كانت اللغة العربية لغةً محكيةً مرتبطةً بسليقة أهل الجزيرة العربية وفطرتهم، تثريها بيئتهم بما يناسبها من تعابير وألفاظ. ومع بزوغ نجم الدين الإسلامي واتساع رقعة بلاد المسلمين، وشروعهم في بناء الدولة، كثُرت المراسلات بينهم، وقادت فتوحاتهم شعوباً لم تنطق العربية قط، فأصبحت جزءاً من المجتمع العربي، فصارت الحاجة ملحة لضبط قواعد اللغة العربية حفظاً لها مما يداخلها ويخالطها من الشوائب التي تشوبها.. وقد كان ذلك أمراً شبه مستحيل، لولا وجود عدد من علماء اللغة الذين رهنوا حياتهم لها، ومنهم: سعيد بن المبارك بن علي بن عبدالله، المعروف بابن الدَّهان النحوي؛ نسبة إلى بيع الدهن، وكان إماماً في النحو واللغة (494ه -569ه)، قيل عنه إنه «كان سيبويه عصره» لعظم مكانته العلمية بين علماء عصره، وقال العماد الكاتب: هو سيبويه عصره، ووحيد دهره، لقيته وكان حينئذ يقال: نحاة بغداد أربعة: ابن الجواليقي، وابن الشَّجَري، وابن الخشَّاب، وابن الدَّهَّان. غرقت كتبه في بغداد، فأرسل من يأتيه بها ونقلت إليه في مقر إقامته بالموصل، وكان قد أفنى عمره في تحصيلها، فلما حُمِلت إليه وجدها قد أُتلفت فأشير عليه بأن يبخّرها ويطيّبها. فشرع في تبخيرها بمادة عِلْكيّة ولازم ذلك بكميات كبيرة، حتى أثّر دخانها في رأسه وعينيه، فعمي وكف بصره. من أهم كتبه؛ شرح كتاب «الإيضاح والتكملة»، الفصول الكبرى والصغرى، والمعقود في المقصور والممدود، وشرح «اللُّمع» لابن جني.