جمال سلطان - المصريون أفضل ما في مباراة الأمس بين المنتخبين المصري والجزائري هو سيادة الروح الرياضية في الملعب ، ورغم الشحن والتوتر إلا أن لاعبي الفريقين كانوا عند حسن الظن بهم وأدوا مباراة في كرة القدم وفنونها دون أي تعمد للعنف أو الإثارة والتهييج ، وأتصور أن تصرفات اللاعبين مع بعضهم البعض طوال المباراة كانت في غاية الالتزام والنبل ، فازت مصر ولم تخسر الجزائر ، لأن الاثنين ما زال أمامهما فرصة للإنجاز والفوز في مباراة أخرى فاصلة في السودان ، صحيح أن الهدف الثاني لمصر جاء قبل دقيقة واحدة من نهاية المباراة بما يمثل صدمة للجزائريين الذين تأهبوا للاحتفال ببطاقة الصعود إلا أن هذه هي كرة القدم ، وحدث ذلك التحول في مئات المباريات قبلها وسيحدث في الكثير بعدها ، قلبي مع الجزائريين الذين صدمتهم النتيجة بالفعل ، وهنيئا للفريق المصري الذي حفظ فرصته في البطاقة في آخر دقيقة ، وكلا الفريقين بذل جهدا كبيرا وأرهقوا بالفعل ، عصبيا وبدنيا ، وكان الله في عون اللاعبين في مثل هذه الظروف ، وبعيدا عن فنيات المباراة التي لا أزعم فيها خبرة ولا شأنا ، فقد لفت انتباهي بعض السلوكيات غير الوقورة من قيادات كبيرة في الدولة المصرية ، آخر ما كنت أتصور مشاهدته في مباراة للكرة رؤية السيد الفريق وزير الانتاج الحربي وهو يرقص في مدرجات استاد القاهرة ، أو أن أرى الأكاديمي والخبير الطبي الوقور وزير الصحة المصري يتمايل فاردا ذراعيه كصبي صغير فلتت مشاعره ، أو أن أرى الرجل العجوز رئيس ديوان رئيس الجمهورية وهو "يتنطط" ويلقي بنفسه في صدر جمال مبارك ، وجميعهم كانوا يتمايلون ويتراقصون وعينهم على جمال ، هذا المشهد لم أره من قبل أبدا ، إيه الحكاية ، توسد جمال مبارك في المنصة كرسي والده التقليدي في مثل هذه المباريات ، وجلس من حوله كوكبة الوزراء يتابعون أنفاسه ويتحركون في مقاعدهم على وفق حركاته ، هذا المشهد يشي بالكثير مما يختبئ خلف صورة الاحتفالات البريئة لملايين المصريين في الشوارع والمقاهي ، كانت هناك حملة إعلامية ضخمة سبقت المباراة قادها بالأساس رجال جمال مبارك وأصدقاؤه في القنوات الخاصة أو التليفزيون الرسمي للدولة ، وفي أعقاب المباراة بدا وكأن هناك احتفاليات مخطط لها إعلاميا ، هيمنة كاملة في وسائل الإعلام الرسمية على قصة المباراة والإنجاز الذي تحقق فيها ، وكاميرات جاهزة موزعة على شوارع القاهرة وأحيائها مع مراسلين ومصورين واستنفار لمراسلي التليفزيون المصري في عواصم العالم والعواصم العربية ، بصراحة ، يصعب تصور أن تكون هذه الحملة الصاخبة وغير المسبوقة بريئة ، أو أنها مجرد ابتهاج تلقائي بفوز فريق الكرة في مباراة ليست هي النهائية على كل حال ، لا يمكن أن نتجاهل وجود فرح حقيقي وعفوي ، ولكن نحن لا نتحدث عن عفوية الشوارع ، ولكن عن أجهزة دولة ومؤسساتها ووزرائها ، هذا المشهد لم يحدث من قبل ، هل هي محاولة لصناعة بطولات رمزية للفارس الجديد ، لماذا لم يحضر الرئيس مبارك المباراة وترك جمال يحل محله في كرسيه التقليدي ووسط كوكبة الوزراء وكأنه سيدهم أو قائدهم أو زعيمهم ، رغم أنه دستوريا لا يملك أي منصب تنفيذي أو ولاية من أي نوع عليهم ، الزفة الإعلامية صاحبها زفة أخرى قادها مفكروا لجنة السياسات ربطوا فيها بوضوح بين ما أسموه الإنجازات الضخمة للفريق المصري وبين مشروع التوريث ، وهو ما سنعرض له بشيء من التفصيل لأنه يستحق الوقوف عنده ، على كل حال ، قدرنا أن يستمر مولد الكرة لمدة أسبوع آخر مقبل تقريبا ، لأن نتيجة البطاقة الحائرة ما زالت معلقة حتى المباراة الفاصلة . [email protected]