كانت اللغة العربية لغةً محكيةً مرتبطةً بسليقة أهل الجزيرة العربية وفطرتهم، تثريها بيئتهم بما يناسبها من تعابير وألفاظ. ومع بزوغ نجم الدين الإسلامي واتساع رقعة بلاد المسلمين، وشروعهم في بناء الدولة، كثُرت المراسلات بينهم، وقادت فتوحاتهم شعوباً لم تنطق العربية قط، فأصبحت جزءاً من المجتمع العربي، فصارت الحاجة ملحة لضبط قواعد اللغة العربية حفظاً لها مما يداخلها ويخالطها من الشوائب التي تشوبها.. وقد كان ذلك أمراً شبه مستحيل، لولا وجود عدد من علماء اللغة الذين رهنوا حياتهم لها، ومنهم ابن ولّاد. محمد بن الوليد بن محمد التميمي في مصر، وُلد سنة 248 ه، وينتسب إلى أسرة المصادري التي ارتبط اسمها بانتشار علم النحو في مصر، والده هو الوليد بن أحمد التميمي الذي يُعَدُّ أول من اشتغل بالعلوم النحوية من مصر، وزوج أمه هو النحويّ المصري الآخر أحمد بن جعفر الدينوري الذي أخذ ابن ولاد النَّحو عنه، كما تتلمذ على أيدي علماء غيره، وغادر ابن ولّاد مصر واتجه للعراق، ومكث هناك ثمانية أعوام تتلمذ فيها على يد ثعلب النحوي الكوفي، واشترى كتاب سيبويه من المبرّد مقابل ثمنٍ باهظ، واشتغل بتأديب أولاد النبلاء. ثم عاد إلى مصر ومعه نسخة من الكتاب، وهو أوَّل من أدخل كتاب سيبويه إلى مصر، ويُعرَف عن ابن ولاد أنَّه كان حسن الخط والضبط، وهو الذي قام بنسخ كتاب سيبويه، ومن صفاته الخَلقِيَّة أنَّه كان أعرج، وغلب عليه الشيب قبل شيخوخته. وفي مصر قام بتأليف كتابين في النحو، هما المقصور والممدود، والمنمّق. وتزوَّج وأنجب النحوي المشهور أبو العباس بن ولّاد، واشتغل في مصر بالتدريس حتى تُوفِّي في سنة 298ه وعمره خمسين سنة، وأوصى قبل وفاته أن يُدفن معه الكتاب الذي جلبه من العراق، ولكن بعد وفاته انتقل كتابه إلى ابنه أبو العباس، ثُمَّ إلى ورثة أبي العباس، وابتاعه منهم الدقَّاق وهو رجل يُعرف بجمع الكتب، ثُمَّ انتقل إلى الوزير أبي الفضل بن الفضل بن حنزاية بن الفرات، ثُمَّ إلى حاكم مصر كافور الإخشيدي.