ما حدث في جامعة الملك خالد وضَعَنا أمام قضية تتطلب وقفة متأنية وحازمة في ذات الوقت حيال هذا الوضع المُستحدث في بيئتنا ؛ فأي سلوك يكون مصدره الحرم الجامعي يعكس واقعاً يتعاطاه الجميع داخله . إن البحث عن الدوافع التي جعلت من طالبات جامعة الملك خالد يقمن بمثل هذا الفعل أمرٌ تفرضه أهمية معرفة حقوق الطلاب والطالبات المسلوبة – على حد تعبيرهم - أولاً والمحافظة على هيبة الجامعة ثانياً ، ومن ثم يأتي دور المحاسبية لجميع الأطراف المُتسببة في ذلك. من وجهة نظري أرى أن الخطأ مُشترك بين الجامعة ممثلة في إدارتها وكوادرها التربوية والإدارية ، وبين الطالبات اللائي لم يُحسنَّ التعامل الإيجابي مع ما يعانينه من ضياع لحقوقهن ؛ لذا يجب على الجامعة – أي جامعة – أن تعي التحولات التي يمر بها مجتمعها المحيط ، وتتعاطى معها بإيجابية ، ولعل من أولها أن يكون التعامل مع طلابها قائماً على الإيمان الكامل بأن خدمة الطلاب هي الأصل في وجودها ؛ ناهيك عن الاحترام المتبادل، والبعد عن الممارسات المُنطلقة من تضخم الأنا لدى البعض من مسئولي الجامعة ، والتي تؤدي إلى تداعيات سلبية تُوتِر العلاقة بين الأطراف المُكوِّنة للجامعة ، كما يجب أن يعي مسئولو الجامعات أن ثمة أجيالا موجودة داخل حرمها ، وقادمة إليها تنظر للأمور نظرة مُغايرة للاستراتيجيات المُتَّبَعة في تسيير أمورها الآنيِّة ، الأمر الذي يعني أن العودة لقراءة الواقع بموضوعية ورسم خارطة طريق تتواءم مع نمط التفكير الجديد للطلاب لابد أن يكون من أولويات تخطيطها المستقبلي بهدف توفير بيئة جاذبة وتفاعلية تمنح كل ذي حق حقه ، وفي الجانب الآخر يجب على المستفيدين من خدمات الجامعة – الطلاب والطالبات – أن يحترموا هيبة الجامعة ، ويحفظوا لأساتذتها قدرهم ، وأن يُعبِّروا عن استيائهم مما يُقدَم لهم بأسلوب حضاري يعكس أنهم يحملون وعياً ونُضجاً يتماهى مع انتمائهم لمنظومة مؤسسات التعليم العالي ، أما أن يتحول طلاب وطالبات الجامعة إلى غوغائيين في مُطالباتهم ، ومُخرِّبين لممتلكات ومرافق جامعاتهم، فهذا لا تُقره الأعراف الجامعية في المُجتمعات المُتحضرة. ومع يقيني بأن سلوك الطالبات في جامعة الملك خالد له مسبباته من الناحية السيكولوجية ، وما تحويل أحد مسئوليها الكبار للتحقيق إلا دليل على ذلك ، إلا أن تجمهرهن بالشكل الذي شاهدناها حوَّل القضية من مُشكلة داخلية إلى قضية رأي عام، اتخذتها بعض الأجندة الإعلامية الموبوءة كنافذة لبث سمومها تجاه وطننا والتشكيك في وطنيتنا. إن المعالجة المؤقتة للوضع لا تزيد الأمر إلا تعقيداً على المدى البعيد ، لذا يجب اجتثاث المُسببات من جذورها ؛ لكي لا تبقى المُشكلة كالبركان الخامل القابل للإنبعاث متى ما تعرض لأية نتوءات ، لذا يجب عدم اقتصار المحاسبة على مسئولي الجامعة فقط ، بقدر ما يجب أن تطال الطالبات المُتسببات في هذه الأحداث ؛ ليكونوا – مسئولين وطالبات- عبرة لغيرهم من اللامبالين بالمصلحة العليا للوطن ، الذي يُعِد هذه المعاقل التربوية مصانع لإعداد وتأهيل سواعده التي يُعوِّل عليها تعاظم دورها في إضافة تراكمية لمسيرته البنائية.