هذه القصة ليست هي ذاتها قصة كونتا كونتي ذلك الرجل الأسود الذي هجّر قسرا من بلده إفريقيا إلى أمريكا ليرزح تحت ظل العبودية و إذلال الكرامة و امتهان الإنسانية ردحا من الزمن من قبل سيده و رب نعمته الرجل الأبيض ،بل إنها قصة شجرة و إنسان أحبا بعضهما ، و تبادلا العطاء بلا حدود . كان فيما مضى من الزمان شجرة تفاح ضخمة و كان هناك طفل صغير يلعب حول هذه الشجرة كل يوم .. كان يتسلق أغصان الشجرة ويأكل من ثمارها ... ثم يغفو قليلا لينام في ظلها ..كانت فرحة الطفل باللعب عند تلك الشجرة أكبر من الوصف ، و لا تعدل تلك الفرحة إلا فرحة الشجرة ذاتها بهذا الولد و لعبها معه ... مضى زمن الطفولة الأولى و الطفل يتمسك باللعب مع الشجرة ، إلا أنه مع نهاية هذه المرحلة و شيئا فشيئا أصبح الولد لا يلعب حول الشجرة كل يوم.. و بعد فترة غياب ، و في يوم من الأيام جاء الصبي الى الشجرة كان الحزن باديا في عينيه! قالت له الشجرة: تعال والعب معي .. قطب الولد حاجبيه و أجابها بزهو الكبير المغتر بنفسه : لم أعد صغيرا لألعب حولك.. أنا أريد بعض الألعاب التي تتناسب و عمري الذي وصلت اليه ، وأحتاج بعض النقود لشرائها... انفطر قلب الشجرة حزنا و أساً لعدم لعب الولد معها إلا أنها آثرت فرحته و سعادته على سعادتها و قالت له : صحيح أنه لا يوجد معي نقود! ولكن يمكنك أن تأخذ كل التفاح الذي أحمله لتبيعه ثم تحصل على النقود التي تريدها و تشتري ما تريد . كان الولد سعيدا للغاية بفكرة الشجرة فتسلقها وجمع كل ثمار التفاح التي عليها وغادر .... لم يعد الولد بعدها ... حزنت الشجرة على فراق صديقها الذي طالت غيبته . إلا أنه وذات يوم عاد الولد ولكنه أصبح رجلا وسيما بشاربين سوداوين و عضلات مفتولة و زند قوي. كانت الشجرة في منتهى السعادة لعودته وطلبت منه أن يعيدا فرحة الماضي بالعب سويا . ولكنه أجابها: لا يوجد لدي وقت للعب .. فقد أصبحت رجلا مسؤولا عن عائلة. ونحتاج لبيت يأوينا فهل يمكنك مساعدتي ؟ أجابته الشجرة بتعجب :آسفة! فأنا ليس عندي بيت ولكن يمكنك أن تأخذ جميع أغصاني لتبني بها بيتا لك و لعائلتك . أخذ الرجل الولد بتقطيع كل الأغصان وغادر الشجرة و هي خاوية على عروشها وهو بغاية السعادة... أخفت الشجرة دموعها و تناست أحزانها عندما رأت السعادة على محيا صاحبها الذي ودعها ذاهبا لبناء بيته.. مرة اخرى أصبحت الشجرة وحيدة . وفي يوم قائض من أيام الصيف الحارة. عاد الرجل.. وكانت الشجرة في منتهى السعادة لرؤيته.. فقالت له الشجرة و الأمل يحدوها أن تعود لأيام الفرح الخوالي: تعال والعب معي... فقال لها الرجل لقد تقدمت في السن.. وأريد أن أبحر لأرى العالم قبل أن أرحل عن هذه الدنيا فهل يمكنك إعطائي مركبا.. ؟ أجابته و دمع العين يسبقها : خذ جذعي لبناء مركب. وبعدها يمكنك أن تبحر به بعيدا وتكون سعيدا... قطع الرجل جذع الشجرة وصنع مركبا!و ابحر بعيدا بعيدا .. و يذهب صيف و يأتي خريف و بعد الشتاء يجيء الربيع و شيئا فشيئا يمر الزمن و غاب طويلا طويلا و أثناء غيبته راجع شريط ذكرياته تذكر لعبه حول الشجرة و رائحة الفرح المنبعثة من ذلك اللعب تذكر كيف أنه كلما عظته الأيام بأنيابها كيف كان يلجأ الى الشجرة فتعطيه دون بخل و كيف كانت تفرح لفرحه و تحزن لحزنه دون مواربة و فكر ثم فكر ثم عاهد نفسه على ان يعود الى الشجرة و يرد لها شيئا من معروفها عسى ان يفيها شيئا من حقها عليه و أخيرا عاد الرجل ، عاد برأس نصفه أجرد و يغزو النصف الآخر وقار الشيب ، عاد بعينين غائرتين و ساقين يكادان يلتفان على بعضهما تعززهما ساق ثالثة من الخشب تساعده على المسيربعد غياب طويل عاد. استقبلته جذورالشجرة بكل أساً و لوعة و فرح وقالت له: آسفة يا بني... لم يعد عندي أي شئ أعطيه لك.. فأنا لا أحمل شيئا من التفاح... نظر اليها نظرة خجولة و قال و دمع العين يسبقه: لا عليك لم يعد عندي أي أسنان لأقضمها بها... ذهبت جميع اغصاني و الاوراق التي كانت تزينني زفر زفرة تاسف على الماضي :لقد ذهبت حدة البصر من عيني و بالكاد اتلمس طريقي لم يعد عندي جذع لتتسلقه.. فأجابها الرجل :لقد أصبحت عجوزا ولا تستطيع قدماي القيام بذلك!! قالت: أنا فعلا لا يوجد لدي ما أعطيه لك... وكل ما تبقى لدي جذور مطمورة في باطن الارض فأجابها: كل ما أحتاجه الآن هو مكان لأستريح فيه..فأنا متعب بعد كل هذه السنين..فهل تسمحين لي بان أغمض إغماضتي الأخيرة عند هذه الجذور علها ترتوي من دمي و تحيا من جديد فأجابته جذور الشجرة تعال و استرح من وعثاء الحياة لطالما اشتقت لك ،و لطالما تمنيت أن أحضنك و أحتويك أغمض الرجل عينيه و كانت جذورالشجرة سعيدة بقربه منها.. تبسمت والدموع تملأ عينيها.. و بعد أيام قلائل مر طفل آخر و وجد غصنا غضا و براعم جديدة قد توردت على جذور الشجرة . هي قصة عشق و وفاء بين الانسان و وطنه . الانسان الذي مهما طال عليه الزمن و انى ارتحل و تقلب في البلاد لا بد و أن يرجع الى وطنه يتنفس هواءه و يلتحف سماءه و يفترش ارضه في حال حياته و تحتضنه و تضمه تلك الارض في حال مماته . ذلك الوطن الذي يعطي من خيراته و بكل سعادة و سرور لأبنائه البررة بلا حدود . فاضل الاحوازي[email protected] ....