الاقتصادية - السعودية بيت المال في تاريخنا الإسلامي مصطلح يقصد به المؤسسة التي قامت بالإشراف على ما يرد من الأموال، وما يخرج منها في أوجه النفقات المختلفة، ويسمى أحيانا بيت مال المسلمين. الباعث على تأسيس بيت المال كانت الفتوحات الإسلامية التي تبعها تدفق الأموال على الدولة الإسلامية الناشئة. هذا النمو السريع والكبير حمل الخلفاء الراشدين على إنشاء بيت المال، فهو بهذا يشبه وزارة المالية في عصرنا هذا. وعلى هذا فهم علماء المسلمين أن كل مال لم يتعين مالكه يصبح حقا من حقوق بيت المال، وكل حق وجب صرفه في مصالح الناس فهو حق عليه. في كل الدول تعد وزارة المالية من أهم الوزارات، وهذه النظرة للجهة المسؤولة عن حفظ وصرف الأموال – أيا كان اسم الجهة – ليس بالشيء الجديد، فابن خلدون – مثلا – أكد أن الوظيفة المالية من أهم وظائف الدولة، وبيت المال مهمته حفظ حقوق الدولة "وهي كلها مسطورة في كتاب شاهد بتفاصيل ذلك في الدخل والخرج، مبني على جزء كبير من الحسبان لا يقوم به إلا المهرة من أهل تلك الأعمال، ويسمى ذلك الكتاب "الديوان" لابن خلدون. مصادر الأموال في الدولة الإسلامية (خلال القرون الهجرية الأولى) تركزت في أربعة: الفيء والخمس من الغنيمة، والجزية والزكاة. ميز الفقهاء نوعين من الزكاة: المال الباطن، أي الخفي، ولا يترتب عليه لبيت المال حقوق لأن أصحابه يقومون بإخراج زكاته، والنوع الثاني صدقة المال الظاهر كزكاة الزروع والمواشي، وهي التي تجبيها السلطة. المستحق على بيت المال من الالتزامات ضربان: 1- الأموال المودعة فيه لا لامتلاكها ولكن لحفظها، والإيداع يحدث عادة بأمر من قاضي المسلمين 2 – الأموال التي يترتب على بيت المال صرفها. الالتزامات المالية الواجبة الدفع، كأرزاق الجند، وأثمان السلاح، والإنفاق على مصالح الأمة بصفة عامة، لأنها من الحقوق العامة للأمة أي بالتعبير المعاصر من حقوق المواطنين على الدولة. إذا كان المال لا يكفي لسداد هذه الالتزامات، فإن فتح باب الصدقات أو التبرعات، كان خيارا أساسيا. ويدخل من الصدقة تبرع الجند بكل أو بعض أرزاقهم، أو إمهالهم لتصبح مثل دين المعسر. هذه الالتزامات هي بعض أمثلة لما يسمى في أدبيات اقتصاد القطاع العام أي الاقتصاد الحكومي بالسلع العامة، وهي السلع التي تتصف بعموم الانتفاع بها non-rival (استهلاك سلعة بعينها من قبل فرد لا يقلل أو يؤثر سلبا على استهلاك آخرين منها في الوقت نفسه)، ولا تقبل الاستبعاد non-excludable (لا يمكن منع الآخرين من المشاركة). كانت هناك نقاط ضعف كبيرة. منها أنه لم تكن هناك قوانين واضحة وملزمة في حدود صلاحيات الخليفة ونوابه في الصرف وأوجه الصرف. ومنها فقدان وضوح مسؤوليات الدولة في الإنفاق، وكيف تحصل على الأموال في حال عدم كفاية المصادر الأربعة التقليدية. هل كان هناك بيت للمال في عهد الرسول والخلفاء الراشدين؟ لم يوجد في عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم – بشكل منظم لقلة الأموال، وقد كان توزيع المال في الغالب فوريا. عقب الفتوح الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين تغيرت الأحوال، فقد تدفقت الأموال، ويمكن القول: إن نواة تأسيس بيت المال تكونت في عهد الخليفة أبي بكر الصديق – رضي الله عنه. ازدادت حركة الفتوح في عهد الخليفة عمر – رضي الله عنه- وازداد تبعا لذلك تدفق الثروة من الولايات على حاضرة الخلافة المدينة، وكان من الطبيعي أن يحتك العرب بشعوب الأقاليم المفتوحة، ويتأثروا بتنظيماتهم الحضرية. وقد وجدت الدولة الإسلامية نفسها مضطرة إلى الاهتمام بالإصلاحات الإدارية ووضع القوانين الإدارية. وجمدت أساليب وطريقة إدارة بيت المال، أو ما يسمى في العصر الحديث المالية العامة، خلال القرون التالية. التطور جاء على يد الغربيين. وتجد أناسا يرون أن تطورات وأساليب الماضي ملزمة للقرون التالية، وهؤلاء يجمعون بين التعصب والجهل.