لقد أفرد الإمام الغزالي في كتابه احياء علوم الدين فصلاً مهماً في أسرار الصوم وشروطه الباطنة وقد لخص ذلك بقوله : إن صوم الخصوص هو صوم الصالحين وهو كف الجوارح عن الآثام وتمامه بستة أمور سأوردها ملخصة وبتصرف بسيط حتى يستفيد منها القارئ العزيز وهي : غض البصر وخاصة عما يشغل القلب ويلهي عن ذكر الله عز وجل ، وحفظ اللسان عن الهذيان والكذب والغيبة والنميمة والفحش والجفاء والخصومة والمراء وإلزامه السكوت وشغله بذكر الله تعالى وتلاوة القرآن ، والثالث كف السمع عن كل مكروه ورابعها كف بقية الجوارح عن الآثام ولا يستكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار وأخيراً أن يكون قلبه بعد الإفطار معلقاً بين الخوف والرجاء إذ ليس يدري أيقبل صومه فهو من المقربين أم يرد عليه فهو من الممقوتين ؟! وتلك مرحلة أولى من الصوم إذ أن الغزالي غفر الله له قسم الصوم إلى ثلاث درجات .. صوم العموم ، وصوم الخصوص ، وصوم خصوص الخصوص . أما صوم العموم : فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة كما سبق تفصيله . وأما صوم الخصوص ؛ فهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام . وأما صوم خصوص الخصوص : فصوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنيوية وكفه عما سوى الله عز وجل بالكلية ، ويحصل الفطر في هذا الصوم بالفكر فيما سوى الله عز وجل واليوم الآخر وبالفكر في الدنيا إلا دنيا تراد للدين ، فإن ذلك من زاد الآخرة وليس من الدنيا حتى قال أرباب القلوب : من تحركت همته بالتصرف في نهاره لتدبير ما يفطر عليه كتبت عليه خطيئة ، فإن ذلك من قلة الوثوق بفضل الله عز وجل وقلة اليقين برزقه الموعود ، وهذه رتبة الأنبياء والصديقين والمقربين ولا يطول النظر في تفصيلها قولاً ولكن في تحقيقها عملاً ، فإنه إقبال بكنه الهمة على الله عز وجل وانصراف عن غير الله سبحانه وتلبس بمعنى قوله عز وجل : { قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون } .. عزيزي القارئ .. الصوم صبر والصبر من دعائم الإيمان ونحن في هذا الشهر الكريم مدعوون إلى مائدة الرحمن في النهار بالصيام .. وفي الليل بالقيام وما أسعد من صام هذا الشهر وقامه إيماناً واحتساباً .