من الأولويات اللازمة لمبدأ المشروعية والضمانة الأساسية للمحاكمة العادلة هي استقلال القضاة. لهذا السبب، القاضي هو المثال البارز لصيانة استقلال العدالة وإظهارها. ومبدأ استقلال القضاء، لم يشرع للقضاة، وإنما شرع من أجل حسن سير العدالة. ويعني مبدأ استقلال القضاة استقلال السلطة القضائية عن باقي السلطات (التشريعية والتنفيذية) وهو ما يعرف بمبدأ الفصل بين السلطات، في إطار يضمن عدم تغول أي سلطة على الأخرى. ولا مجال لتحقيق هذا الاستقلال إلا في ظل قوانين تعزز السلطة القضائية وتضمن تمايزها عن السلطتين التشريعة والتنفيذية في إطار التوازن والتعاون بين هذه السلطات وفي ظل ثقافة قضائية تعكس يقين القاضي الذاهب إلى أن المصدر الأساسي لاستقلاله هو شعوره الذاتي بجسامة مهماته، بما يؤدي إلى تقوية ثقة الناس بالسلطة القضائية وبأعضائها. وكل كلام على استقلال القضاء يظل كلاما نظريا إن لم يترافق مع ثقة الناس بالقضاء، وهي ضرورية بدورها لصون مبدأ الاستقلال، على القاضي، في ضوء ذلك، ألا يكتفي بالقول إنه مستقل بل إن يعمل بطريقة توحي بأنه مستقل بالفعل. واستقلال القضاء بات في عالمنا المعاصر هو العلامة المميزة والمؤكدة إلى انتماء المجتمع إلى مصاف الدول المتقدمة والراقية وتأكيد رفعة القانون وخضوع الناس فيه سواسية لسطانه وعلى حد سواء، ولطالما حرصت شريعتنا الإسلامية أشد الحرص على تقرير وتعزيز استقلالية القضاء استقلالا تاما الذي كان من أهم مظاهره في السابق أن الخلفاء أنفسهم كانوا يخضعون للقضاء ويجلسون مع خصومهم أمام القاضي والذي هم من نصبوه سواء بسواء ودون تمييز أو استعلاء، وكانوا لا يرون في ذلك أي غضاضة أو نقيصة، بل كان ذلك في ذاته يزيد من مكانتهم وشرفهم ويدل على تساويهم مع الرعية -أمام القضاء- كما كان القضاة يرفضون أي تدخل من أي شخص ولو كان من الولاة.