سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
“العيسى” لرئيس محكمة العدل الدولية في لاهاي: نطبق أحكام الشريعة على غير المسلمين منوها إلى أن المسلم يخضع لقانون الدول التي يقيم فيها بعيدا عن دولته المسلمة..
أوضح الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى وزير العدل، أن عدداً من النظريات والقواعد العامة في مبادئ العدالة سواء في النظام العام أو الخاص؛ تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وأن هذا يعكس النتيجة الطبيعية للمشتركات العدلية التي تتركز غالباً على الكليات والمفاهيم العامة مع الالتقاء في جملة من التفاصيل. وشرح العيسى ملامح التميز الإسلامي في قضاء الشريعة؛ وبخاصة فتح المجال للقاضي الشرعي بضوابط علمية ومعايير قضائية، للإبداع في تفسير نصوص الدستور والنظام والاجتهاد في استنباط المبادئ والقواعد على ضوء نصوصه المرجعية، مع ضبط هذه المساحة المهمة في الأداء القضائي بوحدة العمل، وعدم تباينه من خلال أبرز اختصاصات المحكمة العليا. جاء ذلك خلال لقاءه مع الدكتور بيتر توكا رئيس محكمة العدل الدولية في مدينة لاهاي الهولندية، ضمن زيارته لعدداً من دول الاتحاد الأوروبي، في إطار محور التواصل الدولي لمشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود لتطوير مرفق القضاء . وجرى خلال اللقاء بحث الموضوعات ذات الاهتمام المشترك. من جانبه أكّد رئيس محكمة العدل الدولية، أن المحكمة تقدر القضاء الإسلامي وأن للشريعة محلاً يحظى بالاعتبار والاهتمام لدى المحكمة. وفي سياق متصل التقى الدكتور العيسى مع مسؤولي محكمة التحكيم الدولية الدائمة، واستمع إلى شرح عن أعمال المحكمة واختصاصاتها والقضايا التي تعرض عليها، مشدداً على أن التحكيم يُعَبِّر عن الإرادة الحرة في اختيار حكام القضية ويرعى خصوصيتها وسريتها ويختصر إجراءاتها المعتادة، وما قد يصاحبها من طول وتأخير، وأن هذا البديل يمثل خياراً شرعياً مهماً في إطار بدائل التقاضي، ويعكس من جانب آخر صورة من صور التسوية التي غالباً ما تكون مرضية للأطراف باعتبار أن للتحكيم ملمحاً في مفهوم الحلول التوفيقية؛ برضى طرفي القضية وهو ما يقوم به في كثير من الأحيان باستثناء حالة الفصل التحكيمي. عقب ذلك التقى الشيخ العيسى مع ستفن فاي رئيس مؤسسة كارنيجي المشرف على قصر السلام بلاهاي، واستمع إلى شرح عن محتويات مؤسسة القصر من قاعات اجتماعات ومكاتب إدارية وأقسام والبرامج والتخصصات التي تقدمها الأكاديمية الدولية لخدمة العدالة. كما ألقى معالي وزير العدل محاضرة في المعهد الهولندي للعلاقات الدولية كلينجندال بلاهاي، حضرها العديد من الحقوقيين ومقارنة الأديان وأساتذة القانون وقيادات إعلامية هولندية، قال فيها: “عدالتنا مفتوحة على مدارسنا الفقهية وليس لأي مذهب فقهي امتياز لذاته في موازين العدالة، وأن المساواة أمام عدالة الشريعة الإسلامية نص دستوري لا تزدوج معاييره باختلاف الأديان”. وحول سؤال عن تطبيق قانون الشريعة الإسلامية على غير المسلمين؛ قال معاليه : “قضاؤنا يسري على غير المسلمين باعتباره دستور ونظام دولة، إلا أننا في الوقت ذاته ندرك خصوصية الأديان والمذاهب في الأحوال الشخصية، وإذا كان هناك من يتحفظ على تطبيق الشريعة على غير المسلمين في البلاد الإسلامية التي تطبق الشريعة، فليتحفظ المسلم على تطبيق مبادئ القانون الروماني أو الإغريقي على سبيل المثال في الدولة التي يقيم فيها والتي تأخذ في سن قوانينها بفلسفات ونظريات هذه القوانين والتي هي بالنسبة للمسلم ناتجة عن إيديولوجيات دينية ونظريات فلسلفية واجتماعية وهو باعتباره مسلماً لا يؤمن بها وإنما يؤمن بمبدئه الإسلامي”. وقال الدكتور العيسى: “مرونة النص الإسلامي أثْرَتْ ودعمت الإبداع القضائي في الاجتهاد وتفسير النصوص وتكوين المبادئ والسوابق، فالنص الإسلامي هو نص إلهي في عقيدة أكثر من مليار ونصف مسلم يسكنون هذا الكوكب، وهذا النص في معتقدهم لا يمكن تعديله أو تحديثه ولذلك كان من حكمة الخالق أن يكون هذا النص مشتملاً على إعجاز تشريعي يصلح من خلاله لكل زمان ومكان وهو ما حصل بالفعل وكان الركن الأهم في هذا هو مرونة النص وعدم جموده”. وأضاف: “استنبط الفقهاء المسلمون من مجموع النصوص الإسلامية قواعد فقهية عامة وقواعد فرعية وأصبحت قادرة على استيعاب الوقائع والمستجدات في المواد القضائية كافة فضلاً عن غيرها من مسائل التعاملات اليومية غير أننا يجب أن نعلم بأن النص الإسلامي فتح ما يسمى في كتابات بعض الفقهاء والمفكرين المسلمين المعاصرين بالمساحة الحرة وهي المساحة التي تخلو من وجود نص قاطع ومع هذا فقد أبدع فقهاء المسلمين في التعامل مع هذه المساحة من خلال الاجتهاد والقياس والمقاربة الفقهية”. وبين العيسى أن الأهم في هذه المسألة هو وصول الفقه الإسلامي إلى تقسيم مهم للحالة العامة، فهي إما أن تدخل تحت مفهوم العبادات أو المعاملات؛ فالقسم الأول يشترط فيه وجود نص وإلا أصبح الأداء خاطئاً وغير صالح فالأصل فيه وجود النص, والثاني بعكسه ومع ذلك فإن هذا الثاني لا يخلو من وجود قواعد مستمدة من المقاصد والدلالات العامة لنصوص الشريعة الإسلامية، ولاسيما في الوقائع القضائية؛ فمثلاً من القواعد التي نص عليها الفقه الإسلامي أن الأصل في العقود العدل، ومن خلال هذا النص أمكن التعامل مع جميع الوقائع ذات الصلة، ومن هذا المبدأ الشرعي أخذت العديد من النظريات القانونية كثيراً من قواعدها وأحكامها كما في قاعدة التوازن المالي للعقد أو رد الالتزام المرهق إلى حده المعقول. وقال الدكتور العيسى: “من هنا أيضاً يتدخل القضاء بسلطته التقديرية المبنية على هذه القاعدة العامة لتعديل بعض العقود في حال وجود خلل واضح وغير مبرر في التوازن، لكن لا يحصل هذا إلا في نطاق ضيق يقطع القضاء من خلاله بأن العقد مخل بالتوازن العادل للعقد على ألا يكيف الخلل بالهامش المقبول أو المبرر أو المسوح به عرفاً أو أنه جاء في سياق التراضي المسبق عليه”. وأضاف: “هناك قسماً آخر أشار إليه الفقه الإسلامي؛ يتعلق بالحالة المبنية على العادات والأعراف ويدخل فيها ما يسمى عند البعض بالتقاليد والثقافات، وهذه كذلك الأصل فيها إجازتها واعتبارها مصدراً من مصادر التعامل ويحتج بها كسند قضائي عند عدم مخالفتها لنص تشريعي”. وتابع وزير العدل: “هذا التكييف الفقهي نتج عنه ما يسمى في القوانين الوضعية بالأعراف العامة والخاصة أو الأعراف الدولية وهناك مباحث مطولة في علم أصول الفقه الإسلامي تُعنى بهذا الموضوع أوصلت الأعراف التي لا تتصادم مع النصوص التشريعية، ولها وصف العموم والشيوع في المجتمع إلى اعتبارها مصدراً من مصادر التحاكم، وقد صيغت في هذا قاعدة فقهية تحت عنوان العادة محكمة، وهذا يأتي في سياق الحفاوة بالعقل والاجتماع البشري في المساحة الواسعة والمفتوحة له في ترتيبه لأحواله وشؤونه المادية على أن يكون في الإطار الأخلاقي العام للتعامل”. وأردف يقول: “لذلك ينادي الكثير من المنظرين الدستوريين والقانونيين بأهمية تقليص النصوص لإعطاء مساحةٍ أكبر للأعراف المجتمعية والدولية لأن تأخذ الوضع الذي تراه مناسباً لها ليكون هناك مجال لتكوين الحالة الملائمة لكل مجتمع على حده أو لمجموعة مجتمعات مراعى في ذلك الظروف والأحوال المتجددة في المنطقة المسموح بها وهي منطقة الفراغ في التشريعات الوضعية، لكن عندما يكون هناك تقييد بنص وكثيراً ما تفتقد بعض النصوص الوضعية المرونة اللازمة يحصل نوع من الإعاقة في بعض الوقائع والحالات وهو ما يتطلب التحديث والتجديد المستمر للقوانين الوضعية، وفي هذا نتذكر ما يقوله عدد من الحقوقيين من أن مدرسة السوابق القضائية أقرب لمفاهيم استقلال القضاء وللمرونة بوجه عام من مدرسة التقنين”. وأضاف قائلا : “من هنا جاءت القاعدة الفقهية الرحبة بأن الأصل سلامة مادة المعاملات سواء في قسميها المدني والتجاري أو غيرهما إلا ما خالف منها نصاً تشريعياً، وهذا فتح المجال للأعراف فضلاً عن فتحه المجال للسلطة التقديرية للقاضي للإفادة الحقيقية من مهارة وكفاءة تأهيله القضائي”. وحول مداخلة في هذا السياق أجاب الدكتور العيسى بأنه لو لم يكن هذا من مهام القاضي وهو من اختير بعناية لمؤهلات وإمكانات خاصة لكان بالإمكان برمجة العديد من النصوص والوقائع والحصول على الحكم القضائي بطريقة آلية، ومع ذلك فالقاضي لا ينفصل أبداً وفي جميع الحالات عن استصحابه الدائم للنصوص ومقاصدها وما يسمى عند البعض بروح دلالاتها، وكذلك المبادئ القضائية فضلاً عن المادة العلمية التخصصية التي يتمتع بها . وفي سياق آخر عقد وزير العدل اجتماعَا مع ايفو اوبسلتن وزير العدل والأمن الهولندي، في مقر وزارة العدل الهولندية بلاهاي. وجرى خلال اللقاء بحثُ الموضوعات ذات الاهتمام المشترك فيما يتعلقُ بالعدالة والحقوق، والتبادل المعرفي فيما يخص القوانين والإجراءات، وسبلِ تعزيز التعاون بين البلدين في هذا المجال. وأجاب العيسى على أسئلة واستفسارات وزير العدل الهولندي المتعلقة بالعديد من الشؤون العدلية والحقوقية، حيث شرح له طبيعة أسلوب المحاكمات الجزائية وضماناتها المكفولة نظاماً، فضلاً عن مقتضيات مبادئ العدالة في الحقوق الشرعية والطبيعية للمتهم . واستعرض معالي الشيخ العيسى أسس المبادئ القضائية في المملكة، ودورها في حماية الحقوق والحريات المشروعة، وضمانات العدالة في المملكة، وتحديثاتها التنظيمية ومشتركات العدالة. كما استعرض العيسى التحديثات الجديدة في نظام السلطة القضائية التي تتضمن توسيع قاعدة التخصص النوعي في نظر القضايا؛ فأوجدت محاكم متخصصة عامة وتجارية وجزائية وأحوال شخصية وعمالية واجازت وفق أحكام النظام إحداث محاكم متخصصة أخرى عند الحاجة, مشيراً إلى تأكيد النظام على مبدأ استقلال القضاء في أحكامه وتعزيز مبدأ الشفافية والوضوح من خلال التأكيد على علانية الجلسات القضائية للتأكد من حسن سير العدالة”. وأبان أن وزارة العدل قامت بتفعيل البدائل الشرعية للتقاضي؛ وهي الصلح والتحكيم، فاستحدثت مركزا للمصالحة، وحدثت نظام التحكيم للإسهام في الحد من بطء إجراءات التقاضي. وأضاف العيسى أن القضاء في المملكة خطى خطوات نوعية في التحول إلى القضاء الإلكتروني، حيث تم تحويل عموم إجراءات المحاكم في المملكة إلى أحدث النظم الإلكترونية، مستعرضاً في حديثه الجوانب التقنية التي تقدمها الوزارة للمستفيدين من خدمات العدالة عبر بوابتها الإلكترونية. من جهته نوّه وزير العدل الهولندي بالتطورات والتحديثات في الأنظمة القضائية في المملكة، مؤكدا أهمية تعرف الحقوقيين والمهتمين بالشأن العدلي على نظام القضاء في المملكة. رابط الخبر بصحيفة الوئام: “العيسى” لرئيس محكمة العدل الدولية في لاهاي: نطبق أحكام الشريعة على غير المسلمين