عبدالمحسن محمد الحارثي اللّعب والرقص مفهوم رمزي ، وهي حركة تعبيريّة إيجابيّة تُحسّن الحياة وتجعلها أفضل. إنّ كُل شيء في الحياة راقِص ؛ وذلك ما يمنح الحيويّة لكل ما في الكون. إنّ إحداث الهزّة والطرب من المعايير الجماليّة للشعر عند العرب ، بل هو عند بعض الشعراء ممّا يقوم به مفهوم الشعر : إذا الشِّعرُ لم يهزُزْك عند سماعِهِ ….. فليس حريّاً أنْ يُقالُ له شِعرُ. الشعر هو ما أطرب وهزَّ النفُوس وحرّك الطِباع. يقول أبو العتاهية: إنّ الشباب حُجّة التصابي ….. روائح الجنّة في الشباب. فخيرُ المعاني ما كان القلب إلى قبوله أسرع من اللسان إلى وصفهِ. فمثل هذه الأبيات تهزُّ في إطرابها كما تهُزُّ الغُصن ريح الصَّبا ، وكما انتفض العصفور بلَّلهُ القطْر . وغالباً ما يستخدم العربُ لفظ اللعب لوصف رقص الرِّجال ، وتُخصّص كلمة الرقص للنساء في الأغلب .. هكذا جرت العادة إلى يومنا هذا … يقول الشاعر : إذا لعب الرِّجالُ بِكُلِّ شيءٍ ….. رأيت الحُبَّ يلعبُ بالرِّجالِ . إنّ حبّة الرّمل التي نراها ساكنة من جُسيمات متناهية الصغر تتراقص حول نواتها. والأرض ترقص حول نفسها وحول الشمس ، ولولا ذاك .. لما كان هناك ليل ونهار ، ولا فصول متنوِّعة. إنّ أفضل الوسائل الحديثة للتنفيس عن الهموم هو العلاج بالرقص عند تراكم الجِراح. قال زُوربا اليوناني ???? الرَّقص هو الشيء الوحيد الذي يُوقف الألم). ولكننا نختلف هنا مع هذه المقولة ؛ لأن ذِكر الله تعالى هو ما يُخفِّفُ الآلام ويُشفي الأسقام. إنّ الرقص الحقيقي هو عند سماع القرآن ، فيطرب السامع وتخشع الأنفس ؛ لأنها تنعم في رِحاب الله. وهذا من الرقص الروحي ، ويختلف عن رقص المحافل! وحتّى الأشجار في غاباتها تتراقص ، فتجدها تحيا وكأنها في كُل لحظة تُؤدي رقصتها المُفضلة ، ولعلها ترقص بطريقتها في التسبيح والثناء. الرقص لُغة خفيّة تتحدَّثُ بها الروح مع الجسد ، فهي قصيدة الجسد ، وهي أوّل لُغة مارسها الإنسان ، وأصدق تعبير ؛ لأنَّ الأجساد لا تكذبُ أبداً ، فهو يمنحها طاقة للتحرُّر من الامتهان، فمن يبتسم لهُ الحظ يُجيد الرَّقص، ويتناغم الجسد الراقِص من الرَّقص أنّى كان! يقول الشاعر: لا تحسبوا أنّ رقصي بينكُم ….. فالطيرُ يرقصُ مذبوحاً من الألمِ.