الجمعيات الخيرية جهات احتسابية تقوم في الغالب بالتبرع بجهودها في جمع الزكاة وصرفها في مصارفها الشرعية والغالب أن قيادات هذه الجمعيات تحتاج إلى جهاز إداري يقوم بالجانب التنفيذي لهذا النشاط الاحتسابي.. والغالب أن هذه الجمعيات تحمل ترخيصاً من الجهة المختصة في الدولة لإجازة هذا النشاط. والواقع يطرح علينا التساؤلات التالية لتظهر من الإجابة عنها الأحكام المترتبة عليها: أحد هذه التساؤلات هل إذن الدولة للجمعية الخيرية في حكم تكليفها من ولي الأمر فيجب لذلك السمع لها والطاعة في طلبها الزكاة ممن تجب عليهم الزكاة؟ وتبرأ ذمة المزكين بدفعهم الزكاة الواجبة عليهم للجمعية كما هو الحكم الشرعي لولي الأمر حينما يطلب الزكاة من المزكين وتبرأ ذممهم بدفعها إليه أم أن الجمعيات الخيرية وكيلة عن المزكين. الذي يظهر لي والله أعلم أن إذن ولي الأمر أو ترخيصه للجمعية ليس كتكليفها من قبله بجباية الزكاة ولهذا لا تعتبر الجمعية نائبة عن ولي الأمر ولا وكيلة عنه، ولهذا لا يلزم المزكي الاستجابة لطلب الجمعية وإن دفع زكاته إليها فهي وكيلة عنه في صرفها في مصارفها الشرعية ولا تبرأ ذمة المزكي في دفعها إلى الجمعية حتى يجري من الجمعية صرفها في مصارفها الشرعية. وإن تلفت الزكاة التي قبضتها الجمعية قبل دفعها لمستحقيها بدون تعدٍ أو تفريط فلا ضمان على الجمعية لأنها وكيلة عن لمزكي والوكيل أمين لا يضمن إلا ما كان نتيجة تعدٍ أو تفريط، وتبقى ذمة المزكي متعلقة بزكاته حيث إنها لم تصل إلى مستحقيها من قبله ولا من قبل وكيله. التساؤل الثاني هل الجمعيات الخيرية غير المرخص لها تختلف من حيث الأحكام المترتبة على الجمعيات الخيرية المرخص لها؟ لا يخفى أن لولي الأمر حق السمع والطاعة فيما يأمر به وينهى عنه إذا كان ذلك في معروف أو لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وبناء على هذا الأصل فلو قامت جمعية غير مرخص لها في جباية زكاة وصرفها في مصارفها الشرعية، فهل يكون تصرفها مقبولاً شرعاً فتبرأ بذلك ذمة المزكي وتعتبر هذه الجمعية وكيلة عنه وتجري عليها أحكام الجمعية الخيرية المرخص لها.. أرى ألا فرق بينها وبين الجمعية المرخص لها في ترتب الأحكام الشرعية على تصرفها وعلى تكييفها وكيلةً عن المزكي. ويبقى أمر مزاولتها هذا النشاط بدون ترخيص من ولي الأمر فإن كان في الأنظمة ما يمنع ذلك فيكون ذلك التصرف مخالفة تستحق الجمعية ما يقتضيه النظام من المخالفة مع إجازة التصرف شرعاً كصلاة من يصلي في أرض مغصوبة، وحج امرأة بدون محرم فالصلاة والحج صحيحان مع الاثم والله أعلم. التساؤل الثالث ما يأخذه سعاة ولي الأمر لجباية الزكاة نيابة عن ولي الأمر من المزكي هل يستمر الأمر على صفة الزكاة والتقيد بأحكامها في صرفها من قبل ولي الأمر أم أنها تتحول من زكاة إلى مورد من موارد بيت المال وتنفصل عنها أحكام الزكاة فيما يتعلق بصرفها؟ الذي يظهر لي - والله أعلم - أن ما يأخذه ولي الأمر من أموال الزكاة يتحول من وصفة زكاة خاصة لأصناف معينة إلى ان تكون مورداً من موارد بيت المال كالفيء والغنائم والزكاة والكنوز وإن لولي الأمر الا يتقيد بصرفها في مصارف الزكاة بل بصرفها في أي مرفق من مرافق الدولة أو في أي جهة تقتضيها مصلحة البلاد وأهلها والمستند في ذلك ان الصدقات والغنائم والتعشيرات وغيرها مما مآلها بيت المال لا يفرّق في صرفها في المصالح العامة بين زكوات وغيرها. ولعل من الاستدلال على ذلك بما ثبت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من جابر بن عبدالله رضي الله عنه جمله وأمر مأمور بيت المال بلال بن أبي رباح رضي الله عنه بدفع ثمنه من بيت المال أربع أواق وزيادة نشاً. والذي عليه ملوكنا السابقون أنهم كانوا يحولون مجموعة من القضاة والأمراء ورؤساء القبائل ممن ليسوا من أهل الزكاة على سعاة الزكاة مما يجمعون ولم يُنقل عن أحد منهم اعتراض. وبراءة ذمة المزكين بدفع زكاتهم لولي الأمر إذا طلبها دليل على أنه مصرف من مصارف الزكاة حيث جاء في بعض الآثار الأمر بدفعها لولي الأمر إذا طلبها ولو قلدها الكلاب .. ولا يخفى أن سعاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسعاة خلفائه الراشدين كانوا يجبون زكاة الحبوب والثمار وبهيمة الأنعام ويودعونها بيوت المال وليس في بيوت المال دواوين خاصة للزكاة ايداعاً وصرفا. إذا تقرر هذا فيمكن ان يجاب عن الاشكال في ان مخصصات الضمان الاجتماعي يصرف منها على فقراء آل البيت من السادة والأشراف وغيرهم من بني هاشم وفي اعتبار الاموال التي يجبيها ولي الأمر من الزكاة زكاة غير متحولة إلى أموال عامة لخزينة الدولة فإن الصرف على فقراء آل البيت من الضمان الاجتماعي غير جائز؛ لأن الزكاة والصدقات على آل البيت غير جائزة وبالتالي سيكون لدينا شريحة غير قليلة ممن يصرف لهم من الضمان الاجتماعي يأخذون ما يأخذونه بغير حق وعليه فلا يجوز لهم الصرف من مخصص الضمان الاجتماعي الذي هو الزكاة لحرمتها عليهم. وإذا قلنا بأن الزكاة بعد جبايتها من قبل ولي الأمر تتحول إلى مالٍ عام للدولة تصرفه الدولة في المصارف العامة فإن ما يصرف للضمان الاجتماعي من خزينة الدولة ويصرف من الضمان الاجتماعي للمشمولين بالصرف من المواطنين لا يعتبر من الزكاة فيجوز الصرف منه لآل البيت لأنه ليس زكاة ولا صدقة مما هما محرمان على آل البيت وإنما هو مال عام للمواطنين حقوقهم فيه طبق المقتضى الشرعي سواء أكان الحق مالاً أم منفعة أم ارتفاقاً. التساؤل الرابع هل يجوز للجمعيات الخيرية وقد أذن لها من قبل ولي الأمر بتولي جباية الزكاة وصرفها هل يجوز لها أن تصرف جزءاً منها في تغطية النفقات اللازمة للجباية والصرف وذلك من سهم العاملين عليها؟ وهل يختلف الأمر بين جمعية مرخص لها وأخرى غير مرخص لها؟ وإذا جاز الصرف على أعمال جباية الزكاة وصرفها وللجمعية موارد أخرى مثل الصدقات والهبات والتبرعات ويحتاج صرفها إلى مستلزمات مالية كصرف الزكاة وجبايتها فهل تقتسِم هذه الموارد مصروفات إدارية؟ وجواب هذه التساؤلات - والله أعلم - أن العاملين على الزكاة جباية وصرفاً.. صنف من أهل الزكاة بنص صريح من كتاب الله قال تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها.. الآية، والأصل الأخذ بالعموم في قوله تعالى: والعاملين عليها. كل من كان عاملاً على الزكاة جباية أو صرفاً فهو داخل في العموم سواء أكان مكلفاً من قبل ولي الأمر أم مأذوناً له. ولا يجوز تخصيص العموم إلا بمخصص ولا أعرف مخصصاً يصرف العموم إلى التخصيص فيجوز للعاملين على الزكاة الأخذ من الزكاة أجرة على عملهم عليها سواء أكانوا فقراء أم أغنياء وسواءً أكانوا مرخصاً لهم أم غير مرخص لهم إذا لم يكن من ولي الأمر قرار بمنع جباية الزكاة إلا ممن يصرح لهم بذلك وإذا جاز لهم الأخذ من الزكاة في مقابل عملهم فما مقدار ذلك؟ اختلف أهل العلم في التقدير وذهب الإمام الشافعي أو من أخذ بقوله من أهل العلم إلى تقدير ذلك بالثُّمن لأن أهل الزكاة ثمانية أصناف منهم العاملون عليها، ولعل الثُّمن حد أعلى فإذا كان قدر استحقاق العاملين عليها أقل من الثمن فيصرف الباقي من الثمن إلى مقادير الأصناف الأخرى، وفي حالة وجود موارد أخرى للجمعية من صدقات أو تبرعات أو غلال أوقاف فلا يجوز أن تصرف نفقات إدارة هذه الموارد من الزكاة فقط بل يجب أن يكون الصرف بنسب عادلة بين هذه الموارد المختلفة ومنها الزكاة. التساؤل الخامس هل يجوز للجمعية أن توجد وقفاً لصرف غلاله على أعمالها وتدفع من الزكاة قيمة هذا الوقف أو بعضه، وهل يجوز للجمعية أن تؤجل صرف مبالغ الزكاة أو بعضها للصرف منها في أوقات متتابعة لمقتضيات الاحتياج، وهل يجوز لها استثمار هذه المبالغ المتأخر صرفها لصالح الجمعية على شرط ألا يكون الاستثمار عائقاً للصرف وقت الحاجة؟ الجواب - والله أعلم - لا يخفى أن الزكاة ملك لمستحقيها ووقفها حبس لها، ومنع لأهلها وهذا مخالف للمقصد الشرعي من شرعيتها والذي عليه جمهور المفسرين أن اللام في قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء. الآية للملك والتخصيص ووقفها حجب لهم عنها. وعليه فلا يظهر لي جواز الصرف من الزكاة على شراء الأوقاف.. وأما تأجيل صرفها أو صرف بعضها لملاحظة مقتضيات أحوال الصرف فلا يظهر لي مانع من ذلك على الا يتجاوز التأخير سنة. ولا يظهر لي مانع من استثمارها وبشرط أن يحتاط لها بحيث يكون الاستثمار في منتجات استثمارية قليلة المخاطر، وإن كانت قليلة العائد وبشرط ألا يكون مانعاً لصرفها على أهلها. أرجو أن أكون بما كتبتُ قد أثرت مسائل تتعلق بأعمال الجمعيات ولها أحكامها الشرعية.. والله المستعان.