"الحياة الفطرية" تؤكد: جراء الذئاب الرهيبة المعلن عن ولادتها مجرد ذئاب رمادية معدلة وراثيًا    القبض على باكستانيين في جدة لترويجهما كيلوجرامين من مادة (الشبو) المخدر    الإعلام الإيطالي يتحدث عن عرض الهلال لإنزاغي.. وموقف مدرب إنتر ميلان    رئيس مصر يؤكد ضرورة بدء إعادة إعمار قطاع غزة دون تهجير سكانه    استعدادا للحج.. الداخلية تعلن إجراءات المحافظة على سلامة ضيوف الرحمن    حج 1446 الأخير في فصل الصيف لمدة 16 عاما    تحت رعاية ولي العهد.. انطلاق مؤتمر مبادرة القدرات البشرية غدا    الصحة تدعو للمشاركة في أكبر فعالية مشي تُقام بالمملكة    جمهور الاتحاد يصنع المجد وينافس نفسه!    بتنظيم من وزارة التعليم "زين السعودية" الراعي الرقمي للمعرض الدولي للتعليم (EDGEx)    انطلاق فعاليات معرض الشرق الأوسط للدواجن بنسخته الرابعة الاثنين المقبل بالرياض    الاتحاد الآسيوي لكرة القدم يؤكّد استمرار دعم الاتحادات الوطنية والإقليمية    "المنافذ الجمركية" تسجّل أكثر من 890 حالة ضبط خلال أسبوع    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. جائزة الملك فيصل تكرّم بعد غدٍ الفائزين بها لعام 2025    وفد البرلمان العربي يزور مكتبة البيروني في طشقند    الراجحي يتعرض لحادث في رالي باها الأردن    المؤتمر الصحفي لانطلاق الملتقى العالمي للورد الطائفي    تشكيل النصر المتوقع أمام الرياض    تجمع صحي دولي في أبوظبي يبحث تحديات الصحة العالمية    ضبط (18669) مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل في مناطق المملكة خلال أسبوع    فريق صُنّاع التميز التطوعي ينفذ مبادرة "عساكم من عوّادة" بالتعاون مع جمعية الإعاقة السمعية في جازان    دعوى أمريكية تطعن في عقوبات ترامب على المدعي العام للجنائية الدولية    "فيفا" يطرح تذاكر إضافية لمباريات كأس العالم للأندية في أمريكا    انطلاق فعاليات مؤتمر القصيم الأول لطب الأسرة    انزلاق طائرة بعد هبوطها واصطدامها بسور مطار فاس في وسط المغرب    البيت الأبيض يعترف بصعوبة التفاوض على صفقات تجارية متعددة    الهلال يتعادل مع الاتفاق    اتحاد القدم يختتم دورة المحاضرين في الرياض بحضور 33 محاضراً ومحاضرة    FreeArc سماعات بخطافات للأذن    أمين عام غرفة جازان: تتويج الغرفة بجائزة التميز المؤسسي ثمرة سنوات من التحديات والتطوير    مشامر الجلوات السبع صناعة هندية وطقوس سعودية    هرمون التستوستيرون عند النساء    الجاسر ريادة المعرفة والتنوير في قلب الجزيرة العربية    شركة "لسان الميزان – محامون ومستشارون" تستقبل الدكتور محمد بادغيش في جازان    أمين منطقة القصيم يلتقي مدير مكتب جمعية الوداد الخيرية بالمنطقة    قطاع ومستشفى ظهران الجنوب يُفعّل "التوعية بالقولون العصبي"    مستشفى أحد رفيدة يُنفّذ فعالية "اليوم العالمي للصحة"    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة وهيئة التراث توقعان مذكرة تفاهم    جامعة الأميرة نورة تمنح حرم خادم الحرمين الأميرة فهدة آل حثلين درجة الدكتوراه الفخرية في المجال الإنساني والأعمال الاجتماعية    مشروع الأمير محمد بن سلمان يُجدّد مسجداً عمره 13 قرنًا    في الخبر.."جوازك إلى العالم" تنطلق بالثقافة السودانية    الحياة الفطرية تُطلق 25 كائنًا فطريًا مهددًا بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية    90 دولة تشارك بمهرجان الثقافات والشعوب    محافظ بيش ينقل تعازي سمو أمير منطقة جازان وسمو نائبه لذوي الطالب معاذ شيبة    محافظ الطوال يعزي أسرة المرحوم الشيخ عبدالرحمن بن حسين النجمي    كنوزنا المخبوءة    «السمان».. زائر موسمي للشمالية    اعتبرها مراقبون ممارسة لإستراتيجية الضغط قبيل التفاوض.. واشنطن تفرض عقوبات جديدة على إيران    ولادة ظبي رملي بمحمية الأمير محمد بن سلمان    ولادة أول ظبي رملي لموسم ربيع 2025 في السعودية    الصين تنفي إرسال جنود للمشاركة في الحرب بأوكرانيا    الاحتلال يقتحم نابلس موسعا عدوانه بالضفة الغربية    حين يتصدع السقف    مملكة الخير وميلاد قطب جديد    الحسد    سطوة المترهلين في الإدارة    أمير حائل يستقبل رئيس الهيئة العليا للحج والعمرة بجمهورية العراق ووزير الحج والعمرة    النقل الإسعافي يستقبل 5 آلاف بلاغ بالمدينة المنورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلام حلاً
نشر في أنباؤكم يوم 15 - 11 - 2011

د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف - الجزيرة السعودية
يخلط البعض، إمّا لقصور منهجي أو لحماسة عاطفية، بين وحدة القرآن ككتاب حفظه الله ووحدة التوجُّهات الإسلامية إنْ عمودياً أيْ تاريخياً، أو أفقياً أيْ جغرافياً، تحت مسمّى واحد هو الحل الإسلامي. والواقع، كلاماً عن الإسلام السياسي، أن ليس هناك إسلام واحد موحّد أحاديّ التوجُّه...
..فآية {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} نزلت من أجل المشاورة وتقريب وجهات نظر مختلفة منذ زمن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام الذي اتخذ ذلك منهجاً. فالإسلام دين يسر وفسحة في وجهات النظر. وتداولت على الأمة أمم وسياسات كلها ادّعت قرباً من الإسلام ومقاربة له كلٌ على طريقته: أمويون، عباسيون، بويهيون، عثمانيون، صفويون إلى آخر القائمة. فالكلام عن حل الإسلامي أحادي لا يعدو كونه طرحاً عاطفياً أكثر منه واقعي، وما قد يستحسن عنه الكلام حلول تتمثل وتستحضر تجارب إسلامية بعينها. فلو قلنا مثلاً إنّ الإسلام أرسى أسس العدل، فهذا مبدأ عام مهم ملم يتبعه تفصيل عملي بكيفية تحقيق ذلك على أرض الواقع.
اليوم نقف أمام تجارب إسلامية مختلفة، منها من يدعو إلى تعايش إسلامي مع دساتير تدّعي صراحة أنها علمانية مثل تركيا، ومنها ما يغرق في تطبيق نبوءات مذهبية تنسب للإسلام مثل الحكم الشيعي في عراق الأمس وإيران اليوم، ومنها من يتوسّل بالإسلام كدين للسلطة السياسة كالإخوان المسلمين والسلفيين وغيرهم الذي يقدمون في الدين جانبه السياسي على الجوانب الأخرى.
بالأمس فاز حزب النهضة في تونس فيما يمكن وصفها دون أية مواربة بأنزه انتخابات في تاريخ الأمة الإسلامية، وقفز الكثير فوق واقع الحال إلى حال من التوقُّع بعموم هذه التجربة في عالمنا العربي المسلم فيما يتبع ما سمُّي مجازاً بالربيع العربي. هذه النظرة المعمّمة التي تنطلق من البحث عن انطباق تصوُّراتها على الواقع عوضاً عن أن ترى الواقع وتقارنه بالتصوُّرات، تقع دائماً في الخطأ المنهجي من التعميم المخل.
ما حدث في تونس، وهي في حالة ارتباك لا تحسد عليه، هي أنّ الشعب التونسي، الذي مثله مثل أي شعب عربي آخر في أحوال ثقافته وأميته، لم يخرج بعد من دائرة شخصنة الأمور، صوت للغنوشي كشخصية إسلامية موثوقة وليس لبرنامج إسلامي موثوق يقوده حزب النهضة، فالحزب لا يزال يتلمّس طريقه في مواءمة الاتجاهات السياسية المختلفة في البلاد ضمن إطار إسلامي. وهنا لا مناص من القول من أنّ الغالبية العظمى من الشعب التونسي التي تملأ الصناديق بأوراق الاقتراع، قد لا توافق النخب السياسية التي أحدثت التغييرات في تونس. وهذه هي ببساطة اللعبة الديمقراطية في بلد بقي قروناً خارج دائرة الممارسة السياسية الديمقراطية.
ولو تركنا القضية التونسية لتجربة أقدم منها قليلاً وأكثر منه تمكناً من تلابيب السلطة، تجربة تدّعي أيضاً وصلاً وصلة بالديمقراطية، الديمقراطية الإسلامية تحت ولاية الفقيه، وترى في أنّ السماح للبعض بإسقاط الأوراق في صناديق الاقتراع ديمقراطية شاملة. وهذه التجربة هي التجربة الإيرانية التي تمثل جانب الإسلام الشيعي من المعادلة. فللتذكير، كان سقوط الشاه مدوّياً بشكل خارق لنواميس سياسة تلك الحقبة، وكان الغرب يهيئ الخميني ويحرسه ويحافظ عليه ليتسلّم السلطة ويقضي على اليسار الإيراني القوي آنذاك، بما في ذلك اليسار الإسلامي المتجسّد في مجاهدي خلق الشاخصة أمامنا اليوم في العراق. ولم يكن لآية الله خميني أي قدسية آنذاك بل كان فقيهاً بلا ولاية، ولا يمكن مقارنتها بما أسقط عليه من قدسية فوق - بشرية تتناقلها الأجيال اليوم بالتسليم له على أنه ولي فوق جميع الفقهاء، نظرة ميثولوجية مدعومة بغياب الشخص وبقاء الهالة الشخصانية. وهنا نترك الكلام لأريك رولو، الصحفي الفرنسي المخضرم وأكثر الصحافيين قرباً من الخميني، ليوضح لنا جوانب من شخصيته كما سردها في برنامج وثائقي تلفزيوني.
يذكر رولو أنّ الخميني في بداياته السياسية كان شخصاً أكثر تواضعاً، من الناحية السياسية، منه بعد عودته لإيران على متن طائرة إير فرانس برفقة أبو الحسن بني صدر، وصادق قطب زادة، الأول اتهم بالعمالة لفرنسا وهرب لها فيما بعد، والثاني بالعمالة لأمريكا وتم إعدامه لاحقاً!! يستغرب إريك رولو من الخميني الذي يحفظ القرآن وعاش في العراق ردحاً طويلاً من الزمن، أي يعرف العربية مثل أهلها، رفض الإجابة على أي من الأسئلة الموجّهة له باللغة العربية، لغة القرآن، وأصر على الإجابة باللغة الفارسية بواسطة المترجم. وكان عندما يُسأل، والكلام لرولو، يجيب بإجابة مختلفة تماماً عما سُئل، وعندما سأله رولو إذا ما كان لم يفهم السؤال، أجاب، بالفارسية عبر المترجم، فهمت وما سمعته هو جوابي. فالمرحلة لا تحتمل التواضع، ولذلك جزم رولو في مقابلته بأنّ الخميني كان قومياً فارسياً أكثر منه فقيهاً إسلامياً، أي غلبت فارسيته إسلاميته. فنحن أمام نمط إسلامي مفرط في قوميته.
والمهم في سياقنا هو أنّ الالوقارشية الدينية في إيران التي استولت على السلطة بمساعدة الغرب كأخف الضررين بالنسبة لمصالحه حينئذ، كان لها أجندة تختلف في شكلها ومضمونها عما كان يراد لها. صمت الغرب، عن غباء أو عمى سياسي، لا يهم، عن إعدام مئات الآلاف من حزب تودة الشيوعي، ومثلهم من الليبراليين والمسلمين الذين لا ينسجمون مع لوحة السلطة الدينية التي كانت ترسم آنذاك، وهي لوحة سياسية دكتاتورية تنطلق من مفهوم ولاية الفقيه والإقصاء العنيف لكل ما يخالفها حتى من داخل المؤسسة الأثني عشرية ذاتها. فحسب الرؤية التاريخية لفريق من المذهب الجعفري كان لا بد من ولي فقيه معصوم من الخطأ يمسك بالسلطة لحين عودة الإمام الغائب تمهيداً لعودة المهدي المنتظر, وتم إسقاط هذه الصورة على الإمام الخميني وسط انبهار عموم الشعب الإيراني المعمي بالقهر وفرحة سقوط الشاه، السقوط الذي اعتبره الكثير من الإيرانيين معجزة إلهية أسهمت في إسقاط جوانب من الذات الإلهية على ملهم هذا السقوط الذي لابد أن يكون فقيهاً معصوماً. فلو لم يكن الخميني موجوداً لاخترع ليكون، ولولاه لاستحالت تولية خامنئي كولي فقيه اليوم. وهنا يتضح التمازج الغريب بين ما هو مقدس شيعي ومدنس قومي، سياسي، توسعي.
وبما أنه لا يمكن استخلاص الدروس والعِبَر من العناوين الرئيسية والشعارات، لأنها تظل شعارات عمومية إسلامية لا تختلف عن سابقتها القومية التي أصبحت اليوم محل التندُّر، فالتجارب الرئيسة الثلاث التي يجسِّدها وصول قوى إسلامية لسدّة السلطة، بالرغم من أنه قد يجادل البعض محقاً، بأنه من المبكر الحكم على التجربة التونسية، لا تجسّد الإسلام ككل. فالإسلام كتاريخ وثقافة وصراع، يختلف كما قلت سابقاً، عن كتاب الله المحفوظ وعن العقيدة الإسلامية. وتداخل الدين مع السياسة لا يلغي أو يحجم السياسة لحساب الدين، بل قد يقود لحركة معاكسة كما حصل في تركيا حيث احتلت التنمية، والاستقرار، والوحدة الوطنية أولوية على بعض القضايا الإسلامية الأخرى التي يرى بعض المسلمين بأنّ تركيا تتجاوزها أو فلنقل تتجاهلها. فيوجد في تركيا أكثر من ربع السكان من الشيعة الذين لا يرغبون باستبدال نموذجهم المنفتح بالنموذج النجادي الصارم المنغلق حيث تحجم السياسة الدين.
نحن بلا شك، بما فينا من أخوة مسيحيين ويهود وصابئة وغيرهم، أمة مسلمة ديناً وثقافة، ولكن التاريخ يظهر لنا أننا إذا خلطنا الدنيوي بالإلهي بهدف سيطرة أحدهم على الآخر نؤول إلى مآلات ليس لها أول ولا آخر من التمزُّق والتشرذم، ومحاولة الابتعاد عن ثقافة إسلامية متسامحة متأصلة فينا لأكثر من خمسة عشر قرناً، وهذا خطأ لا يقل فداحة عن سابقه. ففي علم البيولوجيا الاجتماعية، وهو علم حديث، تؤثر العوامل الثقافية الاجتماعية للإنسان على مدى التاريخ المتواصل في التركيبة البيولوجية للجينات الدماغية والعصبية للإنسان بحيث تعدل في تركيبتها وتوازنها، ولذلك عند ما وضع رولو آية الله الخميني أما خيار فهمه الأخير على أنه خيار بين القومية الفارسية أو اللاقومية الإسلامية، اختار الأولى على الثانية، لأنّ الوجدان الفارسي تشرب الشعوبية عبر التاريخ الفارسي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.