السؤال الذي يطرح نفسه بقوة عند الحديث عن معركة الموصل الدائرة رحاها هذه الأيام هو لماذا تلكأت الحشود في اقتحام المدينة، للتخلص من فئة تقدرها المصادر الأمريكية نفسها أنها لا تزيد عن خمسة إلى ستة آلاف عنصر؟ ما السر في هذا التلكؤ؟ هل تريد القوى الكبرى التي وقفت وراء كل هذه الحشود المكونة من 20 دولة أطلقت على نفسها التحالف الدولي وحشدت أسلحة فتاكة تعد أكثر الأسلحة تطورا في العالم؟ هل تعجز هذه الجيوش والحشود والتقنية العسكرية المتطورة عن التخلص من هذه المجموعات الإرهابية؟ بعض الخبراء يرون أن هذا التلكؤ مقصود لتبرير التصريحات الأمريكية التي أطلقها أكثر من مسؤول أمريكي ومفادها أن التخلص من هذه المجموعات ربما يستغرق عدة أعوام، ومنهم من يرى أن (تحرير) الموصل مرتبط بالانتخابات الأمريكية لأن إدارة أوباما تريد أن تقدم هدية للمرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون كي تبدأ عهدها بإنجاز في ساحة العراق. من أغرب ما يصادف المراقب لخارطة التصريحات التي يطلقها السياسيون تصريح أطلقه نوري المالكي رجل إيران في العراق وهو يتحدث في مؤتمر ما يسمى بالصحوة الإسلامية الذي عقد في بغداد وهذه المنظمة التي أنشأتها إيران لتضليل المسلمين وتم تعيين علي أكبر ولايتي وزير خارجية إيران السابق أمينا عاما لها، وجاء فيه عبارة قادمون يا نينوى قادمون يا رقة قادمون يا حلب قادمون يا يمن! ماذا تعني هذه العبارات الخطيرة وما الرسائل التي يمكن فهمها منها؟ لا شك في أن المالكي لم يطلق هذه العبارات من باب المصادفة، ولكنه أراد أن يوجه رسائل عدة محليا وعربيا ودوليا، فالمالكي هو رأس الفتنة في حزب الدعوة الذي شكلته إيران في الخمسينات من القرن الماضي ليكون يدا ضاربة في مخططاتها كما هو شأن حزب الله في لبنان وما يسمى بأنصار الله في اليمن، ولذلك فإن هذه الرسالة هي امتداد لرسائل سابقة تؤكد وتعزز ذهنية المالكي الطائفية وباختصار أراد المالكي أن يقول إن هذه المعركة معركة طائفية بامتياز، كما ان المالكي الذي طرد من السلطة طردا أراد ان يوصل رسالة لسيده في قم علي خامنئي بأنه لا يزال شديد الولاء للمشروع الصفوي الذي تحاول إيران تنفيذه في المنطقة، وهو الخادم المطيع لإيران ونواياها التوسعية على حساب العراق والأمة العربية. كما أن هذه التصريحات رسالة إلى الحشد (الشعبي) الذي يقوده المالكي لتنفيذ الأجندة الإيرانية التي نفذتها هذه الميليشيات الصفوية في الفلوجة وديالى وجرف الصخر والرمادي والحويجة وغيرها من المدن التي يشكل السنة العرب غالبيتها. طموح المالكي -وهذا أمر لا يخفى على المراقبين- هو العودة إلى سدة الرئاسة، وهو يعتقد أن الوصول إلى هذا الهدف سيتم عبر تحقيق ما تصبو إليه إيران من تشكيل الهلال الصفوي الذي يمتد من الموصل إلى حلب. هذه العقلية التي تربت في أحضان إيران ترى أن أهل الموصل المعروفين بمواقفهم القومية وحقيقة أن 70 بالمئة من الجيش العراقي السابق هم من أبنائها يجب أن يبادوا كما جرى لأهل الأنبار والفلوجة الذين وقفوا حائلا دون مد جسر الهلال الصفوي عبر ديارهم باتجاه سوريا. حالة الموصل اليوم خرجت من نطاقها العراقي المحلي وصارت صراعا إقليميا يرتبط بتسهيل الولاياتالمتحدةلإيران التمدد في عمق الوطن العربي من شرقه إلى غربه. لم يعد مخفيا أن المالكي الذي خرج بمثل هذا التصريح لا يقرأ الحقائق جيدا، فالذين يعرفون أهل الموصل يدركون أن شعب الموصل هو الشعب نفسه الذي حطم طموحات الفارسي نادر شاه على أسوار الموصل في القرن الثاني عشر، هو الشعب نفسه الذي دحر الإمبراطورية الساسانية قبل أكثر من 4000 سنة، وشعب الموصل يمتلك الإرادة التي تجعله رغم كل الحشود الطائفية صامدا. * إعلامي عراقي يقيم في لندن