نادراً ما يستطيع الكاتب أو الفنان أن يبرع بالقدر ذاته في نوعين مختلفين من الأدب أو الفن، وبخاصة في عصر كهذا العصر. ذلك أن الموهبة نادراً ما تتجزأ بل تتجه معظم الأحيان الى جهة محددة أو منحىً بعينه. ولو حدث لها أن تجزأت فهي وحدها لم تعد تكفي لتحقيق (...)
يتميز الشاعر اللبناني وديع سعادة منذ مجموعته الشعرية الاولى "ليس للمساء إخوة" وحتى "المياه المياه" و"بسبب غيمة على الأرجح" بنفَس خاص في قصيدة النثر اللبنانية والعربية بوجه عام. هذا النفس يقوم على إزالة القطيعة بين اللغة ومدلولها وعلى فتح جميع (...)
توزّع الشاعرة التونسية آمال موسى مجموعتها الشعرية الأولى "أنثى الماء" على أربعة عناوين رئيسية يضم كل منها عدداً من القصائد وتتصدّره أبيات شعرية لأبي الطيب المتنبي. وقد يتبادر الى الذهن في البداية ان ما فعلته الشاعرة موسى ليس سوى اقتفاء شكلي لما فعله (...)
حين أعلن النادي الثقافي العربي في بيروت عن نقل معرض الكتاب الحادي والاربعين الى قاعة الأكسبو الجديدة اعتقدنا ان المعرض سيكون واهياً هذا العام وأن اناساً كثيرين لن يتكبدوا مشقة البحث عن المكان المقترح، كانت القاعة الزجاجية التابعة لوزارة السياحة في (...)
حين يدعوك المغرب اليه لا تملك الا ان تستجيب. حتى لو كانت المسافة الفاصلة بين مهرجاني الجنادرية في الرياض وعكاظ الشعر في وجدة لا تتعدى الساعات الثماني والاربعين، أي ما يتسع فقط لافراغ حقائبك وتوضيبها من جديد. هكذا فجأة من أقصى المشرق العربي الى مغربه (...)
المسافة التي تفصل بين منزلي في بيروت وبين قريتي في الجنوب اللبناني لا تتعدى الكيلومترات المئة ومع ذلك فإن زياراتي لمسقط رأسي آخذة بالتباعد بحيث أصبحت تتم مرة واحدة كل شهرين أو أكثر. كنت أظن ان ذلك الأمر ناجم عن رداءة الطرق وزحمة السير، أو أن تلك (...)
ثمة بلدان في العالم لا نفكر في زيارتها أبداً، بسبب عطب في الجغرافيا أو المناخ أو الوضع السياسي والأمني. وثمة بلدان نحتاج بداعي الفضول الى زيارتها مرة واحدة وأخيرة. وثمة بلدان أخرى ننجذب اليها منذ اللقاء الأول، بفعل سحر في الطبيعة أو كرم في الضيافة (...)
لا تبدو الشاعرة والكاتبة اللبنانية ماجدة داغر معنية بتصنيف نصوص كتابها الأخير «جوازاً تقديره هو» ضمن خانة الشعر، ولو أنها تدرك في صميمها أن هذه النصوص تقع في مرمى الشعر وداخل نطاقه. وما عبارة «كتابات مائلة» التي ألحقتها بالعنوان الرئيسي سوى تأكيد (...)
على رغم رحيله عن هذا العالم قبل أكثر من أربعة عقود، لا يزال توفيق صايغ قادراً على لفت أنظار النقاد والمتابعين، وإثارة مزيد من السجالات الساخنة حول شعره ونقده ومواقفه. فصايغ شاعر إشكالي بكل المعايير، بدءاً من هويته المركبة التي تتنازعها ولادته لأب (...)
لم يكن الوصول الى صلالة، التي تلقيت دعوة للمشاركة في مهرجانها الثقافي في دورته الحالية، بالأمر السهل. إذ كان عليّ في ظلّ اكتظاظ الطائرات بالمغادرين من بيروت الى مسقط، التوجُّه منتصف الليل الى مطار الدوحة، الذي اضطررنا، زوجتي وأنا، للمكوث في قاعاته (...)
يصعب على القارئ المفتون بأدب فيودور دستويفسكي أن يعثر على كتاب يتصل بسيرة الكاتب الروسي الأشهر من دون أن يجد نفسه مشدوداً لقراءته والتعرف من خلاله إلى ما فاتته معرفته من خفايا الحياة الشخصية لصاحب «الجريمة والعقاب» وما يكتنفها من أسرار. فكيف إذا (...)
لا يحتاج المرء أكثر من قراءة العنوان اللافت لرواية إرفين يالوم «حين بكى نيتشه» (دار الجمل) لكي يُقبل على قراءة العمل بشهية وفضول عاليين. ذلك أنهم قلة نادرة أولئك الذين رفدوا الفكر العالمي بأسباب التجدد والحيوية والتمرد على السائد كما فعل صاحب «هكذا (...)
يشتغل طاهر رياض منذ بداياته في الثمانينات على قصيدة ملمومة ومكثفة ومحكمة السبك. فهو لا يأنس أبداً للإفاضة التعبيرية، ولا يستسلم لجيشان العاطفة السيالة وسطوة التداعي الحرّ. وحيث تجنح قصيدة الوزن العربية في وجه عام للإطالة والإطناب والسيولة اللغوية، (...)
ليس الوزن وحده هو ما منح الشعر العربي تألقه وفرادته وخلوده على الزمن، بل أسهمت القافية إسهاما غير قليل في إغناء جماليات القصيدة العربية بما يلزمها من ترابط داخلي وتواشج بين الأبيات دون كسر اعتباطي لحاجة الشعر إلى الانسياب.
القافية بهذا المعنى هي جزء (...)
لا يبذل المتأمل في رفوف المكتبات ومعارض الكتب كبير جهد لكي يلاحظ الأحجام المتضخمة للكتب الصادرة باللغة العربية، رواية كانت أم شعرا أم متابعات فكرية ونقدية مختلفة. وإذا كانت بعض الموضوعات التي يتناولها المفكرون والنقاد بالدرس والتحليل تستوجب نوعا من (...)
يتوج رحيل الشاعر السوداني محمد الفيتوري سلسلة طويلة من قائمة الشعراء الكبار الذين غادروا الواحد تلو الآخر منصة الشعر العربي المعاصر، تاركين وراءهم فراغا يصعب أن يشغله أحد في المدى المنظور. ففي العام المنصرم فقد الشعر العربي كلا من أنسي الحاج وجورج (...)
لم أجد أفضل من هذا العنوان المحرف قليلا عن عنوان «الفرح ليس مهنتي» الذي وضعه الشاعر الراحل محمد الماغوط لإحدى مجموعاته الشعرية، للتعبير عن إيماني العميق بدور الثقافة الحقة في حماية البشر، فرادى وجماعات، من الغرق في وهدة القنوط والاحباط والاستسلام (...)
لم يخرج الكثيرون في العالم العربي بعد من الصورة النمطية المتصلة بالدور الوظيفي للشعراء والفنانين، حيث يصعب على البعض التمييز بين الفنون العادية ذات الطابع المهني والنفعي التي يمكن لصاحب الاختصاص أن ينجزها ساعة يشاء، وبين الفنون الجميلة التي لا يمكن (...)
لم أجد أفضل من هذه العبارة التي استعرتها معدلة من أحد عناوين ماركيز للدلالة على عزلة الأجيال الشعرية التي أعقبت جيل الرواد وتغريدها خارج فضاء المتابعة والاحتضان النقدي. فلا يملك المرء إلا أن يشعر بالدهشة والاستغراب إزاء «الطلاق» شبه البائن بين (...)
بغياب الشاعر السويدي توماس ترانسترومر يفقد الشعر في العالم أحد أبرز المشتغلين بهذا الفن الريادي والمنقبين عن معناه خارج بلادة التصاميم وصنمية الأشكال ورطانة الإنشاء البلاغي. ذلك أن تجربة الشاعر المنتمي إلى أقصى شمال العالم وأصقاعه الباردة، وإن لم (...)
قد لا يعدم المتحاملون على الحداثة الحجج الكثيرة التي تؤازر هجومهم عليها وتنجح في اختراق دفاعاتها النظرية التي لا تخلو من نقاط الضعف. كيف لا والحداثة بحد ذاتها تقوم على زعزعة اليقينيات المسبقة وتدعو إلى نقد الفكر السائد ووضعه على محك المساءلة العقلية (...)
حسنا فعلت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بإعلانها الحادي والعشرين من شهر آذار (مارس) الحالي يوما للشعر العربي، وإقامة المهرجان الأول للشعر العربي الذي يعقد في القاهرة في الموعد ذاته، بمشاركة العديد من الشعراء العرب البارزين. صحيح أن إعلانا (...)
قد لا يكون قراء الشعر والأدب معنيين بالمخاض الصعب الذي يعيشه المبدعون قبل أن يأخذ النص الذي يكتبونه طريقه إلى النشر. فما يعنيهم بشكل أساسي هو الحصول على المتعة العميقة المتأتية من احتكاك اللغة بالروح، لا المراحل التي قطعها الكاتب في الطريق إلى هدفه (...)
لم تزل جائزة نوبل، رغم مرور مائة وأربعة عشر عاما على انطلاقتها، محط أنظار الكثرة الكاثرة من أدباء العالم وعلمائه وقادته ونشطائه السياسيين. صحيح أن الجوائز التي تكافئ بها الدول والمجتمعات كتابها ومبدعيها لم تعد تحصى، وأن بعضها مثل بولتزر وغونكور (...)
ليس بين الفنون ما تنطبق عليه فكرة التطهر التي نادى بها أرسطو، كما هو الحال مع الموسيقى. ذلك أن هذا الفن العظيم يحملنا عبر الصوت المجرد نحو فضاءات مسكونة بالأخيلة والترجيعات والمشاعر الجياشة. إنه يجسد الأحاسيس البكر والبراءة الطفولية لعالم ما قبل (...)