أنباؤكم - عمر غازي لاشك أنها إرادة الله وقضاءه الذي سبق في الرئيس المصري محمد حسني مبارك، فجعل منه (بن علي) جديداً بالرغم من أن الدرس كان قريبا جدا ليتعلم منه، لكن قدر الله نافذ لا محالة. عشرات الفرص كانت سانحة أمام الرئيس الكهل لتقوية موقفه لكنه لم ينتهزها، لذا كانت تحركاته وردود أفعاله تأتي دائما في الوقت الخاطئ كمن يجاوب بعد انتهاء الامتحان. شخصيا كنت أتوقع أن يكون الرئيس مبارك أكثر ذكاءً ووعياً من ذلك فالحنكة والدهاء الذي يتمتع بهما الرئيس بحسب ما يروج إعلامه وزبانية حزبه الحاكم يفرضان أن يفهم الرئيس ماذا يريد شعبه ويقوم بتحقيق مطالبه أو جزءً منها ضمانا لمقعده الوثير بينهم أولا، ولوريثة الأثير ثانيا. لكن على ما يبدو أن المشكلة تكمن في (الحمام الزاجل) الذي يستخدمه الرئيس في التواصل بينه وبين شعبه في عصر الجزيرة والفيس بوك. فارق التوقيت فقط هو من أطاح بمبارك بين جميع فئات شعبه، فيوم الغضب عندما أعلن عنه كان الهدف منه اقتصاديا بالأساس ومطالب المتظاهرين كانت للتعبير عن رغبتهم في الإصلاح والقضاء على الفساد، لكن التجاهل والعناد والتكبر والاستهتار بمشاعر الناس كانا بمثابة سكب المزيد من الوقود على النار المشتعلة، فظهور الرئيس منتصف ليل الجمعة أي بعد 4 أيام بلياليهن كان استخفافا واستهانة بالغة بالشعب ومطالبه ليس لما سبقه من خطاب إعلامي رسمي وممارسات قمعية من قبل الشرطة فحسب وإنما لما احتواه الخطاب وتبعه من خطوات ساذجة تمثلت في إلقاء اللوم على الحكومة وإجراء تغييرات غير جذرية والإبقاء على 15 وزيرا سابقا وغض الطرف عن الحوار مع القوى السياسية الأخرى. وعندما خرج الرئيس بالأمس عقب المظاهرات المليونية ليطلق خطابه الثاني وسط الهتافات المتصاعدة برحيله كمطلب أساسي للعودة من الشارع، كان أيضا يعاني من فارق التوقيت فإعلانه الرحيل عقب انتهاء ولايته ووعده بإصلاح الدستور كان من المفترض أن يكون في الخطاب الأول لذا لم أتفاجأ عندما استمر المحتشدون في ميدان التحرير بالهتاف (ارحل .. ارحل .. ارحل ...) عقب كلمته الذي حاول فيها استمالة عاطفة الشعب المصري بحديثه عن رغبته في الموت على أرض مصر وخدماته الذي قدمها للشعب، وهو يذكرني بالرئيس التونسي زين العابدين في خطاب (فهمتكم الشهير) عندما قال أنا خدمت (تونس 50 عاما)، ألا يعي هؤلاء أن هناك مدة قصوى للعمل في القطاع العام وألم يسمعوا عن شيء يقال له تقاعد. لا أدري كيف تفكر الأنظمة المستبدة؟ هل كان مبارك ونظامه يعتقدون مثلا أن هذه الجموع خرجت عن صمتها لإقالة رئيس الحكومة أحمد نظيف مثلا؟ أو أن خراطيم مياه وبعض البلطجية قادرون على إخماد غضب وثورة شعب كتم غيطة وداس على جراحه 3 عقود؟!! المضحك المبكي أن الخطة العبقرية التي انتهجها الرئيس للتعامل مع الأزمة استوحاها من سلفه (السادات) متناسيا أو متجاهلا فارق التوقيت، يا ربااااااااااه هل يمكن أن تنجح استيراتيجيات عام 77م في 2011م لمواجهة الثوار؟ لا اعتقد أن السادات نفسه إذا كان يعيش بيننا اليوم في عصر ال(الفيس بوك) و(تويتر) (ويتويوب) أن ينتهج نفس الأسلوب، وهو ما تنبه له الرئيس أيضا فقام بقطع الاتصالات والإنترنت لتكتمل الحبكة الدرامية ويعود بالزمن إلى الوراء 34 عاماً، ربما كان فارق التوقيت الذي يعاني منه الرئيس المعمر يلعب دورا مهما لكنها أيضا غلطة الحمام الزاجل الذي لم يبلغه أن هناك (قناة اسمها الجزيرة) !!