د. فهد بن عبد الله الحويماني - الاقتصادية لا تزال السوق المالية السعودية ""تداول"" تعتمد فئات متعددة لوحدة تغير أسعار الأسهم، بالرغم مما لتلك الطريقة من سلبيات عديدة، تجاوزتها معظم البورصات العالمية منذ سنوات طويلة. كتبت عدة مرات عن ضرورة الانتقال إلى التداول بالهللة الواحدة، وسرني جداً ما رأيته خلال الأيام الماضية من تداول أسهم حقوق الأولوية بنظام الهللة، حيث بدا واضحاً ألا صعوبة هناك في تقبل هذه الآلية من قبل المتداولين، فشاهدنا كيف كانت أوامر الشراء والبيع تدخل بأجزاء من الريال ويتم التداول بسلاسة تامة وعدالة طال انتظارها. في هذه المقالة أناشد هيئة السوق المالية مرة أخرى بتغيير وحدة تغير السعر إلى هللة واحدة لجميع الأسهم، وأبين أن الآلية الحالية ليس لها فائدة على الإطلاق وأن سلبياتها عديدة. لقد كانت وحدة التغير في سوق الأسهم السعودية ريالاً واحداً منذ بداية تداول الأسهم بقرار تنظيم التداول في السوق عام 1984 حتى عام 1998 عندما تم تغييرها إلى ربع ريال، ومن ثم في أول عام 2006 وقبل انهيار سوق الأسهم بشهر واحد، أعيدت إلى ريال واحد، وبعد شهرين أعيدت مرة أخرى إلى ربع ريال! وفي عام 2008 أُعلن عن الفئات الجديدة المتمثلة بخمس هللات للأسهم التي أسعارها 25 ريالاً وأقل، وعشر هللات للأسهم التي أسعارها أكثر من 25 ريالا حتى 50 ريالا، ومن ثم 25 هللة لما فوق 50 ريالا. وقد بررت هيئة السوق المالية حينها أن التغيير إلى هذه الفئات يهدف إلى ""رفع كفاءة آلية تسعير الأسهم المتداولة وخفض التكلفة على المتداولين وزيادة السيولة في الأسهم"". إذاً نجد أن أهداف تعديل وحدة تغير الأسعار هي (1) رفع كفاءة آلية تسعير الأسهم. (2) خفض تكلفة التداول. (3) زيادة السيولة. الشواهد كثيرة والدلائل واضحة أن التغيير إلى هللة واحدة يحقق هذه الأهداف بشكل أفضل، وذلك من خلال تقليص الفارق بين سعري العرض والطلب، وبالتالي جعل الأسعار تتحرك بحرية كاملة، ما يرفع من مستوى السيولة. وهذا ما اكتشفته كثير من البورصات وعدد من الباحثين، منهم (مايكل شوارتس) من جامعة بيركلي في الولاياتالمتحدة، حيث وجد أن تقليص الفارق بين سعري العرض والطلب يحقق فوائد عظيمة منها أن الفارق الصغير يجذب صغار المستثمرين بسبب خفض تكلفة التداول، ويرفع من مستوى السيولة في السهم بإعطاء المتعاملين المرونة اللازمة لإدخال أوامر البيع والشراء بأسعار تفضيلية، ما يؤدي إلى تقليص التذبذب في أسعار الأسهم، ويساعد على استقرار الأسعار على المدى الطويل. علينا جميعاً أن ندرك أن إجبار المتداولين على إدخال أوامرهم، حسب فئات سعرية وضعت بشكل عشوائي توقعهم في خسائر هم في غنى عنها. على سبيل المثال، عندما يشتري شخص سهما بسعر 10.05 ريال، فإن سعر البيع الفوري يساوي عشرة ريالات، بسبب عدم توافر أي أسعار أخرى بين 10.00 و10.05. هذا يعني أن الخسارة الفورية تساوي نصف نقطة مئوية، بينما لو كانت الأسعار تتغير بالهللة، فإن الخسارة تكون فقط عُشر نقطة مئوية، وهذا يشكل فارقاً كبيراً ينتج عنه إحجام المتداولين عن البيع والشراء بحرية. كما علينا إدراك أن رفع وحدة تغير الأسعار تخدم فقط صنّاع السوق، وهي أحد الأسباب، التي جعلت بعض الأسواق العالمية تتمسك بها لفترة طويلة، نتيجة ضغوط صنّاع السوق على البورصات لإبقائها دون تغيير، لكون الفارق الكبير بين سعري العرض والطلب يخدم بشكل كبير صانع السوق، الذي يتمثل عمله في إدخال أوامر بيع وشراء في وقت واحد، ليتمكن من الشراء بسعر منخفض والبيع بسعر عال في الوقت نفسه. فقد يضع طلبات شراء بسعر 10.00 ريالات وطلبات بيع بسعر 10.05، فيحقق نصف نقطة مئوية بشكل فوري. وبحكم أنه لا يوجد في سوق الأسهم السعودية صنّاع سوق، فإن هذه الفائدة من الوحدات الكبيرة لتغير الأسعار غير موجودة، ما يعني حقيقة أن بقاء وحدات الأسعار بهذا الشكل لا يستفيد منها أحد، بل إن الوسطاء والمصارف لا يستفيدون من هذه الطريقة كونها تحد من السيولة اليومية، التي هي مصدر أرزاقهم. وقد كان في الماضي هناك سبب آخر لجعل وحدة تغير الأسعار كبيرة، نظراً للطريقة التقليدية التي كان يتم تداول الأسهم بها - قبل توافر الوسائل الإلكترونية - وذلك من خلال المزادات الصوتية، حيث كان المتعاملون ينادون أسعار الأسهم بألسنتهم، فكان لزاماً عليهم التقيد بعدد محدود من الأسعار، إلا أن هذا الأسلوب ليس له فائدة بوجود طرق تداول آلية تجعل من عملية تحديد السعر أمراً سهلاً للغاية. لا يختلف اثنان على أن جودة أسواق الأسهم تقاس بالمستوى العالي للسيولة اليومية، وانخفاض تكلفة التداول على جموع المتداولين، وانخفاض حدة تذبذب الأسعار، وهذه جميعاً تتحقق من خلال خفض وحدة تغير الأسعار إلى هللة واحدة، بل إن بعض الأسواق تتعامل بما يعادل جزءا من الهللة. ومهم أن نعي أن تسعير الأسهم بالهللة لا يعني إجبار المتداول بإدخال أوامره بالهللة، بل يستطيع أن يضع السعر كيفما يشاء، فإن أراد أن يتعامل بربع الريال فليجعل جميع أوامره خاضعة لوحدة ربع الريال أو يجعلها بنصف الريال أو حتى بالريال. عندما يقوم شخص بشراء سهم بسعر 15.75 ريال، فهو يقوم بذلك لأنه مجبر على دفع هذا السعر الذي يمثل أفضل سعر للعرض، بينما في الواقع قد يكون السعر الطبيعي، حسب موازين العرض والطلب، فقط 15.71 ريال. وبما أن هذا السعر غير متاح في قائمة الأوامر، فيضطر المتداول إلى دفع السعر الأعلى. كما أنه لا يستطيع أن يحسّن من سعر طلبه من 15.70 ريال إلى 15.71 لأن هذا السعر لا يمكن إدخاله في النظام. إذاً نجد أن جعل وحدة التغير هللة واحدة تشمل جميع الفئات السعرية وتناسب توجهات جميع فئات المتعاملين وترفع من السيولة اليومية وتقلل التكلفة على المتداول. ختاماً، إن بقاء وحدات تغير أسعار الأسهم بشكلها الحالي يوقع خسائر كبيرة بحق المتداولين - وإن كان كثير من المتداولين لا يدركون ذلك - ولا يخدم الأهداف التي تعمل هيئة السوق المالية لتحقيقها، إضافة إلى أنه لا يخدم مصالح الوسطاء والمصارف، ولا ينفع الفئة الوحيدة المستفيدة وهم صنّاع السوق، بسبب عدم وجودهم في السوق أصلاً، وبات من الضروري تغيير وحدة تغير الأسعار إلى هللة واحدة، لرفع كفاءة السوق السعودية ورفع مستوى العدالة والشفافية في السوق.