قال وزير العدل الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى إن قضاة المملكة ليسوا ملائكة بل يخطئون، ولكن حالات الخطأ قليلة جدًّا وغالبًا ما يظهر أنها نتيجة اجتهادات عن حسن نية، مؤكدًا أن القضاء السعودي سجل رقمًا مهمًّا في النزاهة عالميًّا وأن عدد القضاة في المملكة يتخطى المعيار العالمي النموذجي للقضاة. وكشف العيسى عن أن وزارته تدرس مشروع تكاليف الدعوى، وقال إن القضاء المجاني كان في السابق ميزة إيجابية ولكنه الآن ليس كذلك، وتكاليف الدعوى ستكون على الخاسر والمبطل وسيكون ذلك تعزيرًا له، مشيرًا إلى أن الأرقام والإحصاءات تؤكد أن المشروع قد يحد من 90% من تدفق القضايا على القضاء العام. جاء ذلك في محاضرة له بالجامعة الإسلامية مساء الثلاثاء بعنوان “القضاء السعودي بين أصالة المنهج ورغبة التطوير” برعاية صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن ماجد بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينةالمنورة وبحضور كثيف من المسؤولين والإعلاميين وأساتذة الجامعة وطلابها، وشهدت نقاشات جادّة بين سؤال وجواب وانتقاد. الجانب الموضوعي والإجرائي: وقسّم العيسى في محاضرته النظام القضائي إلى جانبين: الجانب الموضوعي وهو مادة القضاء ولا يدخله الجدل ولا النقاش أن مصدره الكتاب والسنة وهو مصدر اعتزاز هذه البلاد وهويتها، والجانب الإجرائي وما يتعلق بالتنظيم ويقصد به الحكمة التي هي ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، مشيرًا إلى أن اللبس بين الأمرين سبّب لدى كثير من الناس خلطًا وإشكالات كثيرة، وقال: لا أنسى قبل أكثر من عقدين عندما قُدّم مشروع نظام المرافعات الشخصية اتهمنا البعض بأنه غزو وافد على قضاء المملكة، وهو إجراءات تنظيمية بحتة سبقه بها نظام المحاكم التجارية عام 1350ه في عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله، وكلها تنظيمات وتركيز مسؤوليات القضاء الشرعي. دستور الدولة: وتحدث العيسى عن الأصالة في القضاء السعودي وقال: إن الدستور الموضوعي في مواده يعتبر في العرف الدولي دستورًا، لكن الدولة من حرصها على مصادرها واعتزازها بشريعتها قالت إن دستورها هو الكتاب والسنة، ونصت الوثيقة الدستورية في عدة مواد على اعتزاز الدولة بثوابتها فلا خشية من هذا الأمر، وقال: “نُريد أن نقدم مشروعًا يجعل القضاء قضاءً عصريًا معتزًا بثوابته، لا أن نتخوف من هذه الأنظمة ونراوح مكاننا”. لا فراغ في قضائنا ونفى الوزير أن يكون لدى المملكة فراغ قضائي وقال: عندما سئلت عن أننا لم نعرف محاكم الاستئناف، أجبت بأننا نعرفها ونتعامل معها لكنها مشمولة ضمن محاكم التمييز، فقد أعدنا صياغة درجات التقاضي، وليس لدينا فراغ في السابق في المحكمة العليا، فالهيئة الدائمة للمجلس الأعلى للقضاء تقوم مقام المحكمة العليا، والمقام السامي يحيل إليها أحكامًا نهائية لأنه القاضي الأول، فلدينا محكمة عليا ولدينا محاكم استئناف، وقلت أيضًا إجابة على ذلك: هل نقول إن الدول التي لا تعرف المحكمة العليا إلا باسم التمييز ليس لديها محاكم عليا؟ منبّهًا إلى أن القضاء السعودي في مفهومه الجديد أعاد صياغة التنظيم ولم ينشئ شيئا يكون سدًّا للفراغ في النظام القضائي. النظام القضائي الجديد: وتحدّث العيسى عن النظام القضائي الجديد وقال إنه شمل إعادة صياغة درجات التقاضي فهناك محاكم الدرجة الأولى وهناك محاكم الاستئناف، وهناك المحكمة العليا، منبّهًا إلى أن المحكمة العليا ليست درجة تقاضي، كما يخطئ البعض في وصفها فهي محكمة تعقيب على ما يصدر من أحكام لأن الترافع إليها ليس متاحًا على الإطلاق بل ضمن شروط وضوابط. المحاكم المتخصصة: وقال إن النظام الجديد شمل جانب تفعيل الاختصاص النوعي؛ فالقاضي يجب أن يتخصص نوعًا في أحكامه، فنص النظام على وجود محاكم تجارية وعمالية ومحكمة أحوال شخصية والمحكمة الجزائية، وأما ما يخطئ فيه البعض من وجود محاكم مرورية فهو خطأ، فهي مشمولة بالمحاكم العامة ولا يمنع مع مرور الوقت وقيام المقتضي إنشاء محاكم مرورية. وأوضح أن النظام الجديد عالج اللجان شبه القضائية مع تحفظ الوزير على التسمية فهي ذات اختصاص قضائي، وتحمل تخصصا دقيقًا فنيًا يحتاج وقتًا لإرساء مبادئه وتفهُّم وقائعه وأحكامه ثم تنتقل إلى القضاء المختص. القضاء المزدوج: وقال العيسى إن القضاء بالمملكة يأخذ أسلوب القضاء المزدوج وليس هذا إلا إضافة إيجابية في تصور الكثير، فهناك قضاء إداري تحت مظلة ديوان المظالم، وهناك القضاء العام تحت مظلة وزارة العدل، والقضاء الإداري المستقل يراقب أداء وعمل الولاة ويقصد بهم الإدارات فكل جهة لها ولاية وفق مبادئها واختصاصاتها. وأسهب العيسى في توضيح دخول القضاء الإداري تحت مظلة ديوان المظالم، مؤكدًا أن نظام المظالم أدخل فيه أشياء ليست اختصاصات قضائية، وردّ على من قال كيف يكون القضاء التجاري تحت الإداري بقوله: هذا كله يدخل تحت مظلة ولاية المظالم التي يسمح مصطلحها الشرعي بإدخال أي اختصاص. إصلاح القضاء: وتحفظ العيسى على مصطلح “إصلاح القضاء”، وقال إنه مصطلح خاطئ، بل هو تطوير وتحديث، فقضاؤنا صالح ومصلح لكنه وفق معطيات الحكمة والحاجة والعقلانية ينسجم مع أي تطور إيجابي، فالتطور انتقال من طور إلى طور وليس بالضرورة أن يكون الطور التالي إيجابيًّا، فنأخذ ما يفيد ونترك ما يعيب. القضاء الاستثنائي: وأشار وزير العدل إلى أنْ ليس لدينا قضاء استثنائي بل هو كله عادي، واللجان ذات الاختصاص القضائي في مرحلة انتقالية وبعضها لا زال يكابد ويعالج هذه المرحلة ونص المشروع الجديد على معالجة هذه اللجان. تقنين الأحكام: واستأثر الحديث عن تدوين الأحكام بقدر غير يسير من محاضرة وزير العدل، وقال إن ثمة مصطلحًا آخر يقوم بنفس المهمة وهو المبادئ القضائية، فتلتقي مع التدوين والتقنين من جهة ضبط الأحكام والقضاء على أي اختلاف بينها. وقد صدر عن مجلس هيئة كبار العلماء بإجازة تدوين الأحكام القضائية وفق آلية معينة رفعت بها الهيئة إلى المقام السامي، وأنا أقيد وفق آلية معينة رفعت بها الهيئة. وأجاب العيسى عن أن البعض قد يقول بأن هيئة كبار العلماء قبل بضعة سنوات أو أكثر تحفظت على تدوين الأحكام والآن أجازته، وقال: إن الهيئة لم تختلف في قرارها الأخير عن الأول لأن المعطيات والمؤيدات والحاجة في ذلك الوقت تختلف وهذا يدل على سعة أفق الهيئة. وأضاف العيسى إن المبادئ القضائية هي التي تنشأ في محضن الحكم، فيستقر القضاء على مبدأ يلتزم به جميع القضاة ولا يحيدون عنه ومعنيّ به المحكمة العليا. فإذا انتهت إلى حكم يجب أن يحترم القضاة كافة مبدأها، ومن كان له رأي فيقدمه فتنظر إليه المحكمة وتأخذ بالصواب وتعدِل عن مبدئها، وإلا أعادت الحكم وألزمته بلزوم جادة الصواب والمبدأ. وقال العيسى: تتبعت وبحثت منذ 15 سنة فلم أجد قاعدة قانونية إلا ولها أصل في الشريعة الإسلامية وأقصد قاعدة صحيحة سليمة لا على إطلاقها، وضرب مثلًا ب “التعسف في استعمال الحق أو الشطط فيه”. وقال: إن له أساسًا في قوله تعالى: (ولا تمسكوهن ضرارًا لتعتدوا) وقاعدة الضرر والمضارّة، وقد بسط فيها أهل العلم كلامًا كثيرا لم يبلغه أهل القانون وهذا مثبت عندي في بحث علمي. وأكد العيسى أن تدون الأحكام والإلزام بها كان معمولًا به في بعض الصور، وكان يصدر من وزارة العدل (رئاسة القضاة قديمًا) ومن مجلس القضاء الأعلى في السابق عندما كان يحتضن الهيئة الدائمة تصدر تعاميم ومن يخرج عنها يساءل بل يوبّخ إذا أصرّ ولم يأت بما يقنع، وهذا صورة من التقنين، ويجب أن نجعل الأمر على جادة واحدة فلا نأخذ بعضًا ونترك بعضًا. وحتى أهل العلم في السابق يعبرون بعبارة “وعلى هذا نص أهل زماننا”، وهو على قاعدة اختلاف الأحكام والفتاوى باختلاف الأمكنة والأزمنة والأحوال وهذا أكبر دليل على أهلية الشريعة وصلاحيتها لكل مكان وزمان. شفافية النظام الجديد: وأشار د.العيسى إلى أن النظام الجديد عزز وأكد مبدأ الشفافية، ولم ينشئ هذا المبدأ واستقلال القضاء، لأن الشفافية وعلنية الجلسات محكومة بالنظام الصادر عام 1395ه وكذلك استقلال القضاء. وأوضح أنه يقصد بالاستقلال؛ الاستقلال في الأحكام كما نص عليه نظام الحكم، فالقاضي مستقل في الأحكام ولا سلطان عليه في أحكامه، فهو مستقل فيما يصدر من أحكام ولا يؤثر عليه في ذلك. انتقادات دولية: كما تحدث العيسى عن بعض الانتقادات التي توجه لقضاء المملكة وقال: حصرت جميع ما تيسر لي من ذلك، ووجدت ما يقارب 80% منها تصدر عن دول غربية وهي تنظيرات مجحفة وتصورات خاطئة، وقد أتانا بعض من نظر في هذا فوضحت له الأمور فقال لم أكن أعرف، لكن لا يعني هذا أننا سنكون أداة في أيدي الغير يملون علينا الشروط والمرئيات فدولتنا لها سيادة ولها قضاء شرعي مؤسس على الشرع وهو هويتها ومصدر اعتزازها. خطوات الوزارة نحو التطوير: وعن خطوات الوزارة التطويرية قال: نخطو لتنفيذ هذا المشروع خطوات حثيثة وقد قسمته أقسامًا عديدة منها: قسم المباني والتجهيزات والقسم التقني، فالمباني والتجهيزات ستكون محاكم عصرية ذكية واستفدنا من المباني والرسوم والتصاميم الأجنبية وبنيتها التحتية ووجدنا بعض النماذج القليلة جدًا متميزة وأخذناها ووضعنا بصمتنا فيها، وأعلنت الوزارة عن أكثر من 30 مبنىً وستعلن في القريب عن 70 مبنىً، وأعلنت عن مشروعات حاسوبية وهذه المشروعات بدأت ثمارها فقد أطلقت الوزارة بوابتها الإلكترونية وأصبح بالإمكان تقديم صحائف الدعاوى إلكترونيًّا، وعملنا ربطًا مع التفتيش القضائي مع المجلس الأعلى، ولدينا طموح كبير إلى المحكمة الإلكترونية التي سيتم الترافع عن طريقها وستكون اختيارية، لأن المحاماة لدينا غير ملزمة فلا نلزم شخصًا غير ملزم بتوكيل محامٍ بالترافع عن طريق البوابة، وهذا سيعالج قريبًا ولو عبر منطقة انتقالية. إحصاءات القضايا: وقال: إن الوزارة تقوم بتزويد المجلس الأعلى بتقارير إحصائية بإنتاجية القضاة والمحاكم، وستزود إمارات المناطق والجهات المختصة بإحصاءات بنوعية القضايا وطبيعتها بما يؤدي إلى علاج مسبباتها. تأخير البت في القضايا: أما عن تأخير القضايا فقال العيسى: “هذه معضلة يتحدث عنها الجميع وهي تأخير البت في القضايا”، وقال هي مشكلة عالمية فقد تسمعون بين الجلسات في الإعلام ما يقارب سبعة أشهر وهي قضية رأي عام وذات طابع مستعجل ومع ذلك تتأخر. الإصلاح الأسري: وتحدث عن مشروع الإصلاح الأسري بقوله: “أتى ثمارًا مبهرة، ففي محكمة الضمان والأنكحة بجدة كان عدد حالات الطلاق السنوية للسعوديين مستبعدًا منها من راجع زوجته لا يتجاوز 2% وهذه إحصائية قدمها لي رئيس المحكمة والسبب لجنة الإصلاح الأسري. تكاليف الدعوى: وكشف العيسى عن أن وزارته تدرس مشروع تكاليف الدعوى، بقوله: إن القضاء المجاني كان في السابق ميزة إيجابية ولكنه الآن ليس كذلك، وتكاليف الدعوى ستكون على الخاسر والمبطل وكل سيحمد هذا النهج، ولو لم يكن فيه إلا تعزير أصحاب الدعاوى الكيدية وترددهم قبل رفعها لكفى، وهناك أرقام وإحصاءات قد تحد ما يقارب 90% من تدفق القضايا على القضاء العام لو كان هناك تكاليف للدعوى، مشيرًا إلى أن له أساسًا في الشريعة، فمطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته. كفاءة القضاء: وعن كفاءة القاضي قال العيسى: إن كفاءتنا القضائية الشرعية أثبتت قدرتها الكاملة على الاضطلاع بجميع القضايا والتصدي للنوازل الجديدة. وهناك بحوث للقضاة تفوقت على كتابات القانونيين، والوزارة معنية بتنفيذ التدريب القضائي ولديها خطة في هذا، وكما أنها معنية بالتدريب المتعلق بجانب التوثيق وكتابات العدل، ولدينا اتفاقيات تعاون مع عديد من الدول وسنستفيد منهم في الجانب الإجرائي لا الموضوعي، وأنا أؤكد هذا حتى لا تلتبس الأمور علينا. نزاهة القضاء: وشدّد العيسى على أن القضاء السعودي سجل رقمًا مهمًا في معايير النزاهة فلا غرابة في ذلك فهو ينبع من منهج الكتاب والسنة، وهو من أفضل أنظمة القضاء على مستوى العالم في معايير النزاهة ومصادر المعلومات قريبة منكم وتستطيعون الاطلاع على ذلك. نقاشات ساخنة: وشهدت المحاضرة نقاشات ساخنة تمثلت في مداخلات الحضور، وكان أبرز المداخلين كتاب الصحف والإعلاميين الذين طرحوا استشكالاتهم حول القضاء وتطويره على وزير العدل الذي أجاب عنها بصدر رحب. ففي مداخلة للدكتور عبدالرحمن البلوشي عميد معهد تعليم اللغة العربية بالجامعة الإسلامية حول قسم القضاء بالجامعة الإسلامية الذي سيمنح الماجستير والدكتوراه، بالإضافة إلى قسم الأنظمة وعن خطة الوزارة للاستفادة منهما والاتفاق مع الجامعة على ذلك قال العيسى: سعدت بهذا القسم وسيعدّد الخيارات في اختيار القضاة وسيتيح للمجلس الأعلى وهو المعني باختيار القضاة نخبة وطنية من القضاة. وفي مداخلة للأستاذ عبدالله السميري من وحدة الإعلام بالجامعة الإسلامية حول قضية تعريف المرأة في المحاكم وأنها من القضايا الشائكة التي قد يترتب عليها ظلمها عن طريق انتحال شخصيتها، قال الوزير: فيما يتعلق بالأقسام النسائية فهناك قرار صادر من مجلس الوزراء بإلزام الجهات بإيجاد أقسام نسائية فيما يحتاج إلى ذلك، وهي ستخدم وتعزز خصوصية المرأة وسيتم احتواء ما أشرت إليه قريبًا. وفي مداخلة للكاتب الدكتور محمد الهرفي حول قصة استنطاق “الجني” في قضية القاضي المتهم بالفساد بمحكمة المدينة وأنها أعطت انطباعًا سيئًا ولم نسمع بيانًا شافيًا وماذا يمكن أن تفعل الوزارة لكي تعطي القضاة هيبتهم ولا تسمح بالإساءة لهم، وعن تأخير النظر في القضايا وبعضها يأخذ سنوات وهل القضاة المخصصون للتحقيق مع الإرهابيين يكون قضاؤهم استثنائيًا، قال العيسى: بالنسبة لتعامل الوزارة وتعاطيها مع الإعلام هو في تقديري إيجابي و لم نعهد من إعلامنا إلا ما شاء الله إلا كل تعاط إيجابي ولكن لكل قاعدة استثناءات. وما تشير إليه في قضية الجني كلها أقاويل.وأوضح بيان المجلس الأعلى للقضاء الذي أعلنته وزارة العدل ونشرته الصحف تفاصيل الموضوع بما لا مزيد عليه وقولكم بأنه غير شافٍ ولا كافٍ فأنا أقول مع تقديري لكم فقد وضع النقاط على الحروف وأوضح أن الموضوع كلام قيل وقال وبئس مطية القوم “زعموا”. ومع هذا أقول لك أن القضاة ليسوا ملائكة وأنبه إلى أن القاضي قد يصدر منه خطأ يساء فهمه فيه ويؤخذ بالظاهر وما أحسن التثبت والتبين، وأكد العيسى أن محكمة المدينة بين أيد أكفاء من القضاة اضطلعوا بمسألة القضاء بكل كفاءة ومسؤولية، والقضايا التي تتأخر وتأخذ أكثر من السنة وقفت في القديم على بعض القضايا، وأصابتني دهشة كيف تأخرت فتبين أن غالبها الأعظم وسوادها لدى الخبرة تكون قضية كبيرة جدًا وبالملايين وتأخذ الخبرة ستة أشهر ثم تذهب إلى المحكمة وتردّ من الخصوم ثم تعود للخبرة، وأجزم أن أغلب ما تشيرون إليه هو من هذا النوع. وإجابة على سؤال عن معاناة المحامين وعدم وجود أماكن لهم بالمحاكم وعن تجاوز كثير من القضاة للسن النظامية قال الوزير العيسى: القضاة أكثرهم من الشباب حسب الإحصائية فالشباب هم الأكثر. وبخصوص أماكن المحامين فأقول إن بعض المباني المستأجرة لا تليق بمبنى عدالة وأقولها بكل شفافية، والوزارة تعمل على ذلك بمرحلة انتقالية باستئجار مبانٍ لائقة، وأما المرحلة الأصلية فهو ما أعلنا عنه وسنعلن عنه ولم يؤخرنا إلا أننا نريد أن نصل إلى مبانٍ ودور عدالة على مستوى عالٍ. وسنراعي في هذه المباني أماكن للمحامين لائقة بهم وأنا أعدكم بهذا وسيكون بها قاعات وسينتقل القاضي إلى قاعة المرافعة وستكون متاحة ومعلنة للجميع ولن تكون المرافعة في مجلس القاضي. وبخصوص مداخلة للدكتور غازي بن غزاي المطيري حول التباين في الأحكام قال الوزير العيسى إن هذا الأمر تتجاذبه عدة تفصيلات؛ فالواقعة قد تكون في تصور البعض متحدة مع الواقعة الأخرى لكن من يطلع على الحكم ويتبيّنه يتضح له اختلافًا أوجب تباين الحكمين، وكثيرًا ما نعجل ونقول إن هاتين الواقعتين متحدتان لكن من يتعامل معهما حكمًا وتدقيقًا يتضح له أن الواقعتين مختلفتان. والتباين في الأحكام قليل جدًّا مع أننا لا نرضى به لأننا لا يمكن أن نأخذ تصورًا أن شرع الله في قضية معينة متباين مختلف. وفي رد على سؤال الأستاذ ساري الزهراني المشرف على ملحق “الرسالة” بجريدة “المدينة” حول مكافحة الفساد في كتابات العدل، وهل سينسحب على المحاكم؟، أجاب الوزير العيسى: لا أحبذ استخدام مصطلح الفساد ولا مصطلح الإصلاح لا سيّما في هذا السياق، وإذا حصل شيء منه فهو أخطاء وبعضها يتبين فيما بعد أنها اجتهادات عن حسن نية، وبالتالي نتعامل مع هذه التجاوزات وفق أحكام الشريعة والنظام ولا أخفيكم أنها حالات قليلة جدًّا، وما يتعلق بشمول المحاكم بذلك فأنا على يقين بأن المجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل عضو في المجلس الأعلى للقضاء عن طريق وكيل الوزارة لن يدّخر المجلس وسعًا في أن يقوم بمسؤوليته على أكمل وجه. وأؤكد أن قضاءنا على نزاهة عالية ولا أقول هذا ارتجالًا واذهبوا إلى الخارج واطلعوا على ما يكتب عنه. وفي مداخلة لصاحبة السمو الملكي الأميرة بسمة بنت سعود بن عبدالعزيز تحدثت عن بعض القضايا الشائكة والمسكوت عنها فيما يتعلق بحقوق المرأة حيث لم توضع لها الأنظمة لحمايتها مثل قضايا العنف ضد المرأة والطفل والعنف الأسري وعضل البنات وظلم الآباء لهن بانتهاك حقوقهن وفرض الزواج عليهن وأخذ رواتبهن وحجز البنات لأبناء عمومتهن وزواج القاصرات لكبار، واقترحت أن تقوم وزارة العدل باستحداث لجان لتوعية الشباب خاصة الذين صدرت منهم أفعال جرمية لأول مرة بدلًا من إصدار أحكام تجاههم قد تؤدي بهم إلى ضياع مستقبلهم. وأجاب العيسى عن مداخلة الأميرة بسمة بنت سعود بأن إصدار الأنظمة تختص به السلطة التنظيمة، واستحداث اللجان التوعوية اختصاص جهات أخرى والوزارة جهة عدلية وهو مشروع مهم جدًّا لا بد أن تتضافر له عدة جهود. أما الأحكام البديلة فقضاؤنا قام بحمد الله في أحكام عديدة عند الاقتضاء بإصدار أحكام بديلة، وقال: أظن أن الجميع يعلم ذلك وتحدثت الوزارة عنه في أكثر من مناسبة ولا شك أنها من منطلق السياسية الشرعية والاستصلاح. أما زواج القاصرات فمصطلح القاصرات متجاوز فيه والصحيح أن نقول زواج الصغيرات لأن القاصرة لا تكون صغيرة بالضرورة، وهو ليس ظاهرة وقد تحدث الحالة الواحدة ويعمل منها قضية كبيرة مع أن هذه الحالة يتم احتواؤها بأساليب شتى، وأنا أقول إنها حالات قليلة جدًا ولله الحمد وحاولت الوزارة الحدّ منها بتنظيمات إجرائية احترازية واشترطت على المأذونين تقييد سن المرأة والتنظيم سهل إذا وجدت له المؤيدات والمرشحات الشرعية والاجتماعية وثقوا أن المنظم لن يتوانى في هذا لكن التنظيم لا يأتي ارتجالًا. وفي مداخلة للكاتبة الدكتورة أميمة الجلاهمة حول الترخيص للمرأة بمزاولة مهنة المحاماة، قال العيسى: إن المرأة تمارس المرافعة منذ زمن سواء بالأصالة أو الوكالة، وقد قالت لي امرأة: نحن نجد من القضاة ترحيبًا أكثر منك يا وزير العدل فلا ترخص لنا أبدًا. والمرأة تحضر في المحاكم منذ زمن والترخيص يحتاج لفترة انتقالية لأن الترخيص بالمزاولة يحتاج لخبرة وهي تمارس المحاماة بالوكالة منذ عدة عقود ولا يستطيع أحد أن يقول لها اخرجي من المحاكم. وفي مداخلة للكاتب محمد الأحيدب عن إنشاء محاكم طبية لإنصاف ضحايا الأخطاء الطبية وحول الوصية وأن الإنسان إذا أراد توثيقها ترفض في كتابات العدل وتحول إلى المحكمة العليا، قال العيسى: أما إنشاء محاكم طبية: قلت بأنه يجوز لمجلس القضاء الأعلى عند الاقتضاء إنشاء محاكم متخصصة أخرى غير الموجودة، أما موضوع الوصية فيحتاج إلى اطلاع وابعث لي بما عندك من وثائق لأطلع عليها.