لاحت أمس، بوادر مساعٍ لرأب الخلاف العنيف الذي تفجر بين السلطتيْن التشريعية والقضائية على خلفية تمرير الغالبية النيابية من حيث المبدأ قانون «الهيئات القضائية» الذي يعطي لرئيس الجمهورية الحق في تعيين رؤساء الهيئات القضائية ومحكمة النقض من بين ثلاثة مرشحين، الأمر الذي رفضه القضاة بشدة. وعُلم أن ترتيبات تتم لحصول جلسة نقاش بين شيوخ القضاة وقيادات البرلمان المصري للتوافق على المواد المختلف عليها، الأمر الذي يفتح الباب أمام إجراء تعديلات على مشروع القانون المثير للجدل قبل تمريره نهائياً. ويتبنى محاولات التوفيق بين الجانبين، وكيل البرلمان النائب سليمان وهدان، مشدداً على ضرورة «نزع فتيل الأزمة في شكل توافقي». وأكد أن البرلمان «حريص على تجنب أي صدام مع القضاء... نُجل القضاء ونحترم مواقفه، والسلطة القضائية من أهم أعمدة الدولة... مارسنا حقنا في التشريع وفق نصوص الدستور، لكن الظرف الراهن يفرض علينا توافقاً حال حدوث أي اختلاف، كوننا شركاء في مسؤولية الحفاظ على كيان الدولة المصرية». وكان البرلمان مرر من حيث المبدأ الشهر الماضي مشروع قانون «السلطة القضائية»، قبل أن يحيله على مجلس الدولة المصري لمراجعة صياغته القانونية. وأبدى مجلس الدولة رفضه مشروع القانون «الذي شابه عدم الدستورية»، مشدداً على «عدم دستورية تجاوز معيار الأقدمية المطلقة في ترشيح رؤساء الهيئات القضائية باعتبارها جهات مستقلة قائمة على شؤونها، ولا يجوز للسلطة التنفيذية التدخل في عملها»، لافتاً إلى أن «مجلس النواب (البرلمان) خالف احترام قدسية الجهات القضائية واستقلالها». وأكد نادي قضاة مصر في بيان مساء أول من أمس، أن توقيت مشروع قانون الهيئات القضائية «غير مناسب، وإجراءاته المتعجلة أثارت الكثير من علامات الاستفهام والريبة في غياب تام لفلسفة التشريع ومنطقه، من دون وجود ضرورة حتمية اقتضت ذلك التعديل الذي انصب على مادة واحدة تختص بتحديد آلية اختيار رئيسها، لم يكن أبداً في شأن إعمالها واتباعها - يوماً - أي نيل من استقلال القضاء، بل كان المتبع هو ما يكفل ويعظم من ذلك». وأوضح نادي القضاة أن الأجدر والأقوم بالمشرع هو السعي صوب إعداد مشروع قانون كامل متكامل للسلطة القضائية يكفل الاستقلال التام للقضاء، خصوصاً في ظل قيام نادي القضاة بإعداد مشروع متكامل يكفل ذلك. وأضاف البيان أن مجلس النواب وافق على مشروع هذا القانون، وأرسله إلى مجلس الدولة لمراجعته وفقاً لنص المادة 190 من الدستور، لافتاً إلى أنه إذا انتهى مجلس الدولة في تقريره إلى ذات ما تمسك به نادي القضاة وأندية الهيئات القضائية والمجالس الخاصة لتلك الهيئات برفضه مخالفته الصريحة للدستور، وإهداره مبدأ الفصل بين السلطات، والاعتداء الصارخ على استقلال القضاء، فإن نادي القضاة وإزاء تلك المجريات والأحداث، يذكر مجلس النواب، من دون التدخل في اختصاصه الأصيل بالتشريع، بضرورة احترام رغبة جموع القضاة برفض ذلك التعديل على نحو ما أوضح، وذلك كله التزاماً منه أحكام الدستور والثوابت القضائية. وأكد نادي القضاة أنه على ثقة بأن مجلس النواب لن يستقوي بالدستور لمخالفة الدستور، وسينتهي احتراماً منه لأحكامه إلى رفض مشروع القانون الفاقد المشروعية الدستورية. وأشار إلى أنه يتابع عن كثب وبصبر ورويّة مجريات الأحداث، ويذكر أيضاً أن في مصر قضاة قادرين على الدفاع عن استقلال القضاء، تحقيقاً للعدل غاية كل مظلوم «فلا عدل يرجى ويرتجى من قضاء غير مستقل». وقال: «نحن على ثقة من أنه لن تهدر أحكام الدستور أو ينتهك استقلال القضاء في هذا الوطن الذي يخطو بخطى ثابتة نحو التقدم والازدهار في ظل سعي كل مؤسسات الدولة وحرصها على تحقيق ذلك».