لا يخفي جوليان أسانغ أنه يعمل بوعي لتعزيز الحرية الرقمية، التي باتت من الحدود المتقدمة للمواطنة في العصر الإلكتروني، إضافة الى علاقته الواضحة مع الهاكرز. ففي إحدى لقاءاته الإعلامية، صرح أسانغ بأنه يتحرك بدافع الرغبة في حماية الضحايا. ويضع موقع «ويكيليكس» إعلاناً عن توجهاته، يورد فيها إيمان المشرفين عليه بأن الشفافية في عمل الحكومات سبيل لضرب الفساد، مع تركيز على الحكومات التي تعتقد بأنها في مأمن من المساءلة. ولطالما عبّر أسانغ عن سروره بخوض معارك فكرية، مع ملاحظة أنه الناطق الوحيد بلسان «ويكيليكس». ولم تحل تلك الكلمات القوية دون ملاحظة مجلة «تايم» أن الوثائق التي تنشر على هذا الموقع ليست بعيدة عن نوع من الرقابة. فقد انتقد كثيرون أن شريط الفيديو عن قصف طائرة مروحية أميركية مدنيين وصحافيين في العراق، جرى التدخّل فيه علي يد أسانغ نفسه، الذي اختار له عنوان «جريمة جانبية»، تهكماً منه على وصف طالما تردد على لسان وزير الدفاع الأميركي السابق رونالد رامسفيلد ومفاده أن وقوع ضحايا بين مدنيين هو «خسائر جانبية» للحرب على الإرهاب. وأشار المنتقدون الى أن الشريط الأصلي يتضمن صوراً تُظهر وجود مقاوم عراقي يحمل مدفعاً فردياً من نوع «آر بي جي» (وهو مضاد للدروع)، في مكان غير بعيد عن قصف تلك المروحية. وحمل هذا النوع من التدخّل بعض نشطاء الدفاع عن الحريات على الانترنت، لطرح أسئلة عن استمرار الموقع في الحصول على غير سبق صحافي. وفي سياق تلك الانتقادات، يجيء قول لوسي دالغيش، المديرة التنفيذية ل «لجنة المراسلين من أجل حرية الصحافة»: «ما يثير قلقي ليس ممارسة «ويكيليكس» للصحافة، وإنما أثر ذلك على حرية الوصول الى المعلومات ونشرها... غالباً ما تقول الصحافة التقليدية انها تجري مشاورات قبل نشر وثائق حساسة. ويدعي «ويكيليكس» أنه يفعل الشيء نفسه. ولكن، في حال حدوث خطب، يمكن مقاضاة مديري الصحف التقليدية وناشريها، أما في حال «ويكيليكس»، فليس هناك من تمكن مقاضاته سوى أسانغ نفسه، ذلك أنه الوحيد الذي يعرف شبكة «الهاكرز» التي تدعم موقع «ويكيليكس» وتزوّده بالوثائق، وتعمل على استمراره في العمل». وتذكّر تلك الكلمات بإشكالية ربما كانت أكثر أهمية بكثير. فعلى رغم استمرار أسانغ في إحراج الولاياتالمتحدة الأميركية وانتقاد أدائها في حربي أفغانستان والعراق، فانه يعلم بأن استمرار عمله رهن بالتزام الولاياتالمتحدة وحلفائها الغربيين، بمبادئ الديموقراطية، وأن ذلك هو ما يؤمن الحماية له ولأفعاله. ولم يتردّد أسانغ نفسه، في لقاء مع إحدى وسائل الإعلام الغربية، في إبداء وعيه العميق بهذا التناقض، بل أنه لا يراه تناقضاً، إذ قال عن قراره نشر الوثائق السرية للمؤسسة العسكرية الأميركية أثناء خوضها حروبها خارج بلادها: «علينا التمسّك دوماً بمبدأ أن من حقّ كل فرد التواصل مع الآخرين وإيصال معلوماته اليهم... لنتذكر أن المبدأ الأول من الدستور الأميركي (الحق في التعبير عن الرأي)، يؤكد بوضوح أن الناشرين يملكون الحق في إخبار الناس عن مجريات الأمور التي يعيشونها». ليس تناقضاً، لكنه صراع للتمسّك بأساسيات الديموقراطية، التي ترسخّت عبر مسار طويل وصعب في الغرب، والبناء عليها أثناء صنع الصحافة في زمن الانترنت ومعطيات المجتمعات المعاصرة.