مكة أون لاين - السعودية قبل عدة أسابيع، تداول المغردون على تويتر بإشادة وإعجاب صورة لمذكرة أشار الخبر إلى أن رئيس إحدى المحاكم السعودية (في مدينة ينبع) وضعها على مدخل المحكمة ليراها المراجعون. المذكرة تبدأ بعبارة «أخي المراجع من حقك أن تعلم» ثم تأتي العبارة الأكثر أهمية «بأن إجراءات المحكمة تسير وفق نظام مرسوم يصعب التأثير عليه من قريب أو بعيد». هذه العبارة هي إعلان من رئيس المحكمة أن إجراءات التقاضي في محكمته مستقلة ولا تخضع إلا لنصوص القانون. وهذا ما يعرف بمبدأ «استقلال القضاء». في المجتمعات المتقدمة أخلاقيا، يعد مبدأ استقلال القضاء أو استقلال العدالة أحد مكتسبات المجتمع التي لا يمكن التفريط فيها، والنظام العدلي (النظام العدلي: أو النظام القضائي هو اصطلاح يطلق على نصوص التشريع، ومؤسسات تحقيق وحماية العدالة في المجتمع والقضاة ومن في حكمهم) فيها فوق مستوى الشبهات. والعدالة في أبسط تصوير ممكن لها هي أن يأخذ كل فرد في المجتمع حقه ويؤدي واجباته. لكن عن أي شيء يجب أن يكون القضاء مستقلا؟ وكيف يمكن أن يتحقق استقلال القضاء؟ بالنسبة للسؤال الأول فإنه يمكننا أن ننظر إليه من الجهة المعاكسة: هل عرف تاريخ المجتمعات حالات من غياب استقلال القضاء؟ بالتأكيد هناك مئات الأمثلة التي يمكن أن نسوقها، ولكن سأشير فقط إلى ثلاثة أمثلة تمثل ثلاث صور مختلفة لعدم استقلال القضاء: أن يكون تابعا ومنفذا لأوامر السلطة السياسية (الحكومة) متجاوزا لقواعد العدالة، أن يكون تابعا للمال والفساد، وأن يكون التوظيف في مؤسسات القضاء حكرا على فئة اجتماعية دون باقي فئات المجتمع. الصورة الأولى لا تحتاج إلى أمثلة محددة فالأخبار تطالعنا باستمرار بمحاكمات وإدانات لمعارضي الحكومات في كثير من المجتمعات المتخلفة رغم أن دساتيرها (الدستور هو النص القانوني الأعلى في المجتمع) تكفل حريات التعبير والمعارضة. الصورة الثانية ما تطالعنا به الصحف المحلية من أخبار عن كتاب عدل سعوديين تورطوا في تزوير صكوك أو تقديم تسهيلات قانونية مقابل المال. السؤال هنا: ما الذي يجعل كاتب عدل، يفترض أنه لا يمكن أن تلحقه الشبهات بوصفه جزءا من نظام العدالة، يتورط في قضايا فساد وإخلال بالعدالة في المجتمع؟ الصورة الثالثة قصة عرفتها عن شاب أراد الالتحاق بسلك القضاء فقيل له «أنت .. (وصف لفئة اجتماعية) ما تصلح في القضاء!»