الطبيعة خلقها الله تمتلك آليات خاصة لتوازنها، تحفظ لها تطور الحياة بها وبقاءها واستمرارها لتحقيق الغاية الإلهية من عمارة الكون، حتى يرث اللهُ الأرضَ ومن عليها. هذا التوازن الطبيعي للحياة وتطورها، حساسٌ لدرجةٍ دقيقةٍ جداً، أي تدخلٍ مصطنعٍ في حركتِهِ وغايتِهِ، يقودُ إلى أضرارٍ بيئيةٍ وطبيعيةٍ وبيولوجية، وحتى بشرية، تدفعُ الطبيعة دفعاً، أحياناً بعنفٍ، العودة لتوازُنِها. آليةُ توازن الطبيعة هذه، هي نفسهُا التي تتحكمُ في سلوكِ البشر عبر التاريخ، لإحداث التراكمِ المعرفي والحضاري والتكنولوجي، حتى ظَنَّ الإنسانُ في غفلةِ انغماسِهِ في ماديتِهِ، أنه حرٌ بالعبثِ بآلياتِ التوازنِ على كوكبِ الأرض.. وحَصَرِ حركتِها إفساداً في سلوكِه إرضاء لنزواته وإشباعاً لغروره وصلفه. لم يقتصر عبثُ الإنسانِ بآلية توازن الطبيعة، بالتدخلِ المدمرِ في سلسلةِ التطورِ الطبيعيِ للحياة، بيئياً وجنينياً وبيولوجياً.. بل نَصَّبَ نَفْسَه وصياً متفرداً على الطبيعةِ ومصيرِ الحياةِ على الأرض. لقد بالغ الإنسانُ، خاصةً في مجتمعات الشمال المغرقة في ماديتها، في قدراتِهِ، التي ظَنَّ أنها لا محدودة، في التحكمِ بمصيرِ الحياةِ على الأرض، متجاهلاً لمتغيراتٍ تفوقُ قدراتِه وإمكاناتِه، بدعوى غيبيتِها.. وعدم إمكانيةِ تلمسها وقياسهِا كمياً! أهمُ وأخطرُ قصورٍ ينتاب نظرية الردع الاستراتيجي، الذي يتحكم في سلوك القوى العظمى في صراعها، على الهيمنة الكونية، التركيز على حَصْرِ أطرافه بوصفها دولا. فايروس كورونا يُظْهِرُ قوىً غير محسوبٍ حسابَها في معادلةِ الردعِ الاستراتيجي. لقد أظهرَ الفايروس، مدى هشاشةِ وضعفِ الإنسان، مهما بلغ من علمٍ وتقدمٍ وحضارةٍ، ماديةٍ في جوهرِها وأثرِها، في مواجهةِ فايروس لا يُرى بالعينِ المجردة، أجبرَ شعوبَ الأرضِ بأسرِها على لزومِ بيوتِها وتركِ أعمالِهم ومصالِحِهم، في الوقتِ الذي تبدو فيه حكومات الدول، بالذات الغنية والمتقدمة، عاجزةً عن مواجهته وتقديم أدنى متطلبات الرعاية الصحية والاجتماعية والأمن لشعوبها. تجربة فايروس كورونا، سوف تدفع البشرَ لإعادةِ النظرِ في قدراتِ الإنسان.. والأهم فهم دوره في منظومةِ الحياة.. ودوره الحقيقي، في آليةِ توازنِ الطبيعة، ليصبح أكثر تواضعاً في فهمِ واستيعاب الغاية الإلهية من إنزالِه إلى الأرض.. ولا ينظر باحتقارٍ وغطرسة، إلى ما دونه من البشر.. ومن مخلوقات الله الأخرى، مهما بلغت ضآلتها، إلا أن لها ،قطعاً، دوراً في الحفاظِ على توازنِ الحياة على كوكب الأرض. أيضاً: بعد تجربة كورونا لا يمكن تجاهل المتغيرات الغيبية غير الكمية في دراسة السياسة.. ولا حصرها على تجربة الدولة وحدها، ولا حتى الإنسان نفسه. بالذات: لابد من إعادةِ النظرِ في معادلةِ الردعِ الاستراتيجي التقليدية، للبحث والتبصر في متغيرات كانت غائبة في هذا المجال، وتمتلك قدرات ردعٍ إستراتيجي قاهرة، لم تكن تُؤخذُ في الحسبان. فايروس كورونا أثبت أنه يمتلكُ رادعاً استراتيجياً مُسَخّراً مِنْ قبلِ العنايةِ الإلهية، لحمايةِ الحياةِ والسلامِ والحفاظ على توازنِ الطبيعة، تتضاءل أمامه إمكاناتُ وقدراتُ الدولِ العظمى الإستراتيجية. * كاتب سعودي [email protected]