ثورة الشارع وهدوء الجيش، والمطالب بتنحي مبارك كأولية في تصعيد المطالب، تضع مصر على محك المفاجآت، إذ الجميع معارضون ومؤيدون للرئيس، بدأت مخاوفهم من خطف الثورة لإحدى جبهات التطرف، والبديل الجاهز لضبط الأمور؛ هي وحدها القوات المسلحة.. فالإخوان المسلمون لم يكشفوا قوتهم، فالشعارات التي اعتدنا أن يطرحوها لم تبرز في الميادين والشوارع ولا حتى صحافتهم ومواقعهم التي كانت أكثر عقلانية، لكن هناك من يرى أن تنظيمهم الدقيق لا يستعجل الأمور طالما أن الأهداف المرحلية المرفوعة من الجميع تتفق معهم في التخلص من السلطة أولاً، ثم إجراء تعديلات دستورية تدفع بالنظام المرحلي لإجراء انتخابات حرة قد تجعل الإخوان الرابحين الأوائل أمام أحزاب صغيرة وضعيفة، أو تقليدية لم يبق لها في الشارع مؤيدون، لديهم القدرة على المنافسة.. البعض الآخر يخشى من تطور الأحداث، لأن الامتداد العسكري في السلطة ما يزال قائماً، فيتغير الشكل ويبقى المضمون، ويصبح الانتقال إلى حكم يهيمن عليه العسكر أمراً يعيد مصر إلى النقطة الأولى، بينما هناك من يعطي الشارع قوة النفوذ سواء على الحزب أو التنظيم أو الجيش الذي يحاول احتكار السلطة، أو العودة لها، بما أن الوعي عند الشباب المصري يسبق من يفكرون بالهيمنة من دون إجراء تغيير شامل ينال جميع مراكز الدولة، وهو عرف سقط مع أول أيام الانتفاضة. رأي ثالث يقول إن حالة الاضطراب في المواقف الأمريكية وعجزها عن أداء أي دور، جاءت من تضخيم دور الإخوان المسلمين، وهي مخاوف إسرائيلية بالدرجة الأولى، كذلك من يرى أن رفع إيران شعار دولة إسلامية في مصر، يعد فرقعة إعلامية ودعائية، لأن ما جرى من مظاهرات للمعارضة في طهران والمدن الأخرى قد ينقل العدوى المصرية لها، طالما الإصلاحيون لديهم القدرة على التمسك وجر الشارع لتحدي السلطة وحارسها العسكري بنفس السيناريو المصري.. صحيح أن المظاهرات والاعتصامات المصرية، بدأت فوضوية بفعل انسحاب رجال الأمن وإطلاق السجناء، لكن المفاجأة أن الشباب هم من صان وحمى المصالح الوطنية والشخصية، وهذا النضج مؤشر على أن التلاعب بالثورة قد لا يأتي سهلاً، لأن قياداتهم هي من تحاول صنع ثورة غير مؤدلجة من أي طرف ديني أو علماني، لأن الخيار الشعبي يظل وحده المطروح على تأكيد الهوية الوطنية وحماية الوطن بواسطة الجيش.. الفوضى في مصر خلاقة بالفعل لأنها صنعت جيلاً مقتدراً على خلق فوضاه بأسلوب ردع السلطة ومواجهتها، وهي بادرة لم تحدث في التاريخ العربي في زمن الدول التعسفية أو الاستعمار، لكنه تلاحم الأجيال في العالم الذي كانت الحرية تمثل له المبنى والمعمار للانعتاق من العبودية..