تشهد مناطق الأغوار الفلسطينية، وخاصة الشمالية والوسطى منذ مطلع العام 2023 نشاطات من المستوطنين، للاستيلاء على مساحات جديدة من الأراضي، وضمها لحدود نفوذهم، التي باتت تطوِّق المواطنين الفلسطينيين في المنطقة وتحرمهم مما تبقى من أراضيهم الزراعية والرعوية. هذا ما يشير إليه «تقرير الإستيطان الأسبوعي» الصادر عن المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، ويستعرض فيه آخر مستجدات «التوسع الاستيطاني» في الضفة الغربيةالمحتلة، وعلى وجه الخصوص، في الأغوار الفلسطينية. تمتد منطقة الأغوار على طول الحدود الشرقية للضفة الغربية المحتلة من قرية عين جدي في الجنوب قرب البحر الميت، حتى منطقة عين البيضا المحاذية لمنطقة بيسان في الشمال، وطولها 120 كم وعرضها ما بين 5–20 كم حسب اقترابها أو بعدها من السلاسل الجبلية للضفة الغربية المطلة على الأغوار الفلسطينية، وتشكل 28 % من مساحة الضفة الغربية، بمساحة تقدر بنحو 1600 كيلو متر مربع. يعيش فيها أكثر من 65 ألف فلسطيني وتضم 27 تجمعًا سكانيًا ثابتًا على مساحة 10 آلاف دونم، وعشرات التجمعات الرعوية والبدوية، وتتبع إداريًا لثلاث محافظات هي: محافظة طوباس (الأغوار الشمالية) يعيش فيها 11 تجمعًا، ومحافظة نابلس (الأغوار الوسطى ) يعيش فيها 4 تجمعات، ومحافظة أريحا (الأغوار الجنوبية) ويعيش فيها 12 تجمعًا. يذكر أن مناطق الأغوار قسمتها اتفاقيات أوسلو بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي إلى مناطق هي منطقة (A) وتخضع لسيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية، بمساحة تقدر بنحو 85 كم2، ما يعادل 7.4% من مساحة الأغوار الكلية؛ ومناطق(B)، وهي منطقة تقاسم مشترك بين السلطة وإسرائيل، ومساحتها 50 كم2، ما يعادل 4.3% من المساحة الكلية للأغوار؛ ومناطق (C) وتخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، ومساحتها 1155 كلم، أي ما يعادل (88.3% ). من المساحة الكلية للأغوار. وتستحوذ الأغوار على 50 % من الأراضي الزراعية في الضفة الغربية وكانت على امتداد سنوات تُزوّد السوق المحلي الفلسطيني بنحو 60 % من حاجته إلى الغذاء من الخضار والفواكه، بحيث أطلق عليها «سلة غذاء فلسطين». بالنسبة للمياه تقع الأغوار على الحوض الشرقي، ثاني أكبر خزان للمياه الجوفية في الضفة الغربية، بسعة 173 مليون متر مكعب وتحتوي على 50 % من مصادر المياه الفلسطينية. يُسيطر الاحتلال على 85 % من الموارد المائية في الأغوار. أما استهلاك المياه فإن المستوطن الإسرائيلي يستهلك نحو 287 لترًا من المياه يوميًا، بينما لا يتجاوز استهلاك المواطن الفلسطيني حوالي 20 لترًا يوميًا. ولا تعطي سلطات الاحتلال للفلسطينيين تراخيص لحفر آبار مهما كان عمقها، بينما تقوم شركة «ميكروت» موزع المياه الإسرائيلي بحفر الآبار التي يصل بعضها إلى عمق 100 متر، بغية تزويد المستوطنات والمزارع التابعة لها بالمياه طوال العام. وقد بدأت سلطات الاحتلال الاستيطان في الأغوار الفلسطينية في وقت مبكر بعد احتلال الضفة الغربية في حزيران عام 1967 فأقامت مستوطنة «محولا» في شباط من العام 1968، أي بعد نحو تسعة أشهر من الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة، ثم تتالت النشاطات الاستيطانية في الأغوار بعد ذلك بتجمعات استيطانية صغيرة، حيث توالى بناء أنوية الاستيطان، التي توزعت على محافظات نابلس، أريحا والأغوار ومحافظة طوباس حتى وصل عدها نحو 27 مستوطنة (19 في محافظة أريحا و 8 في محافظة طوباس). في الوقت الحالي، يوضح التقرير، يقدر عدد المستوطنين في الأغوار الفلسطينية (الشمالية والوسطى والجنوبية) بحوالي 11,000 مستوطن، يعيشون في ثلاثة مجالس إقليمية هي: مجلس غور الأردن، مجلس البحر الميت، ومجلس معاليه أفرايم موزعين على هذه المستوطنات فضلاً عن عشرات البؤر الاستيطانية والمزارع الرعوية. وإذا ما تم تنفيذ خطة بناء ثلاث مستوطنات جديدة، التي كشفت عنها صحيفة «ميكور ريشون» الإسرائيلية، فإن عدد المستوطنين في المنطقة سوف يتضاعف، حيث ستوفر المستوطنات الجديدة خلال أعوام قليلة حوالي 9,500 وحدة سكنية إضافية. ويترافق إقامة هذه المستوطنات مع عمليات تهجير للمواطنين الفلسطينيين. فقد شهدت الأغوار الفلسطينية عمليات هدم وتهجير متواصلة من سلطات الاحتلال لتجمعات سكانية فلسطينية، كما حدث في خربتي الرأس الأحمر وعاطوف والفارسية. وتجري عمليات الهدم هذه على مراحل، ووفقًا لمعطيات مؤسسات حقوقية ترصد انتهاكات الاحتلال في الضفة الغربية، ومن بينها «بتسيلم»، فإن سلطات الاحتلال هدمت في الفترة بين عام 2006 وعام 2017 نحو 700 وحدة سكنيّة ومنشأة على الأقلّ في قرى وتجمعات فلسطينية في منطقة الأغوار، إضافة إلى تعرض العديد من التجمعات السكانية لعمليات إخلاء متكررة بحجة التدريبات العسكرية وما يرافق ذلك من عمليات تدمير واستيلاء على ممتلكات المواطنين. وتواصلت عمليات الهدم والتهجير بوتائر مختلفة. البيانات الرسمية الفلسطينية تشير إلى أن الاحتلال هَجَّر ما يزيد عن 50 ألفًا من سكان الأغوار منذ عام 1967 ، بالإضافة إلى تجمعات سكانية كاملة بحجة إقامتهم في مناطق عسكرية . ويمر الاستيطان في الأغوار الفلسطينية، وخاصة الوسطى والشمالية منها، مع صعود اليمين الفاشي إلى السلطة في اسرائيل بعد انتخابات الكنيست الأخيرة نهاية العام 2022 ، بمراحل شديدة الخطورة ، من خلال الجهد الحثيث، الذي تبذله سلطات الاحتلال لزيادة أعداد المستوطنين بشكل كبير من خلال مخططات الاستيطان، والتوسع في إقامة البؤر الاستيطانية وما يسمى بالمزارع الرعوية، والتي ترمي في النهاية لربط مستوطنات الأغوار ببعضها وشرذمة التجمعات الفلسطينية في المنطقة بطرق متعددة تشكل خطرًا على التواجد الفلسطيني فيها. على هذا المستوى، يتابع التقرير، شهدت السنوات القليلة الماضية بشكل عام وفي العامين الماضيين بشكل خاص نشاطات واسعة من المستوطنين من خلال إقامة هذه البؤر والمزارع في مناطق متفرقة من الأغوار خاصة الوسطى والشمالية. نشير هنا إلى أن أوائل البؤر الاستيطانية الرعوية ظهرت عام 2016 في منطقة الحمة بالأغوار الشمالية، وتلتها خلال السنوات اللاحقة عدة بؤر، علمًا أن البؤر الرعوية تظهر بكثرة مؤخرا ليس فقط في مناطق الأغوار وإنما أيضًا في المناطق المطلة عليها وهي المناطق المعروفة باسم (شفا الغور). خلال السنوات السبعة الماضية أقام المستوطنون بتشجيع وتسهيلات من سلطات الاحتلال والإدارة المدنية نحو 13 بؤرة استيطانية رعوية في مناطق الأغوار (الشمالية والوسطى والجنوبية)، وفي المناطق المطلة على الأغوار، حيث استولى المستوطنون من خلالها على آلاف الدونمات من المراعي. وفي واحدة من أكبر عمليات مصادرات الأراضي في الضفة الغربية منذ سنوات، قررت مديرية الاستيطان في وزارة الجيش الإسرائيلية التي يترأسها سموتريتش مصادرة ثمانية آلاف دونم من أراضي الأغوار التي تتعرض لأوسع هجمة استيطانية منذ سنوات كما تقول الوقائع اليومية ومنظمات حقوقية إسرائيلية. وبالتوازي مع مخطط إقامة ثلاث مستوطنات جديدة في الأغوار بدأ مجلس التخطيط الأعلى في الإدارة المدنية مناقشة عدد من مشاريع البناء الاستيطانية في محافظات بيت لحم والخليل وجنين ببناء مستوطنات جديدة أو الترويج للبناء في مستوطنات قائمة. في محافظة بيت لحم عاد مشروع بناء مستوطنة جديدة إلى واجهة التطورات، حيث تشرع سلطات الاحتلال ببناء مستوطنة «ناحال حيليتس»، وهي واحدة من خمس مستوطنات قررت هذه السلطات إقامتها في آب من العام الماضي على أراضي بيت لحم ردًا على إجراءات السلطة الفلسطينية ضد دولة إسرائيل، واعتراف كل من النرويج وإسبانيا وإيرلندا رسميا بالدولة الفلسطينية في أيار من العام الماضي وسلوفينيا وارمينيا بعد ذلك بشهر، حيث أعلن وزير المالية في وزارة الجيش الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، في حينه في منشور له على منصة (X) قرار إقامة المستوطنة المذكورة لربط الكتلة الاستيطانية «غوش عتصيون» بالقدس باعتبارها «مهمة وطنية» على حد تعبيره وخصص لها 120 دونما ثم اتبعته بقرار طاقم الخط الأزرق الذي أخضع 600 دونما أخرى لصالح إنشائها. وفي الأسبوع الماضي كذلك تم الترويج في الادارة المدنية لجيش الاحتلال لبناء 1124 وحدة سكنية في ثلاث مستوطنات هي «بيتار عيليت» في محافظة بيت لحم، «ادورا» في محافظة الخليل و»حنانيت» في محافظة جنين. وتشتمل خطة البناء في بيتار عيليت نحو 561 وحدة على الحافة الغربية للمستوطنة من شأنها أن تخنق قرية وادي فوكين الفلسطينية، أما خطة بناء 287 وحدة سكنية في ادورا فتقع على أنقاض مجتمع فلسطيني تم طرده. هذا المخطط، الذي يحمل الرقم 516/3/1، سوف يتم تقديمه للموافقة على الإيداع لإنشاء حي جديد وكبير من 287 وحدة سكنية شرق المستوطنة المذكورة من شأنه أن يضاعف حجم المستوطنة المعزولة الواقعة شمال غرب الخليل. وفي منطقة المخطط أقام المستوطنون مؤخرًا بؤرة استيطانية جديدة لحي من الكرفانات (بؤرة ادورا شرق)، ويسعى المخطط إلى شرعنتها بأثر رجعي. وقد أقيمت البؤرة الاستيطانية على أنقاض التجمع الفلسطيني خربة الطيبة الذي طرده الجنود والمستوطنون بعنف في أكتوبر 2023. في هذه الخربة كانت تسكن 10 عائلات يبلغ عدد أفرادها 47 مواطنًا، بينهم ستة قاصرين. كما كانت تقطنها أربع عائلات أخرى. في السابع من أكتوبر 2023 وصل المستوطنون والجنود و ابلغوا السكان بضرورة مغادرتها لأن الموقع أُعلن منطقة إطلاق نار، وهكذا غادرت جميع العائلات العشر التي كانت تقطن في الخربة بشكل دائم في ذلك اليوم، أما العائلات الأربع الأخرى فقد ارغمها المستوطنون على المغادرة في الرابع من كانون الثاني 2024 بعد أن دمروا وأحرقوا أربعة منشآت زراعية وأثاثًا تركوه وراءهم. «اجتماعات أسبوعية» ولم يتم نشر تفاصيل خطة بناء 267 وحدة في مستوطنة حنانيت شمال غرب جنين بعد، والى جانب ذلك يناقش مجلس التخطيط الأعلى التقدم ببناء نحو 100 وحدة سكنية في مستوطنة كوخاف يعقوب. وتضم هذه المستوطنة حيا يعرف بتل صهيون، تتم إدارته بشكل منفصل، وتهدف خطة المستوطنة توسيع تجمع تل صهيون. ويأتي هذا في سياق التحول، الذي طرأ على عمل مجلس التخطيط الأعلى، الذي أخذ يعقد اجتماعات أسبوعية للمصادقة على مشاريع البناء في المستوطنات، ما رفع إجمالي عدد الوحدات التي تمت الموافقة عليها منذ الانتقال إلى الاجتماعات الأسبوعية إلى 5394 وحدة سكنية في مدة شهرين ونصف. عدوان الاحتلال على الضفة