«كلنا جرحى الوجود، وأحيانا الشاعر يتقدم الآخرين، لا لأن جرحه مميز بل لأنه يتميز عن سائر الجرحى بتطلع نحو عالم أكثر رحمة، لا يختلف شعر عن شعر إلا بهذا التطلع، وبزرقة الطفولة الصامدة وراء جهاد هذا التطلع» هكذا يصف الشاعر اللبناني أنسي الحاج الشعراء والشعر الفضاء الذي أطلق عليه (الأكثر رحمة)، حيث عرف العديد من الشعراء بكتابة القصائد التي تحكي في أبعادها عن قضايا اجتماعية وإنسانية مختلفة كالدفاع عن المهمشين والمساواة ونبذ العنصرية، ومن أجل نصرة هذا النوع من القصائد جاء بدوره الفنان ليغني هذا النتاج بطريقة ملائمة وفريدة وكأن هناك حالة من التخاطر يخلقها ما بينه وبين الأدب فكان ما يعرف اليوم ب«الفن الملتزم». يعرف أن الفيلسوف الألماني جان بول سارتر أول من ناقش مصطلح الالتزام للدلالة على مسؤولية الأديب ولتأكيد مهمة المشتغل بالأدب الفعلية وبأنها ليست فقط حركات أدبية للتعبير الجمالي وتوليد المشاعر بل هناك جانب مهم من المواقف التي يجب أن يتوقف عندها الكاتب والتي تتبعها الكثير من المسؤولية المجتمعية، عرف «الشيخ إمام» وهو من أحد رموز الفن الملتزم بالغناء للشاعر «أحمد فؤاد نجم» أحد أهم ثوار الكلمة، رحّب الشارع المصري بهذا التعاون بعد نكسة 67 حتى انتشرت بشكل كبير، كما عرف الفن الذي يقدمه الفنان اللبناني «مارسيل خليفة» بالالتزام بالقضية الفلسطينية فالبدايات كانت مع قصائد للشاعر الفلسطيني «محمود درويش» في أول ألبوم يحمل اسمه في باريس عام 67 تضمن ألبومه الأول أيضاً قصيدة «جفرا الفلسطينية» للشاعر الفلسطيني «عزالدين المناصرة» كما عرف الفنان المغربي«سعيد المغربي» بمسيرته الفنية الملتزمة بالأغنية السياسية في وقت كانت المغرب تشن حملة اغتيالات شرسة على كل من يحمل فكر اليسار، غنى المغربي قصيدة «امرأة أحبت الضوء» للشاعر عبدالله زريقة التي كتبها بدوره لأستاذة غيبها الموت بعد إضرابها عن الطعام في أروقة السجن، كما عمل الفنان الزين الصافي وهو أحد أبرز الأسماء الموسيقية في جيل الثمانينات في تونس على الغناء لشعراء مختلفين تناولوا قضايا الفقر واحتياجات المواطن التونسي. أعتقد أننا نعيش اليوم عزلة أمام هذا النوع من الفنون «الفن الملتزم»، كما أرى أننا ضحية بشكل أو بآخر لخطوط عالمية حولت الفنان لفنان استهلاكي يلهث وراء الشهرة والنجومية والمال وبالتالي إبعاده عن القصائد الحقيقية التي تملك رسالة مهمة تعبّر عن المجتمع وتعمل على تهذيب الذوق العام، الأمر ليس مقتصراً فقط على القصائد التي تتحدث عن القهر، لنا أن نسأل كمتذوقين للفن: أين الفنان السعودي (اليوم) من غناء القصيدة «الفصحى» القصيدة التي تتباهى بحركات التّشكيل في لغتنا العربية؟ أين دور المسؤول عن تنشيط هذا النوع من الفنون ودعم الفنان وتهيئة الفرص له؟ ماذا لو عملنا على أرشيف يحتوي على أهم القصائد المغناة بأصوات سعودية، أصوات شبابية سعودية. arwa_almohanna@