كان المدخل لمقالي الطويل ، واتمنى ألا يكون مملاً ! ، ما قرأته لأخي الكريم الاستاذ عطية البكري ب موقع "فيس بوك "، مضمونه ، أين تحولت أقلام كانت تهاجم التغريب ؟ فعلقت : " كانت تلك استنسابية تهدف لمعنيين ظاهر وخفي ، ليظهروا أنهم من ذوي التوجه الاسلامي البحت والدعوي ، فيما بعضهم بعد زاروا أوروبا واميركا جاءوا بأفكار جديدة عما رآه كل واحد منهم رأي العين غمضة جفن خلت من خطاباتهم وكتاباتهم بعضا مما كان يحذرون منه ، حين عادوا منبهرين مما وجده من قيم في الممارسات الادارية والخدمية اضعناها ، ونسووا بل تناسوا ماكانوا يتحدثون عنه من تفسخ ورذيلة ومؤامرات." لكنهم نَحَّوا مهاجمة التغريب جانبا وغيروا جلدهم وبقيت تلك الأقلام تهاجم فريقين وطنيين ؛ أصحاب الأقلام الوطنية ، ومن طرف خفي تغمز بعلماء أفاضل ومسؤولين بل وحكاماً ، فتصف الفريق الأول بالجامي ، والآخر ينعتونه بداعم لانقلابيين ضد الشرعية ، بل وتطوروا ليصبحوا يمجدون الديمقراطية التي ساهم بحسبانهم حكامنا بوأدها في مصر." أنتهى التعقيب . نعود لمسلكهم الرخيص ، حين كان العالم بأجمعه يتابع ما قاله سمو الأمير سعود الفيصل إبان زيارته لفرنسا واسبانيا بأن ما تم في مصر استجابة لخروج ثلاثين مليون مصري بميادين مصر ، في 30 يونيو 2103 وطالبوا باستعادة ثورة 25 يناير ، وبالعفل نجح في تغيير المفهوم الذي روجته أميركا ودول أوروبية جال فيها أباطرة المال من الإخوان لتشويه قرار الشعب المصري الذي عانى من هزالة الحكم الاخواني وأجندته غير الوطنية ، كانوا يشنون هجوما ظالما على قادة وطنهم تلميحا وتصريحا عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي جعلت منهم نجوما ونسوا أنهم كانوا يهاجمون التغريب ، ليطلقوا سهامهم مع زعمائهم الذين عزلهم الشعب المصري وجيش مصر الأبي . فانكفؤوا عن مهاجمة التغريب واصبحوا يستدلون بما قاله أوباما ، وسخروا اقلامهم ومنابرهم لمهاجمة من يقف مع دولته ويسترشد بآراء كبار العلماء ، ونعتوهم بأنهم "جاميون " تماما كما كانوا يرددون إبان حرب تحرير الكويت من الغزو العراقي ، وما ردوه إبان التفجيرات الارهابية في مختلف مدن المملكة ، فيما الوطن والمواطن والمسؤول مهددون ، استكثروا أن ينعتوهم بالارهاب بل بأنه معادون لأميركا وأن زعيمهم وموجههم بن لادن كان شيخاً يحارب الكفار !! وكانوا قبل وبعد حركة جهيمان الارهابية ينشطون في تدبيج الخطب الرنانة ، ويوزعون أشرطة الكاسيت ، والكتيبات ، ويحمعون السذج والفتية في رحلات خلوية ، فانكشف عورهم ، وباءت تحركاتهم بالخسران ، ولم يتعظوا من وقوفهم الدائم والمناكف لسياسة بلادهم الخارجية والداخلية ، وفي مكافحتها للإرهاب ،فلا يتناولون قصورا في الأعمال الخدمية ما يهم المواطن ، وما يكشف للمسؤول أوجه القصور في الخدمات وفي تسيير معاملات المواطنين إلا في أيام النوازل ، بهدف إثارة الرأي العام نحو قرارات سيادية وهذا هو نهجهم في كل نازلة ، ولكن نحمدالله أنهم فئة خفافيشية ، ببغائية ملئت قلوبهم حقدا ، بينما جيوبهم ومحافظهم متخمة من خيرات البلد وفي الوقت نفسه يلغون في الاناء الذي يأكلون منه ويشربون . تماهوا ما قام به بعض ممن جعلوا من الاسلام مطية لنزعاتهم السياسية في الحكم ، فحادوا عن الموعظة الحسنة واللين في الخطاب إلى الاتجاه، وانكفائهم مع من يكيدون لأوطانهم لتدميرها وبث الرعب فيها ، واستثنوا أعداء الأمة اسرائيل وإيران ، ثم صعدوا طموحاتهم العنفية البحتة نحو أوروبا وأميركا ليقودوا هجمة شرسة شوهت قيم الاسلام ، قوبلت بهجمات اشرس واشد تنكيلاً ومنحوا القوى العظمى المبرر الذي يبحثون عنه في العراق وافغانستان وغيرهما ، ومالم يطالوه بقوة السلاح والنار ، قدم لهم على طبق من ذهب بما يسمى ثورات الربيع العربي ، فتم زواج غير شرعي بين جماعات الاسلام السياسي وأميركا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي خاصة في مصر بحسبان أن صدقاءهم الجدد جماعة الاخوان المسلمين فكان العقد الاستراتيجي الذي لم يصمد أمام من صنعوا ثورة 25 يناير فجددوها بثورة 30 يونية 2012م . بالمقابل ظلت فئة من الكتاب والمشائخ في الوسط - والوسط هو أفضل الشيء وأقومه - ثابتة على مبادئها غير مزايدة ولا متماهية مع أقلام انحازت شمالا أو يمينا ، بينما أضحى من كانوا يحذرون من التغريب ، إلى الدفاع عما نتج عن تلك الأفعال الارهابية المشينة التي نسبها المتربصون بالاسلام إلى المسلمين كافة والدين الاسلامي القويم , وجاءت موجة حركة الاخوان في دول الربيع وما تبعها من ظهور فكر كان خامدا أو مخفيا إلى البروز للعلن ، كما انبثق من قبله من طائفة أخرى كانت تخفي أجندتها حتى برز النهج الخميني فاستقووا به وظهروا للعلن بخطابهم الاعلامي واقلامهم . ونشطت بقوة الحق ، وحق الكلمة القوية ، يصبغ توجهات تلك الأقلام التي تقف في الوسط ، ونجحت الى جدما في إزالة الغشاوة عن صانعي القرار الغربي إضافة لعدم استغناء تلك الأنظمة عن الموارد الطبيعية والنفط في تسيير مصانعهم ومعاملهم ووسائل مواصلاتهم .وبالمقابل مع ثورة الخميني برز التوجه الآخر لفرض وجوده المقنع بمعاداة الغرب وأميركا تحديدا واسماها الشيطان الأكبر وبالمقابل جاء التيار المحافظ في أميركا والمتصهين وصنف دولا محور الشر ، وكادت تتلاقى خطابات واقلام البعض النقيضين ظاهراً والمتوافقين في دعم من يكيد للوطن ، في جلد الحكام الذين اسموهم عملاء للغرب وأميركا وإن اختلفت الوسائل ، ثم احتدت المناطحات الكلامية بين الفريقين وذلك خصما من توجيهها للغرب "أوروبا الاستعمارية السابقة " والاستعمار الأميركي الحالي المتحكم بالاقتصاد العالمي وبقرارات مجلس الأمن . ومن واجب اصحاب الفكر الوسطي في وقتنا الحاضر من كتاب وأكاديميين وعلماء التركيز على الدور الروسي بعد استعادة روسيا عافيتها بعد تفسخ الاتحاد السوفتي وأصبحت تتقاسم التحكم بمجلس الأمن إلى ما كان عليه بعصر القطبين الأعظم ،وبعد أن نبذت روسيا الفكر الأحادي مقرونا بالفكر المخابراتي متمثلا بالرئيس بوتين ، عوضا أن تظل الأقلام موزعة ومشتتة ما بين المعسكرين الحاليين المتفقين فيما بينهما على استراتيجية تغذية النزاعات الداخلية ، والصراعات لتنشيط صناعاتهم العسكرية ، ولتدمير البنى التحتية والمدن بدول الصراعات العربية " الربيع العربي ". وبينما أعين الدول الكبرى المتنفذة في العالم على حركة إعادة الإعمار بدول الصراعات العربية وخاصة سوريا ، نجد الدول الفاعلة بالمنطقة ظلت وتظل نظرتها قاصرة عن نظرة مؤداها أن الحروب الاثنية والصراعات لن تطول بعمر الدول وستستفيد وتجني أرباحها الدول العظمى ،و أتمنى ألا نجد الدول الغنية مجرد مساهمة في دفع تكاليف إعادة الاعمار ، بل أن تشرع بوضع استراتيجيات وخططا للوقوف بقوة لتكون مستثمرة لا متبرعة ، ولها الحق أن تسعى لتنبثق عن نتائج تلك الثورات أنظمة ليست والغة بتدمير شعوبها أرضا وعمرانا وإنسانا ، حتى لا تكرر الماسي ، فالاعمار سيعيد ما يمكن إعادته ولو بالحد الأدنى ، لكن الأنفس وضحايا التعذيب والاغتصاب ، والترمل واليتم لن يستطيع أحدا أن يعيدها ، بحيث تكون تلك الاستراتيجات تجد دعما ، تصويبا وتعزيزاً من الكتاب والوعاظ والدعاة لتجسيد الوطنية ، ولإظهار أن القيم الاسلامية لا يمكن أن تسمح أن نظل رهيني حاجتنا للغرب في لباسنا وطعامنا ومواصلاتنا وتقنياتنا ، ومن أجل ذلك أن نكون منافسين وشركاء لا مانحين ومتبرعين , وهنا تكون المصداقية في الفكر الوسطي الصادق والمخلص لوطنه ولقيادته معينا ، عندها لن يزايد عليها المتربصون من تينك الفئات من مرضى النفوس ،التي ما انفكت ولن تتبدل تقف بالجانب الآخر. وتجسيدا لرسالة الفكر أن تنبري الأقلام للمطالبة برسم سياسات تسبقها خططا ،و أفكارا تؤكد رسالة القلم الحر النزيه وأن تاخذ الأنظمة السياسية بأحسنها عرضا ،وأحرصها وطنية لإصلاح الداخل بتلك الفترة الفاصلة كي نسير جنبا إلى جنب مع القوى الكبرى ،باستكمال البنى التحتية وتعميم الخدمات بصورة متكافئة ، ورسم سياسات تعليمية تؤمن لسوق العمل كفاءات مدربة مؤهلة لا موظفين ، وتعيد رسم الخطاب الدعوي وفقا للثوابت الدينية ومتناسقا مع العصر بمحاربة القيم الوافدة والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة وتوطينها بدلا من ديمومة استيرادها ، فأي جديد بالتكنولوجيا لا بد أن يفد معه مدرب و خبير يحمل معه قيمه وعاداته والمصيبة أن المتعلم يتأثر ولا يؤثر في معلمه . ومثال ذلك أن تساهم الأقلام الوطنية النزيهة ، باعطاء جرعات تلقي الضوء على مخرجات الابتعاث وفقا لما يسد الخلل في التخصصات التي يحتاجها الوطن و تعيد إلينا مخرجات لا تأتي تبحث عن وظائف روتينية كيفما اتفق ، بل تأتي وقد شيدت معامل ومصانع عسكرية ومدنية يباشرون العمل بها وقد تدربوا عليها في الخارج ، لسد الفجوة ولزيادة حجم ميزان المدفوعات لصالحنا ، يضاف لذلك يجب أن نعلم اننا نعيش في عالم اصبح قرية واحدة ، ولابد من أخذ وعطاء فلا يمكن أن تبيع نفطا وتقبض أموالا ولا يكون هنالك تعاملات وعمليات استيراد نوعية من كل الدول التي تبيع لها نفط، ا والوقع أننا لن نستغني عن التقنية الغربية في عقد أو عقدين ومن الدول غير الصناعية الأخرى التي نبيعها نفطا من الطبيعي أن نظل نستقبل منها ايدي عاملة لكن مدربة وفقا للاحتياجات الآنية . واستراتيجيا وبحكم تطور الدول ربما نجد بعد ستين عاما، تكون رسالة القلم حاضرة من مفكرين وكتاب متخصصين كل في مجاله ومن زاويته ، بتوقع افتراضات يقابلها فرضية أن بدائل قد تحل محل النفط تدريجيا، ويقل معها حجم الاستيراد، و بالتأكيد بزيادة أعداد السكان سنجد تلازما بين التطور الصناعي وزيادة الوعي بالانفاق الشخصي الحاصل الآن ببذخ وبالنفقات الحكومية على التعليم والصحة متلازما مع انحدار نوعي في الممارسات الادارية ، مع احتمال النقص في المخزون النفطي ، عندها يجب على صانعي القرار ومتخذيه أن يأخذوا بجدية رؤى الكتاب والمتخصصين ، برسم خطط بديلة يتم تطبيقها بالتوازي مع التحسن بمخرجات التعليم ، وتكثيف التدريب . يلي ذلك العمل على رسم خطط يخصخص فيها التعليم والصحة ، ويفرض التأمين الصحي على كل موظف في القطاع الحكومي والخاص ، وتتولى الشؤون الاجتماعية تتولى التأمين الصحي عن العجزة والعاطلين من الباحثين عن فرص عمل حاليا ، لكن في ظل محدودية التطور الصناعي الزراعي والاتصالات والذي نتمنى أن يكون أفقيا ورأسيا يسيران جنبا إلى جنب ،مع التركيز على غربلة ما يجب أن يستمر من كليات بالجامعات ، وقبلها مناهج التعليم العام، والابتعاث للتخصصات التي تأتي لتدير وتشغل المصانع والمعامل والمختبرات ومراكز البحوث ، عند كل ذلك يصبح الهاجس من التغريب تلاشى شيئا فشيئا ، ولن تقوم حضارة مؤسسية بأمة بغير عقول مثقفيها وكتابها وبدون توجيهات علمائها الأفاضل بتحبيب الاسلام بنفوس أمم تتعطش لغنى الروح بعد أن سئمت تأليه المادة والغرائز , وتكبح جماع دعاة القتل والتدمير وتجار الحروب ، وبحكومات تأخذ بأراء المخلصين والشرفاء من أبنائها ، ويكون هاجس المنظومة المتكاملة بناء أمة قوية تكون بحق خيرة أمة أخرجت للناس ، أما أنتم فمهما كان استهزاؤكم بالوطنيين الخُلَّص ووصفهم بالجاميين فقد انكشفت أوراقكم وبان عواركم ، وربَّ ضارة نافعة ..