضة في الداخل والخارج يقاطعون «مسرحية» الانتخابات فإن السؤال الذي يفرض نفسه إزاء هذا الاقتراع الصوري الذي يهندسه مرشد الملالي علي خامنئي ويشرف عليه تنفيذا وإخراجا الحرس الثوري هو: من يشارك في هذه اللعبة المفضوحة والمكشوفة؟ ومن غير المرجح أن تحدث الانتخابات تغيرا كبيرا في سياسات إيران الخارجية أو النووية التي يحددها خامنئي -الذي زعم أن بعض الدول لا تميز بين صندوق الاقتراع وصندوق الفاكهة- لكن انتخاب المرشح رئيسي المتشدد قد يعزز قبضة المرشد على الداخل الإيراني. رغم الاعتقاد السائد بأن الانتخابات الإيرانية ليست حرة ونزيهة بأي حال من الأحوال (ويرجع ذلك أساسا إلى التدقيق بالمرشحين من قبل هيئة متشددة تُعرف باسم مجلس صيانة الدستور). لا يزال قادة إيران بحاجة إلى نسبة مشاركة عالية لإثبات شرعية النظام السياسي الذي يواجه أصلا صعوبات جمة نتيجة أحداث السنوات الأربع الماضية. ومنذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت عام 2017، أدت سلسلة من الأحداث إلى تغيير جذري في المشهد السياسي الإيراني، فقد شهدت إيران حملات قمع دامية ضد الاحتجاجات المناهضة للحكومة، من اعتقال نشطاء منظمات المجتمع المدني والنشطاء السياسيين وإعدام السجناء السياسيين. قد تكون الضربة القاضية لملالي إيران هي نسبة المشاركة المنخفضة للناخبين، إذ بلغ الشعور بعدم الرضا بين الناخبين ذروته؛ ورغم حسم اسم المرشح الإيراني من قبل الحرس الثوري الذي يهندس مسرحية الانتخابات؛ فإن شرائح محدودة من المجتمع الإيراني لا تستبعد حدوث أمر غير متوقع، ففي انتخابات 2005 الرئاسية على سبيل المثال هزم أحمدي نجاد، الذي لم يكن شخصية بارزة حينها، الرئيس القوي السابق رفسنجاني، الذي كان يعتبر على نطاق واسع المرشح الأقرب للفوز بالمنصب. يلعب الاقتصاد دورا رئيسيا في الانتخابات الإيرانية وهو دائما على رأس جدول أعمال كل مرشح. وتمر إيران حاليا بإحدى أكثر مراحلها خطورة منذ ثورة 1979، بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور، وتفاقم الموقف بسبب وباء فايروس كورونا، في واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخ البلاد، ووصل معدل التضخم إلى 50%. وتأتي الانتخابات الثالثة عشرة في تاريخ إيران (اعتبارا من العام 1979)، في ظل أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية تراكمية بسبب سياسات النظام الإيراني الذي نهب ثروات الشعب وسخرها لدعم المليشيات الطائفية في المنطقة.