بالرغم من احترامي وتقديري للأستاذ مجدي أحمد حسين أمين عام حزب العمل (الإسلامي) والمرشح لرئاسة الجمهورية في مصر باعتباره صحفيا وسياسيا صاحب رسالة ناضل لعقود في وجه الظلم والطغيان وتحمل عناء القمع والسجن والكبت في سبيل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. إلا أن الخطوة الأخيرة التي أقدم عليها بزيارته طهران والالتقاء بمسؤولين سياسيين كبار عقب إعلانه عن نيته الترشح للانتخابات الرئاسية هي بكل المقاييس سقطة سياسية ستكون تداعياتها كبيرة عليه إن لم يستطع تدارك الأمر سريعا. فإذا كان السيد مجدي يجهل نوايا إيران ومطامعها الغير خافية في المنطقة فليس من الصواب زيارة دولة علاقاتها متوترة مع البلدان العربية في هذا التوقيت حيث تتهمها بلدان الخليج بالتدخل في سياساتها الداخلية عن طريق اللعب على وتر الطائفية وتحريك الأقليات الشيعية ذات الولاء السياسي لمرجعياتها الدينية في طهران وقم. وبعيدا عن الشق المذهبي في الموضوع والخلاف التاريخي بين السنة والشيعة فإن ثمة حقائق تُظهر الأحقاد الفارسية تجاه العرب كإرث تاريخي قامت عليه إيران يحمل بغضا وحقد دفينا متأصلا يغلفه التشيع كستار من أجل إعادة الأمجاد الفارسية التي أبادتها الفتوح العربية. ولعل من المناسب جدا الاستماع إلى شهادة المفكر الكويتي الدكتور عبد الله النفيسي عن نظرة إيران للعرب وهي شهادة خطيرة تستحق المزيد من إلقاء الضوء عليها نظرا لقربه من صناع القرار ورجال الدين الإيرانيين على مدار عقود طويلة حيث يقول في محاضرة ألقاها بجامعة الكويت تحت عنوان (موجة التغيير الشعبي في الوطن العربي السياق والدلالة في جامعة الكويت) يوم الأحد 15/4/1432 الموافق 20/3/2011 ما نصه: كنت من الناس النوادر الذين حرصوا على زيارة إيران على مدى زمن طويل بسبب تخصصي في موضوع الشيعة والتشيع ؛ لأن أطروحتي (الدكتوراه) كانت "الدور السياسي للشيعة في تطور العراق السياسي الحديث" ، وهذا الموضوع ألزمني بالذهاب إلى العراق ، وكنت في ضيافة السيد محسن الحكيم في النجف ، وهذه الضيافة استمرت ستة أشهر هناك ، وكنت ألتقي بكل علماء الشيعة ، ورأيت الخميني سنة 1968 قبل الثورة بعشر سنوات ، وجلست في حلقة من حلقاته ، وتكلمت معه وكان في عز عنفوانه وشبابه . وكان عبدالعزيز الحكيم ، ومحمد باقر الحكيم ومهدي الحكيم الذي قتل في الخرطوم فيما بعد ، كل هؤلاء كنت على تماس يومي معهم وكتبت أطروحتي ثم أصبحت مهتما بالشؤون الإيرانية ، وجئت إلى الكويت ، وكنت أزور سنويا النادي الدبلوماسي في طهران المرتبط بوزارة الشؤون الخارجية (دفتر مطالعات سياسي بيني مللي) حاضرت في هذا المركز لسنوات عديدة ، والتقيت في إيران بكل أطياف المسؤولين من المرشد خامنئي الذي زرته في بيته وقعدت معه وأخذت وأعطيت معه في الكلام حول شؤون الخليج ، إلى ناطق نوري ، وخاتمي ورفسنجاني وروحاني ومهدوي كميل إلى مجموعات هائلة من الأساتذة في جامعات إيران (داي شكاه شيراز وداي شكاه طهران وداي شكاه أصفهان ) وهذه جامعات زرتها كلها ، وحاضرت فيها ، وولايتي وعباسي كل هؤلاء من الشخصيات الإيرانية التقيت بهم وجلست معهم وآكلتهم وتناقشت معهم ، وأستطيع أن أزعم من خلال هذه التجربة أني أعرف إيران من الداخل . كل هؤلاء من المرشد إلى أصغر موظف في الخارجية إلى كبار الضباط في الجيش إلى الحرس الثوري إلى وزارة الاستخبارات - وكانوا يحضرون محاضراتي عبدالله نوري وجماعته - كل هؤلاء تجمعهم مسألة واحدة وهي أن دول الخليج تابعة لإيران أساسا تاريخيا ، والأمر الثاني أن هناك ثأرا تاريخيا بيننا وبينكم أيها العرب الذين غزوتمونا بما تسمونه الفتح الإسلامي وقضيتم على حضارتنا الفارسية ، ونحن الآن سنحت لنا الفرصة للأخذ بهذا الثأر التاريخي . كلهم مجمعون على هذا الكلام . يستعملون في إيران التشيع كحصان طروادة وليس اعتقادا للتشيع . فالتشيع عربي في الأصل وليس إيرانيا ، والذين نقلوا التشيع إلى إيران هم عرب . ولذلك إيران ترى الوسيلة الوحيدة لاختراق العرب هي التشيع مع أن دولتهم دولة قومية فارسية . ويواصل النفيسي قائلا: جمعتني سنة 2002 قبل احتلال العراق جلسة مع محمد باقر الحكيم فبعد أن ألقيت محاضرتي السنوية في النادي الدبلوماسي في طهران ، ورجعت إلى الفندق تلقيت اتصالا من محمد باقر الحكيم ، واستضافني فأرسل إلي سيارة (جراند زادي) وأخذتني إلى بيته ، وجلسنا معا بيننا طبق مأكولات إيرانية ، فأغلق الباب والشبابيك ، وقال لي : يا عبدالله نحن استضفناك ستة أشهر في بيتنا ، أنا أحس أن الإيرانيين اضطهدونا ، فطلبت منه أن يخفض صوته لئلا يسمعه أحد وقلت له : نحن نعتبركم في العالم العربي والخليج عملاء لإيران ، فقال : ياليتهم يعاملوننا كعملاء لإيران ، إنهم يذلوننا لأننا عرب ، وقد اكتشفت بأنهم فرس ، والتشيع بالنسبة لهم حصان طروادة لاختراق العالم العربي . فقلت له : وماذا ستفعل ؟ فقال : أول خطوة سأقوم بها حين أعود إلى النجف أن أحول المرجعية إلى مرجعية عربية بدل المرجعية الفارسية فالسيستاني كان موجودا وقتها في النجف وجوازه إيراني وجنسيته إيراني وهو من سيستان ولذلك مقتل محمد باقر الحكيم له علاقة بهذا . واتهام القاعدة بذلك ليس صحيحا ، فليس للقاعدة أي مصلحة في اغتيال الحكيم .ويضيف: في ضوء هذا كله لابد من أخذ الحذر كما أرشدنا القرآن {وخذوا حذركم} ، ولا سيما بعد مواقف إيران من البحرين ، وتفاصيل ماحدث في البحرين ، فالتحدي الأساسي لدول مجلس التعاون هو إيران . وصدر مؤخرا كتاب ألفه رجل أعمال إيراني مقيم في تكساس اسمه تريتا بارسي كان مبعوث الحكومة الإيرانية إلى إسرائيل وإلى أمريكا ، كتبه بالإنجليزية ونقل إلى العربية في لبنان ، عنوانه (التحالف الشرير بين أمريكا وإسرائيل وإيران) ذكر فيه معلومات بأسماء وتواريخ وأماكن واجتماعات بين الأطراف الثلاثة بهدف التآمر على الدول العربية في الخليج . وأنت إذا جلست مع الإيرانيين وخبرتهم لم تجد عندهم عداوة لليهود ، بدليل معابد اليهود في طهران ، هناك شارع منو شهري ، شارع تباع فيه التحف ، وفيه معابد لليهود ، بينما أهل السنة يمنعون من إقامة مسجد واحد في طهران .ا. ه إلى هنا انتهت شهادة الدكتور عبد الله النفيسي التي كونها عبر عقود من الزمن ولكن ثمة حقائق أخرى يجب النظر إليها بعين الاعتبار وتتعلق بحقوق الأقليات والقوميات المختلفة المؤلفة للنسيج الإيراني. تتضارب الإحصائيات حول العدد الحقيقي الذي يشكله أهل السنة في إيران ففي الوقت الذي تشير فيه الإحصائيات الحكومية إلى أن أهل السنة يشكلون 10% فقط من النسيج المذهبي الإيراني تؤكد مصادر السنة هناك إلى أنهم يشكلون نحو عشرين مليونا أي ما يقارب من ثلث السكان البالغ عددهم نحو 70 مليوناً، مما يعني أنهم ليسوا أقلية يسيرة ولا فئة مهمشة الأمر الذي يستدعي معه حقوقاً وواجبات ومشاركة ملحوظة على سائر المستويات، إلا أن الواقع يقول أن هؤلاء المواطنون الإيرانيون لا يتمتعون بأبسط الحقوق الآدمية فضلاً عما يتعلق بالحريات الدينية والمشاركة المجتمعية والسياسية في إيران، فلا يوجد مسجد واحد للمسلمين من الطائفة السنية في العاصمة طهران بالرغم من أن عددهم يقارب المليوني نسمة ، في الوقت الذي يمتلك فيه اليهود 76 كنيساً مع كونهم لا يتجاوزن خمسة وعشرون ألفاً في إيران بأكملها، ناهيك عن الكنائس المخصصة للنصارى وحتى البهائيين يمتلكون معبداً في طهران . وليست طهران وحدها التي لا يوجد بها مسجد للسنة فهناك عدد آخر من المدن الكبرى كأصفهان و يزد و شيراز وساوة و كرمان لا يوجد بهم مساجد سنية لكونه لا يسمح لأهل السنة ببناء مساجد في الأماكن ذات الأكثرية الشيعية. بالطبع لن يتوقف الاضطهاد الفارسي الصفوي لأهل السنة عند هذا الحد من المضايقات والانتهاكات فتكاد تكون الصورة المألوفة في الداخل الإيراني هي المنع والتضييق على علماء السنة ومشايخها بدءً من المنع والتضييق في إلقاء الدروس والمحاضرات في المدارس والمساجد والجامعات مرورا بعمليات الاعتقال والاغتيال والاستهداف غير المبرر، إضافة إلى المراقبة الدائمة التي يتعرض لها مساجد ومراكز السنة من أفراد الاستخبارات ورجال الأمن. وإذا كان هذا الأسلوب هو المتبع في التعامل من أهل السنة من جهة الحريات الدينية وفق الإطار المذهبي فمما لاشك فيه أن الوضع السياسي والبرلماني لهؤلاء لن يكون افضل حالا من نظيره السابق، فمستوى التمثيل السياسي في البرلمان والتشكيل الوزاري لا يتناسب بحال من الأحوال مع عددهم الحقيقي، فالسنة يحصلون على عدد ضئيل من المقاعد في البرلمان (14 مقعدا) ، وهؤلاء الأعضاء في حقيقة الأمر ليس لهم وزن ولا تأثير بحسب ما يؤكد عليه أهل السنة أنفسهم إذ أن الحكومة لا تسمح سوى باختيار العناصر الموالية لها وبالطبع لن يعدوا تمثيلهم الإطار الشكلي والبعيد كلياً عن مطالب الجماهير وتوجهاتهم. وإذا كان من المٌسلّم به أن إسرائيل هي دولة العنصرية الأولى فإن ما لا يعلمه الكثير أن طهران في ظل حكم الملالي ربما تفوقت على حامية العنصرية في العالم في كثير من الأمور ولسنا هنا بصدد المقارنة أو المقاربة، لكن تبصيرا وتنويرا لكثير من المخدوعين بما يسمى بالدولة الإسلامية أحببت أن اشير إلى بعضا يسيرا من مظاهر الاضطهاد والعنصرية المقيتة الذي يعاني منها عرب الأحواز، ولمن لا يعرف الأحواز أو الأهواز كما في اللسان الفارسي وتسمى أيضا عربستان هو إقليم عربي تقع على امتداد الضفة الشرقية من الخليج ويعاني سكانها من مرارة الاحتلال الفارسي والعنصرية الصفوية منذ سقوطها بمؤامرة بريطانية في يد المجوس الصفويين عام 1925 وحتى الآن . وبخلاف النظرة الدونية التي ينظر إليها الفرس للعرب دون تفريق بين سني وشيعي فإن العرب الأحوازيين يعانون من الحرمان أبسط الحقوق والحريات انطلاقا من الحرمان من المشاركة السياسية في الحكم سواء كان بصورة مباشرة أو بواسطة ممثلين عنه يختارهم اختيارا حرا، ناهيك عن الحملات الدؤوبة لتغيير الملامح العربية في الأحواز بدءً من تغيير اسم الإقليم العربي ومدنه إلى أسماء فارسية لطمس الهوية العربية ومحو معالمها، ومرورا بتهجير العرب الأحوازيين من عربستان إلى المدن الفارسية وإحلال الأسر الفارسية محلها، بعد مصادرة أراضيهم وأملاكهم، ولم ينتهي الأمر عند منع الحكومة الفارسية الترجمة في المحاكم من اللغة العربية واليها ، بل تعداه إلى مصادرة جميع الكتب العربية الموجودة في الأحواز سواء لدي المكتبات أو الأشخاص. بالإضافة إلى إنكار حكومة الملالي على شعب الأحواز العربي حقه في التعليم في المراحل المختلفة بلغته الأم لغة القرآن. وتتعدى صور العنصرية إلى جميع المجالات الحياتية مثل حرمان العرب من الوظائف الحكومية، ومن امتلاك الأراضي الزراعية ومصادرة جميع الأراضي التي كان يملكها العرب وكذلك العقارات، وانعدام الرعاية الصحية واحتكار التجارة والنشاطات الاقتصادية بيد الفرس المستوطنين، واستخدام كل أنواع الإرهاب والاضطهاد والتنكيل ضد أبناء عرب الأحواز وفرض الضرائب الباهظة عليهم، ومقاطعة الفرس للتجار العرب والباعة العرب، وعدم التعامل معهم. أضافة إلى : منع العرب من التحدث باللغة العربية وفتح مدارس باللغة العربية ولبس الزي العربي في العمل والأماكن الرسمية ،ومنع التسمية العربية للأندية الرياضية وغيرها في الأحواز وكذلك منع التسمية بالأسماء العربية فيما عدا أسماء الشيعة مثل جعفر وحسين وعلي ... أما خالد وطلال ..... وغيرها من الأسماء العربية الخالصة فتمنع. فإذا كان هذا الحال بالنسبة للعرب في الداخل الإيراني وهو مواطنون يفترض أن يتمتعوا بجميع الحقوق كسواهم فهل ننتظر منها أن تكون صديقا أو حليفا وفيا للعرب؟!! وختاما: إذا كان من المستساغ إعادة العلاقات المتوترة مع إيران بوصفها دولة إقليمية غير معادية وتشترك معنا في الانتماء إلى الإسلام (في الظاهر) فليس من الحكمة إطلاقا زيارتها الآن في هذا الجو الملتهب وبصفة غير رسمية تثير العشرات من علامات الاستفهام والتعجب لأن ذلك لوحده كفيل بتحقيق خسارة سياسية فادحة لا يستحقها الأستاذ مجدي حسين ولكنه للأسف جناها لنفسه. نقلا عن: مركز الدين والسياسة للدراسات www.rpcst.com