قصد رجلان استراحة تقع شمالي العاصمة الرياض ذات ليلة. وبيناهما يبحثان عن الطريق، انقادا إلى استراحة أخرى فيها أنوار واستعداد. ولكونهما كانا يبحثان عن الطرب والشعر والقلطة بين شعراء مجيدين فقد أوقفا المركبة أمام بوابة الاستراحة، وبدت أنها ذات امتياز. وعلى الباب رجلان. سأل القادمان الرجلين عن إمكانية الدخول بعد سماعهما العود والطبل، فلم يبد الحارسان ممانعة، لأن ما يجري داخل الاستراحة طرب عادي، شأنه شأن ما يجري خارج المدن عندنا. جلسة الطرب قائمة، وقوم يجلسون على سجاد وثير، ووسط الساحة شباب يرقصون على أنغام الطبلة والعود. وبدا أنهم من ذلك النوع من الشباب الذين يحبون المرح ومرتبطون بالموسيقى ارتباطا وثيقا. مرّ مجتمعنا بمرحلة زمن "الصندوق" كما يُسمى في نجد. أو "الشنطة" كما يسمونها في الحجاز (نهاية الأربعينيات الميلادية عبر الخمسينيات) حيث يجلس المستمعون حول "جرامافون" يُعبّأ يدوياً ويعمل على شوكة تلامس قرصا دائريا ممغنطا يحوي الأغنية. ويُعبر السامعون عن استعذابهم لما يُفضلون من ألحان بأداء رقص يُسمّى "الزفن" والفعل يزفن. وليس رقصا بالمعنى الواسع بل هو حراك جسدي يجاري النغم. ولا يزال يمارس في الخليج، وبعض الراقصين من المحترفين، يأتون لهذا الغرض. فلا تخلو المقاطع المصورة لمحمد زويّد - مثلا - من مؤدّ يُجاري اللحن بحركات جسدية. لو قلت كلمة "رقص" لما طاب لهم هذا التعبير، وفي أغاني "الحوطي" يقولون عنه "لِعْب" وفلان يلعب. وفي أهازيج الحرب - العرضة - يقولون عنه "يتنكّس" وهو تحريك الجسد كتلة واحدة، وعادة تأتي من قارعي الطبول. لأن "الصفوف" عليهم فقط أداء الفعل الصوتي والتلقين، وتحريك السيوف. ورأى الزائران أن العمل الفني في الاستراحة تلك "شويّ بزود" حيث الراقصون يحركون كتلا عديدة من الجسد بما فيها الأيدي والكتفان . وهذا لم نعهده. كذلك رأى الناس الاحتفالات الكرويّة تضم شبابا "يرقصون" بالمعنى الحرفي الكامل للكلمة..