لم أتفاجأ بما نشرته صحيفة (عكاظ) يوم الأحد 18/6/1434ه نقلا عن عضوي المجلس البلدي في محافظة الجموم اللذين أبلغا سمو أمير منطقة مكةالمكرمة خالد الفيصل أن بلدية الجموم لا تحقق مطالب المواطنين كما أن البلدية قامت بسفلتتة أحد الشوارع المهمة قبل 48 ساعة من زيارة الأمير بينما كانت ترفض سفلتته منذ أكثر من عام!!. وقد أكدت آلة تصوير (عكاظ) صحة الخبر. قلت: لم أتفاجأ بهذا الخبر لأنني وسواي تعودنا على هذا النوع من الأعمال ومذ عشرات السنين وفي كل مدن المملكة وهذه الأعمال ليست مقصورة على الشوارع وحدها بل تعدتها إلى كثير من المرافق الأخرى التي قد يزورها كبار المسؤولين وعندما يحصل ذلك يقع ما يشبه الكرامات في كل تلك المناطق وتصبح الإصلاحات التي تنفذ بسرعة حديثا للمواطنين ولفترات طويلة. رأيت ولأكثر من مرة شوارع تعاد سفلتتها ورصفها وتشجيرها في بضعة أيام كما رأيت حدائق يعاد تشجيرها خلال ليلة واحدة!!. أما نظافة الشوارع فحدث عنها ولا حرج!!، ولكن كل الشوارع التي يعاد رصفها وتشجيرها هي التي سيمر بها المسؤول أما ماعداها فلا تطاله يد الإصلاح وكأنه ليس جزءا من المدينة بل وكأن المواطن الذي يستخدمه يوميا لاقيمة له.. بطبيعة الحال المسألة لاتتوقف على الشوارع أو الحدائق فعندما يرغب وزير الصحة مثلا في زيارة مستشفى فلا بد من العمل على إظهاره على أحسن صورة ومثله إن رغب وزير التربية والتعليم في زيارة بعض المدارس فانظر كيف يتسابق مدير التعليم مع مديري المدارس لإظهارها على أحسن صورة وكذلك إظهار طلابها على الهيئة التي ترضي الوزير الزائر، ثم ينتهي كل شيء بعد الزياره وتعود «حليمة لعادتها القديمة» وكأن شيئا لم يكن. مظاهر التمثيل والنفاق ليست طارئة على مجتمعنا، وقد عاصرت شيئا من ذلك عندما كان يزورنا مفتش من وزارة «المعارف» سابقا فيأمرنا مدرسنا ب «ترتيب غترنا» وتنظيف الأدراج وما شابه ذلك لكي يرضى عنه المفتش، وهكذا انتقلت مظاهر النظام إلى كثير من جوانب حياتنا ولازالت. لا أعرف إن كانت «هذه الحركات» تنطلي على المسؤولين أم لا ، ولكني أقترح أن تكون زيارتهم مفاجئة كما كان يفعل وزير الصحة غازي القصيبي رحمه الله وإن كان ذلك متعذرا في بعض الأحيان فيمكن تغيير خط السير دون إشعار مسبق وهذا يساعد على كشف عوار الشوارع وغيرها، وكذلك تغيير الأماكن المزارة هذا إذا أمكن وهذا أيضا يعطي الصورة الحقيقية عن أوضاع المدارس أو المستشفيات أو الجامعات وما شابه ذلك من المرافق التي تهم المواطن وهذا يساعد على إصلاحها والاستفاده منها بصوره أفضل. من اللافت للنظر حرص بعض المسؤولين على إظهار أعمالهم بصورة أكبر من واقعها وخداع المسؤولين لكي يكسبوا رضاهم هكذا يقول البعض ومع أن هذا العمل يسيء إلى مديريهم حيث يظهرهم بصورة الباحثين عن المنافقين والمخادعين وأنهم لا يتقبلون الحقيقة إلا أن هذا النوع من المديرين موجود وبكل أسف إذ استبعد أنهم جميعا لايدركون الواقع الحقيقي للإدارات التي يشرفون عليها. الدوله تنفق الكثير على المشروعات، خاصة ما يتعلق منها بتعليم المواطن وصحته ووسائل عيشه، فإذا كان هذا الإنفاق غير كافٍ فمن الإخلاص للوطن وللمسؤول إخباره بالحقيقة لكي يتدارك النقص ويكمله أما إذا قيل له : كل شيء على ما يرام وان المواطن لا يشكو من شيء فكيف يستطيع تدارك الخلل ؟!، وفي مثل هذه الحالات فإن من ينقل صورة مغايرة يستحق العقاب لأنه كذب أولا كما أنه أعطى صورة مشوهة عن صانع القرار ثانيا .. في بلادنا خير كثير «لا شك في ذلك» ولكن هنالك ما يطلبه المواطنون وهم في أمس الحاجة إليه فهل يسكت المسؤولون عنه؟!، قضايا الإسكان ، والغلاء ، وتحسين دخل الفرد والقضاء على البطالة وغير ذلك مما يهم المواطن، كل ذلك يجب الحديث عنه بصدق وإبلاغ صانع القرار عن علاقة تلك القضايا بحياة المواطن وهذا هو الإخلاص في العمل.. وبمناسبة الإخلاص هل يستطيع المسؤولون عن الأضرار التي أحدثتها السيول في معظم مناطق المملكة الحديث عن أسباب تلك الأضرار بوضوح ؟!!، وهل يستطيعون إقناع المواطن بجدوى تعليق الدراسة في معظم مدن المملكة بسبب أمطار لبضعة أيام بينما هناك دول أقل إمكانات من بلادنا تسيل فيها الأمطار عدة أشهر بينما تسير فيها الحياة بصورة طبيعية؟!، وهل يستطيعون القول: إن سبب تعليق الدراسة لم يكن بسبب الأمطار بل بسبب سوء البنية التحتية؟، أين المليارات التي تنفق على تصريف السيول ؟، ولماذا لا تقاوم بعض السدود الأمطار فتنهار وتحدث كثيرا من الأضرار؟، ولماذا تدخل الأمطار بعض الأنفاق فتغرق من فيها من الناس؟، العلة ليست في الأمطار بل في سوء تنفيذ بعض المشاريع وانتشار الفساد وقلة المحاسبة.. الأمير خالد الفيصل أكد أنه غير راضٍ عن الأعمال التي قدمها هو والمسؤولون معه لأنه كان بالإمكان تقديم الأفضل لتحقيق رضى المواطنين وهذه رؤية إدارية جيدة فالذي يبحث عن الأفضل دائما هو الذي يستطيع تحقيقه غالبا ولكن تحقيق الأفضل بحاجة إلى أناس يضعون خشية الله أمام أعينهم ويبتعدون عن المظاهر الكاذبة، وأيضا إلى مسؤولين يتابعون مرؤوسيهم سرا وعلانية.