خالد الغنامي كاتب مشاكس أشبه بلاعب الوسط المهاجم من كرة يصنع هدفاً ومن مغامرة قد يتسبب بإصابة له أو تتحول هجمته إلى كرة مرتدة على فريقه، يعشق الهلال ويخاف على ابنه من تشجيع النصر. يرى في الرياضة متنفساً وملاذاً، ويدعو لمنح الفن فرصة ليمد يد العون للشباب، لكي يجدوا مساحات اكبر وأوسع، ويرى أن مباريات المثقفين مملة ومشاكسة بعكس فرح الرياضيين وصيحاتهم، ويعتب عليهم غياب الروح الرياضية عنهم. يتمنى الغنامي أن تنصفه لجنة تحكيم خاصة مع ابن تيمية، ويحب مشاهدة المباريات في التلفزيون ويكره التحليل والتعليق ويكتفي بالصيحات فقط... فإلى الحوار: مساحة الرياضة في حياتك... هل أنت راضٍ عنها؟ - غير راضٍ عنها بتاتاً، أمارس رياضة المشي بشكل متقطع وغير منتظم، أميل إلى رياضة الذهن أكثر، على رغم قناعتي العميقة بأن أفضل طريقة لإراحة الذهن هي عن طريق إرهاق الجسد بالرياضة بحيث يعود الواحد إلى بيته ويستمتع بحمّام دافئ يجعله يتمدد سعيداً وينام كالأطفال من دون أن يجد ذهنه الفرصة لإزعاجه بالمنغصات. عندما صافحت عيناك أول حدث رياضي... ما الذي دار بخلدك؟ - طبعاً أردت لحظتها أن أكون رياضياً «نجماً» بالتأكيد، أتصور أن هذا الشعور الأول لدى جميع الناس. في خريطتك... أي الرياضات تسكنك؟ - كرة القدم بالتأكيد هي رياضتنا الأولى نحن السعوديين، أستمتع لدرجة كبيرة بمشاهدة المباريات مع أبنائي وبناتي. حبك لنادي الهلال... ماذا منحته قلماً وروحاً؟ - محبة الهلال وتشجيعه هو ما وجدت عليه بيتنا منذ أن كنت طفلاً صغيراً، فالبيت كله كان هلالياً، أما بالنسبة إلى عائلتي فابني عبدالرحمن هو الوحيد الذي انحرف لتشجيع نادي النصر ونحن لا نحب العجلة في الحكم على الأشخاص ونحاول أن نرده إلى الجادّة بالحسنى قبل أن نتخذ إجراءات صارمة في هذا الصدد. ما الذي يستفزك في الهلال؟ - هو استفزاز إيجابي وليس سلبياً، يستفزني اللعب المدروس وحاجة «الزعيم» الدائمة إلى صالات جديدة تحتوي كؤوسه الجديدة. يوهان كرويف... ماذا يلفت نظرك فيه؟ - كرويف كان نجم المنتخب الهولندي في كأس العالم عام 1978، وهي أول مسابقة أتابعها بشغف، وكان هو نجم ذلك الموسم على رغم خسارة هولندا أمام ألمانيا على الكأس، وكان تلك صدمة لي تشبه لحد كبير خسارة البرازيل أمام إيطاليا في 1982 بثلاثة أهداف في مقابل واحد. مَنْ مِنَ اللاعبين السعوديين ما زال يسكن ذاكرتك؟ - على رغم أنني هلالي، إلا أنني أعتقد أن ماجد عبدالله وصالح النعيمة هما أفضل لاعبين مرا على ملاعبنا، وأعتقد بأنهما الأفضل عبر تاريخ الكرة السعودية كلها. المناخ الرياضي عندنا... كيف تراه؟ - ممتع جداً، أستمتع لدرجة كبيرة بشجار الناس على المباريات والتحكيم وما كان يفترض أن يحدث ولم يحدث. لماذا نظرية المؤامرة تحضر بقوة في رياضتنا؟ - شيء طبيعي أن تحضر نظرية المؤامرة، لأننا مسكونون بها في كل تفاصيلنا، ولا يستطيع الواحد منا في الظروف العادية أن يحلل أي موقف من دون أن يلبس نظارة نظرية المؤامرة. نظرية المؤامرة جزء من كل خلية من خلايا دماغنا وبالتأكيد ستحضر في الرياضة. ما الفرق بين رياضة الروح ورياضة الجسد؟ - رياضة الجسد راحة وسعادة ورياضة الروح غير مضمونة العواقب، وقد تؤدي إلى التيه والتعب. هل الرياضة هي الصوت الأعلى في المجتمع؟ - في مجتمعنا ألاحظ أن هناك عودة كبيرة للرياضة، يتمثل لي هذا في حرص شرائح مختلفة على متابعة مباريات كرة القدم، حتى كبار المثقفين المعنيين بالشأن العام وقضايا المجتمع الكبيرة، أراهم قد تركوا كل شيء وعادوا لمتابعة كرة القدم. لماذا يحرص رجال السياسة والقادة على حضور الأحداث الرياضية أكثر من أي أحداث أخرى؟ - السياسي بحكم طبيعة عمله ودائرة اهتمامه لا بد من أن يكون حاضراً في المناسبات العامة المهمة التي تستقطب الأعداد الغفيرة من الجماهير، ومن هنا يستطيع أن يقترب منهم، السياسي الفاشل هو ذاك الذي لا يكون قريباً من الجماهير ولا يشاركهم أفراحهم وأتراحهم. هل الرياضة هي المتنفس الوحيد لشبابنا؟ - مع الأسف هذا هو الواقع، وما زلنا نأمل وننتظر أن يكون هناك مجال للفن بحيث يشارك الرياضة في الاستقطاب، المسرح والسينما لا بد من أن تأخذ حقها من الاهتمام. ما اللعبة الرياضية التي تكرهها؟ - الملاكمة، لا أدري كيف يمكن أن يعتبروها رياضة، فالرجل الذي يتلقى ضربة من قبضة قوية على رأسه هو عرضة لأن يصاب بداء عضال في أي لحظة، هي ليست رياضة، بل هي عنف مجرد. وما اللعبة التي تسرقك من كل شيء؟ - الشطرنج، خصوصاً عندما يكون الخصم قوياً، فأنا لا أملك الروح الرياضية التي تسمح لي بقبول الهزيمة في هذه اللعبة، ونادراً ما أهزم فيها. هل تحضر مباراة في ملعب أم تكتفي بالشاشة فقط؟ - المرة الوحيدة التي دخلت فيها الملعب كنت طفلاً صغيراً مع والدي وكانت مباراة بين الهلال والوحدة، وانتهت بفوز الهلال واحد صفر، سجله اللاعب البرازيلي «ديه» وما سوى هذا أشاهد المباريات في التلفزيون. هل لك طريقة خاصة للتشجيع؟ - كرة القدم لا يصلح أن يشاهدها الشخص منفرداً، بل جمال مشاهدتها أن تكون مع آخرين، خصوصاً أولئك الذين يصيحون بصوت مرتفع إذا سجل فريقهم هدفاً ويصيحون بصوت أعلى إذا سُجل فيهم هدف، وينفعلون لدرجة فقدان الأعصاب، كل هذا يمتعني ويجعلني أضحك. هل تستطيع الرياضة أن تبدد قلقك؟ - أينما وجهت عيني عقلي وجدت مفراً من القلق، فمن يتابع مباراة على الكأس لن يقلق بشأن شيء سوى أن ينتصر فريقه. أما على صعيد الممارسة فبالتأكيد الرياضيون هم أكثر صحة وأكثر راحة بال وأبعد عن القلق وتوابعه. هتافات المشجعين وصيحاتهم وفرحهم... هل يستطيع أحد منحها غير الرياضة؟ - في مجتمعنا، لا أعتقد أن هناك شيئاً غير الرياضة يمكن أن يفعل هذا. ما الفرق بين المشهدين الثقافي والرياضي عندنا؟ - الأول طبق بارد مغذ ومفيد، والآخر طبق شوكولاتة ساخنة. يتوجس البعض كثيراً من الثقافة والمثقفين.. هل الرياضة في مأمن منهم؟ - نعم أعتقد أن الرياضيين في مأمن، لأن هناك تناقضاً وتفارقاً في الطريق، الرياضة إنهاك الجسد وراحة الذهن والروح، الثقافة تعب الذهن والروح ثم يصبح الجسد كسولاً، ثم تكبر الكرش. ما الذي يتفوق به الرياضي على المثقف؟ - الرياضي أكثر سعادة بسبب بساطة الأشياء بالنسبة له وبعده عن التعقيد. المثقف والرياضي، من تسلب حقوقه أكثر؟ - عيني على الرياضيين باردة، فهم «آخذون» حقوقهم وافية، بينما المثقف كريشة في مهب الريح. الاحتراف خدم الرياضة عندنا... متى سنرى احتراف المثقفين؟ - دعني أفكر بصوت مسموع، كيف يمكن أن يكون المثقف محترفاً؟ معان عدة خطرت ببالي، أن يتحول من مثقف حر إلى مثقف سلطة، أو أن يتحول إلى محترف بكثرة إنتاجه، كل هذا قد حدث، والمثقف المحترف موجود. بورصة الرياضة والثقافة المالية... من أكثر نمواً؟ - بورصة الرياضة لا يعدل نموها شيء، بل إني أراها أصبحت الخيار الوحيد لكثيرين. معرض كتاب ومباراة نهائي... من أكثر صخباً؟ - معرض الكتاب عندنا أصبح ينافس الملعب في الصخب، فقد دخلت معرض الكتاب الأخير فسمعت اثنين يتحدثان عن «هوشة» حدثت في اليوم السابق وكان أبطالها رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وثلاثة من المثقفين السعودية وكاتبة، كنت أسير وأسمع كل المعرض يتحدث بتلك القصة، من دون مبالغة أو مزاح، لم أضطر إلى أن أقف لأسمع القصة من احد، لأنني بعد خطوتين سأسمع شخصاً آخر يحكي القصة وهكذا سرت من بوابة المعرض حتى وصلت إلى أحد الدور حيث لقيت أحد أبطال القصة فلم أكن أحتاج إلى أن أسأله ماذا حدث، لأنني سمعتها مرات عدة وبروايات متعددة. كيف ترى المباريات بين الكتاب في الساحة الإعلامية؟ - مباريات ساخنة تنقصها الروح الرياضية. قلمك والكرت الأحمر... هل ابتعد أحدكما عن الآخر؟ - سبق أن أخذت كرتاً أحمر ومنعت من الحضور لنادي الكتابة لمدة ستة أشهر، لا أخفيك كانت تجربة صعبة، من تعود على الكتابة يصعب عليه أن يتركها. ما المباراة التي خسرها قلمك؟ - لا أعتقد أنني خسرت، لأن هدفي دائماً هو تحريك المياه الجامدة، ومتى ما كان هناك حراك للرد علي أو موافقتي أو الاعتراض على بعض ما قلت وموافقة البعض الآخر، في كل هذه الأحيان اعتبر نفسي منتصراً. كل شيء إلا الجمود. مصيدة التسلل... من ينصبها لك؟ - من يصطاد علي لحظة غضب، لأنها نادراً ما تحدث. روايتك المنتظرة... حتى متى وهي في خارج المضمار؟ - اسألوا دار الساقي، التأخير منهم وليس مني، آخر ما وصلني من مديرة التحرير رانيا المعلم أنها لن تكون في معرض الرياض التاسع ولا أدري إلى متى ستتأخر. ما الفرق بين رئيس التحرير ورئيس النادي؟ - أعتقد أنهما يمارسان أدواراً متشابهة. هل تستوقفك الصفحات الرياضية في صحفنا؟ - لم أقرأ فيها مقالاً واحداً في كل عمري. هامش الحرية الرياضية هل يتفوق على هامش الحرية الثقافية؟ - دائماً كانت الرياضة هي البنت المحبوبة عند الأب والمحظية أكثر من كل أخواتها، وسقف الصحافة الرياضية مرتفع عندنا منذ زمن بعيد. كيف هو ركض قلمك؟ - يهرول حيناً ويقف حيناً ويمشي حيناً، ليس على وتيرة واحدة. في أي محطاتك الكتابية... كان القفز على الحواجز هو وسيلتك للعبور؟ - يبدو أن قفز الحواجز جزء من قدري، لأني لا أشعر أنه توقف قط. في الصحافة... هل تحب أن تكون الحكم أم اللاعب؟ - من دون تفكير، أحب أن أكون اللاعب ولو كنت الحكم لربما تغيرت أشياء كثيرة، لكني لا أريد أن أكونه. انتقال الكاتب من صحيفة لأخرى هل يشبه انتقال اللاعب من نادٍ لآخر؟ - أعتقد أن الأمر متشابه، عندما يكون للاعب والكاتب انتماء فإنه يصعب على من يحب ناديه وصحيفته أن ينتقل لمكان آخر، «الحب ما هو لعب». من يحاول إصابة مفكرينا ومبدعينا بالرباط الصليبي؟ - هو ذلك اللاعب المشاكس الذي أغمض عينيه عن الحقيقة وضاق صدره عن الروح الرياضية ولم يعرف معنى الإنصاف بحيث يطرح كل ما عنده «من دون تكسير» وبحيث يرضى الجميع بأن الغلبة للأفضل. القنوات الرياضية المتخصصة... هل تضطر لمتابعتها أحياناً؟ - مع الأسف لا أتابعها، أفضل مشاهدة المباريات بلا تحليل ولا محللين. كيف ترى شغف أطفالنا بنجوم الكرة؟ - شيء طبيعي، ويعجبني أن أرى أطفالي لهم أبطالهم الذين يتابعونهم ويدافعون عنهم، ابني أسامة تصدى لإشاعة تتعلق بأحد اللاعبين في مدرسته الابتدائية وقال لزملائه إن القصة كذب وان على الجميع أن يصدقوه ويتركوا عنهم كلام الصحف. مع من يمارس قلمك: - رياضة الملاكمة: مع التطرف والإرهاب والقمع رياضة الغطس: مع الفلسفة رياضة الغولف: مع المستقبل المهني رياضة الرقص: مع السعادة حيثما كانت رياضة الشطرنج: مع والدي فهو من علمني أن ألعبها لو طلب أحد أبنائك أن يصبح لاعباً... هل ستسمح له؟ - بالتأكيد سأوافق لو أرادوا كلهم أن يصبحوا رياضيين، هذه أفضل طريقة ليكون أبوهم مليونيراً. الرجل... المرأة، من يلعب بمهارة في الحياة أكثر؟ - لا يمكن أن يقارن لعب الرجل بلعب المرأة، المرأة أكثر دهاء. ترى النساء أنهن محرومات من ممارسة الرياضة؟ - لا أدري لماذا تحرم المرأة من مزاولتها إذا كانت ستمارسها مع نساء وبطريقة تراعي وتحترم الدين والآداب المتبعة. كيف تقرأ جمال بعض اللاعبات؟ - ارتبط في أذهاننا أن المرأة عندما تمارس الرياضة تكون في الغالب «مسترجلة» وكأن المرأة لا يمكن أن تخرج من إطارها التقليدي الذي حبسناها فيه إلا إذا صارت رجلاً، ولو خرجنا من هذه البوتقة لرأينا أن المرأة يمكن أن تكون رياضية وجميلة في الوقت نفسه. ما اللعبة التي تخسرها دائماً مع المرأة؟ - لعبة الصبر، لا رجل يستطيع أن يصبر مثل صبر المرأة.