حصل أحد المتوترين (دائما) على رقم جوالي. اتصل الساعة الثانية عشرة ليلا. قرر مناقشتي حول إحدى مقالاتي. لم ينتظر حتى الصباح أو أي وقت آخر مناسب. رفضت المناقشة فقال غاضبا: يا أخي أنت ما تؤمن بالحوار؟ قلت: ومن قال لك إنني أؤمن بالحوار. ارتبك. كان يظن أن هذه العبارة سوف تستفزني فانطلق وراءه لينتهي بنصحي أو شتمي. على كل حال بادل رفضي الحوار معه بشتمي والدعاء علي وأن تشل يميني دون أن يعلم أني أكتب باليد اليسرى. هذا الرجل بسيط. لا يعرف معنى الحوار ولا يدري كيف يتعامل مع الكلمات الجديدة. واحد من ضحايا الفكر الإقصائي. فوجئ أن في العالم شيئا اسمه حوار وآخر اسمه حرية الرأي. ضجيج كاسيتات العقد الماضي مازالت تمزق طبلتيْ أذنيه. كان ضمن طائفة كبيرة لم تعرف سوى الرأي الواحد والفكرة الواحدة وكلمة حرية ليس لها مدلول في مخه سوى التفسخ والانحلال. فسر الحوار أن يتكلم هو لا غيره ، وحرية الرأي أن يسمح له بالحديث في الليل في النهار في التلفزيون في المنابر وفي جوالات الآخرين. لا قانون إلا ما يسنه هو. يظن أن الناس في لندن تشتم بعضها بعضا وتكفر بعضها بعضا وتعير وتلعن .هذا مفهومه عن حرية الرأي وإذا تطور ظن أن الطالب في أمريكا يقف بكل وقاحة يقاطع مدرسه ومعالي الوزير يخرج على شاشة التلفزيون ينتقد قرارات رئيسه. العالم خبيصة كما قال له شيوخه ماعدا عالمه هو. أمام التغيرات التي تحدث هناك كثير من الناس في حاجة إلى نوع من التعليم لإدراك العصر الحديث. أن نضع في أذهان هؤلاء أن الحوار وحرية الرأي لهما قنوات محددة وأماكن محددة. لا يحق لك أن تقتحم خلوة الناس وتفرض عليهم الحوار معك. لا يحق لك أن تعبر عن رأيك مخالفا أو ناقدا رؤساءك. إذا كنت تعمل في شركة لا يجوز لك أن تخرج إلى وسائل الإعلام وتنتقد سياسة الشركة أو تصرفات رؤسائك في الشركة. نقرأ مذكرات بعض المسؤولين الأمريكان. نلاحظ فيها كلاما مخالفا لتوجهاتهم وتصريحاتهم عندما كانوا في السلطة. نعتقد أن هذا تناقض مع أقواله السابقة. لا يعلم البعض أن هذا المسؤول عندما كان في الوظيفة كان واجبه والقانون يفرضان عليه أن يعبر عن رأي السلطة وأن يدافع عن رأي السلطة ، عندما ينفصل رأيه أو يختلف رأيه عن رأي الحكومة التي يعمل معها يقدم استقالته لا أن يخرج إلى وسائل الإعلام ويصرح بما يتناقض مع مواقف رؤسائه وإدارته. حرية الرأي ليست كلاما مفلوتا تقوله وقتما تشاء. هناك قوانين وأنظمة وأطر تحكم العملية. أتذكر أن هناك قانونا في المملكة ينظم العلاقة بين العاملين في الدولة والتعبير في وسائل الإعلام. يمكن العودة إليه وتطويره ليشمل خصوصية الناس أيضا. حتى لا يأتي احد في منتصف الليل ويفرض نفسه على الآخرين أو أن يخرج موظف في الحكومة ينتقد وجهة نظر وزارته.