إذا كانت الكتابة عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصعب المهام على كتّاب الصحف بسبب حساسية البعض من التطرق لسلبيات أو إيجابيات هذا الجهاز، فإن الأصعب من ذلك أن تكون رئيساً للهيئة إذ أن اللحظة التي تجلس فيها على كرسي هذه المسؤولية سيتحول إلى محط أنظار طرفي أي نزاع حول الاختلاط أو عمل المرأة أو تقييم السياحة وربما أسعار البورصة نحوك..! كان الله في عون معالي الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ الذي رافق إعلان توليه منصب رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكثير من الحديث والجدل و بدأ بعض أطراف النزاع في الأمور الخلافية يفتح ملفاته القديمة مستشهداً بآرائه في هذه القضية الخلافية أو تلك، ومحاولة قراءة نواياه وإصدار الأحكام على إدارته قبل أن يباشر عمله. أما معالي الشيخ عبداللطيف فقد استهل عمله بقرار وقف المتعاونين وضبط أدوات العمل الميداني، كما وجه نصيحة للعاملين في الهيئة بحسن التعامل مع الناس، وفي نظري وربما الكثيرين أنه لو تم فعلاً تطبيق هذا القرار بحذافيره (كما فهمته) لانتهت مشكلة الهيئة مع غالبية سكان المملكة مواطنين ومقيمين وزوار. أجزم بأن الجدل المثار دائماً حول الهيئة نابع عن غموض آليات عملها، وإحساس شرائح من المجتمع بأن وظائف هذا الجهاز تتداخل وتُزاوج بين السلطة النظامية و القداسة الدينية ليصبح من الصعب مراقبتها ومحاسبتها والتعامل معها وضمان ردة فعل منتسبيها فكل الإحتمالات مفتوحة لكن الشيطان كما يُقال دائما ما يكمن في التفاصيل، فضعف الأداء أو تصرف البعض باندفاع وتشدد مبالغ فيه أو الأخذ بالشكوك يكثر في تصرفات المتعاونين بلا شك، لكنه لا يقتصر عليهم، خاصة في ظل كون الهيئة من الجهات الحكومية التي تمارس التحري وإصدار الحكم وتطبيقه أحياناً دون أن تعلن نظاماً واضحاً يحكم أعمالها. الهيئة أيضاً بحاجة لضبط أدوات العمل الميداني كما أشار رئيسها الجديد، لكننا بحاجة لإعلان ماهية الضبط المنتظر، و ماهي الأدوات الميدانية وقبل ذلك ربما يشاطرني المسؤول الأول عن الهيئة بأنها تحتاج لوضع أهداف واقعية وواضحة ومعلنة للجميع. وبناء على هذه الأهداف يتم تفصيل النظام المناسب ووضع مقاييس الأداء التي لاتخضع للعاطفة، ويمكن بذلك تقييم أداء كل موظف بشكل صحيح ومحاسبة المخطئ في عمله، وهو ما سيؤدي بالضرورة لتقليل مساحة النقد الذي يواجه الهيئة (بالرغم من كثير من الأعمال الرائعة التي تقوم بها)، ذلك أن العمل سيتحول من القداسة وإتاحة الاجتهاد المطلق إلى نظام مقنن يتم نشره ويتضمن قائمة بأعمال الهيئة وتحديد المخالفات بالتفصيل ولائحة العقوبات الخاصة وطريقة تنفيذها. وأجزم بأن الجدل المثار دائماً حول الهيئة نابع عن غموض آليات عملها، وإحساس شرائح من المجتمع بأن وظائف هذا الجهاز تتداخل وتُزاوج بين السلطة النظامية و القداسة الدينية ليصبح من الصعب مراقبتها ومحاسبتها والتعامل معها وضمان ردة فعل منتسبيها فكل الإحتمالات مفتوحة. أمر آخر لايجب إغفاله هو إلزام موظفي الهيئة بعدم الإقدام على النصح أو إلزام الناس فضلاً عن تطبيق عقوبات في مسائل خلافية لم يثبت حرمتها بشكل قاطع فليس من المطلوب على رجل الهيئة أن يجبر الناس على ترك رأي صاحب اجتهاد فقهي معين ليلتزم برأي صاحب اجتهاد فقهي آخر (وإن رأى ذلك)، و ليس مطلوباً من جهاز الهيئة فرض الإلتزام بالسنن أو تحويل المجتمع البشري إلى قرية فاضلة، فهذا الأمر بيد الله وحدة، ولم يتحقق على يد الأنبياء فضلاً عن عامة البشر. ومن المفترض أن لا يكون من مسؤوليات هيئة الأمر بالمعروف القيام بأعمال التحريات أو التحقيق في الجرائم، بقدر ما أن تشكل جهازاً لنشر الثقافة الإسلامية وطرح نموذج حضاري يقبله المجتمع في هذا القرن، دون إخلال بثوابت الدين الإسلامي أو الخروج على النصوص الصريحة التي لا تحتمل التأويل. أخيراً ندعو الله أن يكون استلام الدكتور آل الشيخ هذه المهمة يمثل نقطة التحول في عمل هيئة الأمر بالمعروف لتنسجم مع متطلبات المرحلة التي نعيشها وتحقق طموحاتنا وآمالنا جميعاً، وحين ذاك لن يسأل أحد حينما يشاهد سيارة هيئة الأمر بالمعروف تتجه قريباً من سوق ما أو منزل ما إلى أين تتجه كأن وجودها بالضرورة نذير سوء؟ وهي ليست كذلك.. تحياتي،،