أختتم نادي الكتاب بالليث لقاءاته الشهرية مساء أمس بمناقشة كتاب تكوين العقل العربي لمؤلفه المفكر محمد الجابري،وذلك في المكتبة العامة بالليث،قام بقراءته وعرضه الأستاذ بلقاسم المزيني،وفي مستهل اللقاء ذكرالمزيني أن المفكر الجابري بدأ كتابه بتساؤل عريض،وهو كيف لعقل لم يقم بمراجعة شاملة لآلياته ومفاهيمه وتصوراته ورؤاه أن ينهض؟ وتحت هذا التساؤل الكبير قدم الجابري مشروعه لنقد العقل العربي،متجاوزا الثقافة الشعبية والأمثال والأساطير محاولا تفكيك عقل النخبة،ورد كل جزئية فيه إلى البنى المشكلة له،ناسبا نفسه إلى النقدية العقلانية التي تتخذ من موضوعاتها موقف الذات الواعية،مثيرا عبر مجموعة من المقاربات الأولية عن ذات العقل الذي يريد نقده،سؤالا عن حقيقة وجود عقل عربي منفصل عن غيره من العقول،وتطرق الجابري إلى تكوين العقل العربي معرفيا وأيديولوجيا،وبدأ باللغة العربية من حيث هي المحدد الأول للفكر،واصفا إياها بالتجمد،فاللغة العربية بحسب الجابري مرجعيتها لا الواقع المتغير بل البداءة المباركة التي بها يصير البدوي معلما لكل متعلم في محراب اللغة! ومضى الجابري في الحديث عن الفقه الإسلامي على اعتبار أن الحضارة العربية الإسلامية هي حضارة فقه،كما كانت حضارة اليونان من قبل حضارة فلسفة،مؤكدا أن الفقه منتج إسلامي أصيل،وبذلك يجد الجابري مدخلا لحديثه المطول عن النقل والرأي في الثراث الفقهي،مرورا بتحديد الشافعي للحدود الأربعة لأصول الفقه،من كتاب وسنة وإجماع وقياس،مبينا أن مرجعية الشافعي في هذا التحديد هو "البيان العربي" نفسه،وأن لا مرجعية من خارج المجال التداولي للعقل العربي. وتتبع الجابري أثر الغازي الأجنبي الذي دخل حرم الثقافة العربية الإسلامية،مشيرا إلى أن الإسرائيليات المتسللة هي أحد أبرز مصادر اللامعقول في الفكر الديني العربي،وقدمت نفسها باسم"النقل"وذلك من خلال شروحات القرآن الكريم، وتلمس المفكر الطريق المهمش الذي سلكته الفلسفة لا الطريق الرسمي للفلسفة من أثينا إلى الغرب،بل طريقها الجانبي من أثينا إلى الشرق حتى مستقرها في بغداد.وأعتبر أن المغرب العربي والأندلس مثلث بداية جديدة للفكر الثقافي العربي،وأختتم كتابه بأن الصراع في الثقافة العربية لم يكن بين "الميتوس" و"اللوغوس" كما في الثقافة اليونانية،ولا بين الكنسية والعلم،كما في تجربة أوروبا الحديثة،وإنما بين نظامين معرفيين؛النظام البياني والايديولوجيا السنية من ناحية،والنظام العرفاني والايديولوجيا الشيعية من ناحية أخرى.فيما قوبلت أفكاره بالاعتراض من قبل أعضاء النادي،وأكد عبدالعزيز البارقي أن الشخص الذي لا يقرأ إلا مايوافقه يكون منزويا ولن تتطور ملكته النقدية،وأكد أن مناقشة وعرض مثل هذا الكتاب يوعي الشباب ويفضح الأفكار الخاطئة في بطون الكتب،وقال عبدالله الهلماني :النص الشرعي لايحجم على أحد فهو مصدر الحرية المحاطة بالضوابط وليس كما تناول المفكر بأن التحرر من الشريعة هو مصدر الحرية،وأنتقد الجابري في قوله أن لكل قارئ حريته في فهم النص القرآني،ونوه جمال أبو نعاج إلى أن اللغة العربية ليست قاصرة كما يدعي المؤلف ،بل هي لغة وسعت القرآن الكريم فكيف تعجز عن استيعاب العلوم الأخرى،ووصفه بالانكفائي من أجل خدمة منهج،وأتفق بشكل جزئي خالد الثبيتي مع مشروع الجابري في بنية تكوين النهضة،وقال يجب أن نأخذ أفكاره على حسن نية،ورفض سعيد هيلي مقارنته بين الثقافة العربية والأوروبية والأغريقية لأن الثقافة العربية قامت على الهامش الديني،وأنتقد حامد الإقبالي ما أقدم عليه الجابري، من اجتزاء للأحداث في التاريخ،إلى جانب استخدامه لمصطلحات أجنبية، وفي نهاية اللقاء تم تكريم أعضاء النادي،كما أقر الأعضاء تغيير سياسة النادي،من هدف نشر ثقافة القراءة إلى التكوين الفكري لأعضائه،أبتداءً من العام القادم.