في اليوم الرابع من هجوم الثوار على مقر سلطة بشار الأسد في دمشق، وقع انفجار في مكاتب تابعة لمكتب الأمن القومي، مما أسفر عن مقتل زوج شقيقة الرئيس، آصف شوكت، وثلاثة من كبار المسؤولين السوريين. وزعمت جماعات متمردة أنها من نفذت هذه العملية الجريئة، وأعلنت جماعات المعارضة السورية أنها كانت بداية النهاية للنظام، وفي واشنطن، أمرت إدارة أوباما فرق عمل من وزارة الدفاع الأمريكية والدولة والخزانة بوضع خطط لسوريا في مرحلة ما بعد الأسد، وفقا لما قاله حينها روبرت فورد، سفير الولاياتالمتحدة في سوريا في ذلك الوقت. وكان تفجير يوليو 2012 بالفعل نقطة تحول في الصراع في سوريا. ولكن، وبدلاً من إسقاط الأسد، أسفر هذا التفجير عن مرحلة جديدة أكثر فتكاً من الحرب الأهلية في سوريا، سمحت للأسد بالتمسك أكثر بالسلطة، وذهبت بكل أصوات النظام التي كانت لا تزال تنادي باستيعاب المعارضة إلى الصمت. وفي غضون عام، استخدمت القوات الموالية للأسد حتى الأسلحة الكيميائية ضد الثوار والمدنيين. والآن، تشير الأسرار التي كشف عنها حديثاً إلى نظرية مذهلة حول التفجير الذي أودى بحياة آصف شوكت، نائب وزير الدفاع، وتقول هذه النظرية إن التفجير قد دبر له من داخل النظام نفسه. عشرون شخصاً، بما في ذلك مسؤولين حاليين وسابقين في النظام، وقادة من المعارضة، ونشطاء، وثوار، وسياسيين في الدول المجاورة لهم علاقات مع الأسد، قالوا لوول ستريت جورنال، إن التفجير نجم عن الانقسام بين عائلة الأسد وحلفائها المتشددين من على الجانب الأول، ومسؤولي النظام الذين يسعون لإجراء مفاوضات مع جماعات المعارضة من على الجانب الآخر. وقبول هذه النظرية من قبل شريحة واسعة من السوريين يسلط الضوء على سمعة الأسد بأنه شخص لا يرحم، ويظهر أيضاً ديناميكية الدائرة الداخلية للرئيس وهي تصارع للحفاظ على قبضته على السلطة. وقد رفض المكتب الإعلامي للأسد طلبات الصحيفة لإجراء مقابلة مع الرئيس، كما رفض اللواء علي مملوك، واللواء ديب زيتون، وهما من كبار مسؤولي الأمن في النظام، طلبات منفصلة للحصول على تعليق حول هذا الموضوع. ويعتقد الجنرال السوري السابق، مناف طلاس، بأن النظام على علاقة بالتفجير. وانشق طلاس قبل أسبوعين من مقتل شوكت، بعد أن اكتشف حراسه ستة عبوات ناسفة زرعت خارج مكتبه في دمشق، واتهم النظام بالرغبة في قتله، أيضاً. وقال طلاس إنه، وشوكت، كانوا من بين أولئك الذين يدعون لإجراء محادثات مع كل من معارضي النظام السلميين والمسلحين، وهو موقف يتناقض مع موقف الأسد وقادة الأمن، الذين سعوا لسحق التمرد. وأضاف طلاس، الذي يعيش في باريس الآن: "بشار لم يختر في أي وقت القيام بإصلاحات جادة وذات مصداقية، ولكن بدلاً من ذلك اختار أن يقوم بتدمير البلاد"، وأضاف: "باع سورياللإيرانيين". وفتح الهجوم نفسه الباب لإيران، الحليف الإقليمي للأسد، ولحزب الله، للعب دور أكبر في الدفاع عن النظام، وفقاً لأفراد من قوات الأمن السورية والميليشيات الموالية للنظام. وفي غضون أسابيع، توافد رجال الميليشيات الشيعية الأجنبية إلى سوريا، وانضموا إلى مقاتلي ميليشيات محلية مدربة من قبل إيران وحزب الله، للمساعدة في دعم الجيش السوري. ورفضت السفارة الإيرانية في دمشق، والناطق باسم حزب الله في بيروت، إجراء مقابلات مع الصحيفة أو إعطاء تعليق حول هذا. وبدوره، قال فورد، الذي يعمل الآن في معهد الشرق الأوسط، وهو مؤسسة بحثية غير حزبية في واشنطن، إن كبار أعضاء المعارضة السورية قالوا له إن الثوار ليسوا مسؤولين عن التفجير، وإنهم يعتقدون أن النظام هو من نفذه. وأضاف: "أنا لم أر قط أي أدلة مقنعة على أن ذلك كان عملاً من داخل النظام. ولكن هذه المزاعم منتشرة على نطاق واسع". وبعد يومين من مقتل اثنين من المحتجين السوريين على يد قوات النظام في 18 مارس 2011، في مدينة درعا، وتغير كل شيء في البلاد، تلقى طلاس مكالمة من الأسد يطلب فيها منه المشورة. وقال طلاس إن الأسد اقترح حينها إزالة محافظ درعا، وإطلاق سراح جميع الأشخاص الذين اعتقلوا في المظاهرات، واعتقال قائد الأمن المحلي، والتكفير عن عمليات القتل من خلال زيارة يقوم بها إلى المدينة. ويضيف طلاس: "قلت له إن مجتمعنا قبلي، وسوف يثمن بادرته التصالحية هذه. فقال لي: تمام". ولكن، ومع نزول المزيد من المتظاهرين إلى الشوارع، ارتفع معدل القتل. وقال الأسد في خطاب ألقاه أمام البرلمان يوم 30 مارس، 2011: "إنه ليس سراً أن سوريا تواجه اليوم مؤامرة كبرى ينفذها أشخاص من داخل الوطن، ومن البلدان البعيدة والقريبة". وفي ذلك الوقت، كان طلاس مسؤولاً على وحدة قوامها 3500 مقاتل من الحرس الجمهوري كانت مكلفة بحماية الرئيس والعاصمة، وقال طلاس إنه تم إرسال حوالي 300 من رجاله إلى مدينة دوما للمساعدة في السيطرة على الحشود هناك. إلا أن طلاس أضاف أن بعض من رجاله أعدموا لرفضهم إطلاق النار على المحتجين، وواحد من أفضل ضباطه، عاد من دوما طالباً إعفاءه من المهمة، فقال له طلاس: "كن صبوراً. لقد وعد الرئيس بحل الأمور خلال ثلاثة أسابيع"، إلا أن الضابط انتحر في اليوم التالي. وقال طلاس إنه احتفظ بعدها بمنصبه الرسمي، ولكن تم تهميشه من قبل النظام، بعد أن أثارت اعتراضاته على إطلاق النار على المتظاهرين، ودعوته لإجراء محادثات مع قادة المجتمع المحلي المشاركين في الاحتجاجات، حفيظة المتشددين. وفي مايو 2011، كان لدى طلاس اجتماع أخير مع الرئيس، ويقول الضابط السابق: "قلت له: أنا صديقك ونصحتك بعدم اختيار الحل العسكري، بل باتخاذ الحل السياسي، فهو أكثر شمولاً. فأجابني: أنت ضعيف جداً". وقال وليد جنبلاط، وهو زعيم سياسي لبناني رفيع، التقى مع الأسد في يونيو/حزيران عام 2011: "قال لي الأسد في نهاية الاجتماع: لا أريد من الناس أن يحبوني، أريدهم أن يخشوا مني". وبحلول الخريف، سيطر متمردون في حمص على بعض الأحياء بالقوة. وبالنسبة للنظام، كان هذا تهديداً بقطع الطرق الهامة التي تربط دمشق مع الموانئ البحرية الوحيدة في سوريا. وفي ديسمبر 2011، قام شوكت بزيارة اثنين من قادة الأجهزة الأمنية في حمص، ثالث أكبر مدينة سورية، للاجتماع مع نشطاء المعارضة، ورجال الأعمال، والقيادات الدينية والمجتمعية. وقال الناس الذين كانوا هناك إن شوكت كان الأكثر اهتماماً بخطة وقف إطلاق النار التي قدمت حينها. ورغم أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق، إلا أن شوكت قام بلفتات تصالحية، مثل السماح بسيارات الإسعاف لالتقاط القتلى والجرحى، وهو ما تم حظره لاحقاً من قبل المتشددين في النظام، وفقاً لنشطاء وقادة مجتمع. وقال طلاس، إن قوة شوكت تضاءلت بعد وقت قصير من عودته من حمص، وأنه عندما "أصر على الاحتفاظ بمهامه وصلاحياته، بدأ الصدام الحقيقي". وقال جنبلاط": "في رأيي، هم من تخلصوا منه، لأنهم كانوا خائفين منه"، في إشارة إلى نظام الأسد. وقال آخرون، بمن فيهم طلاس والناس الذين يعرفون أفراد من عائلة الأسد، إن شوكت كان يعد تهديداً محتملاً للرئيس من قبل المحيطين بالنظام. وأكد طلاس على أنه، وفي اليوم الذي قتل فيه شوكت، كان اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدسالإيراني، في دمشق. وأيضاً في ذلك اليوم، حسن نصر الله، قائد حزب الله، تحدث إلى أنصاره في ضاحية بيروت لإحياء الذكرى السنوية لحرب عام 2006 مع إسرائيل.