• عاش العالم، منطقة الخليج العربي بالذات، الأسبوع الماضي حالةَ عدم استقرارٍ غيرَ مسبوقةٍ، منذ أزمة الصواريخ السوفيتية في كوبا 1962. مسرح الحدثِ إقليمياً، إلا أن أهم طرفيه قوةٌ عظمى. لقد تأثرت سلباً بالحدث، البورصات العالمية.. وارتفعت أسعار السلع الاستراتيجية، وتذبذبت أسعار العملات الرئيسية... كما راح، في خضم المواجهة، 176 ضحية بريئة كانوا على متن طائرة أوكرانية أسقطها صاروخ إيراني، فوق طهران. بدأت الأزمة بقتل الولاياتالمتحدة لقاسم سليماني قائدَ فيلقِ القدسِ الإيراني، وأبو مهدي المهندس قائد فصائل الحشد الشعبي في العراق، اللذين يُصَنْفَان ِمن قبلِ واشنطن وكثير من دولِ المنطقةِ والعالمِ، من عُتاَةِ الإرهابيين في العالم. سريعاً عملت طهران على اختلاقِ حالةٍ حادةٍ من عدمِ الاستقرارِ والتوترِ، دفعت العالمَ لشَفيِرِ الهاويةِ، انتظاراً لرَدِ فعلٍ، قد يُشْعِلُ حرباً كونية ثالثة! لكن فاَتَ الكثيرون أن الحدثَ وطرفيه كانا يخضعان لآلية معادلتي الردع والتصعيد، حيث الأولى تتحكم في حركة الثانية ومصيرها. هناك اختلالٌ خطيرٌ في ميزانِ القوى بين الطرفين، يُحسب لخانةِ الردع. في المقابل: هناك افتقارٌ لإرادةٍ سياسيةٍ حازمةٍ لدى الطرف الأقوى لاستخدام القوة، لأي رِد فعلٍ عنيفٍ، يتجاوز ما يراه ردَ فعلٍ غير مناسبٍ أو متوازنٍ، من قبل الطرف الأضعف. النقطة الثالثة، والأهم هنا: أن كلا الطرفين فعلا ما بوسعهما بإعلان عدم الرغبةِ لنشوبِ حربٍ شَامِلةٍ بينهما. حقائقٌ غابت عن كثيرٍ من صانعي القرار والمحللين السياسيين لتفسير الأزمة والتعامل معها. لكن الخوف من المجهول.. وعدم القدرة على توقع سلوكِ طرفيها بدقة.. وحالة التعاطي «الهستيرية» للإيرانيين.. والإرباك الواضح في واشنطن، خلقت توقعات غير حقيقية، لحدث لا يمكن أن يخرج - بأي حال - عن سيطرة آليتي الردع والتصعيد، التي تحكمهما علاقةُ توازنِ قوىً مختلٍ بين طرفي الأزمة. فوجئ من توقع الأسوأ من الأزمة، أو تمناهُ لها، بانحسارها وانقشاع غمامتها، بردِ فعلٍ إيرانيٍ رمزيٍ، وإن كان عنيفاً، بإطلاق صواريخ على قاعدتين عسكريتين أمريكيتين في العراق، خاليتين من عسكريين أو مدنيين أمريكيين، وقت الغارتين، أحدثت أضراراً ماديةً طفيفة. آليةُ الردعِ هنا، حالت أن تكون دماء بين الأمريكيين، كما توعد الإيرانيون؛ لأن واشنطن كانت واضحة هنا في الالتزام بأحكام آلية الردع. كما أن آلية التصعيد، توقفت عندما تلقت واشنطن ما توقعته من سلوك طهران «العنيف» ومررته، ولو على مضض. هل الأزمة انتهت. يصعب الجزمُ الآن. طهران حرصت على جعلِ بابَ الأزمةِ موارباً.. وواشنطن، أظهرت: أنه طالما أي سلوك إيراني أو من قبلِ وكلائِهم عُنْفَهُ لا يطال دماءً أمريكية، فإن البيت الأبيض لن يوليه الاهتمام الاستراتيجي اللازم، تفادياً لأزمةٍ مماثلة. ترمب مهتم بإعادةِ انتخابِهِ، أكثر من اهتمامهِ باستقرارِ المنطقةِ.. أو حتى بمصالحِ بلادِهِ فيها. سادَ التوقعُ أن يتمخضَ جبلُ الغضبِ الإيرانيِ عن شيء بحجمِه، لكن العالمَ لم يرَ الفأرَ الذي كان يتحركُ أسفلَ الجبلِ. * كاتب سعودي [email protected]