تعاني الجزائر في مرحلة ما بعد التحرير انقساما حادا بين تيارين أساسيين يتصارعان حول حسم هوية الجزائر ، التيار العروبي الإسلامي وهو التيار المعبر عن غالبية الشعب الجزائري ، والتيار التغريبي الذي يتبع الهيمنة الفرنسية في مستويات عديدة وينفذ أجندتها ، ويعرف هناك باسم "حزب فرنسا" ، وهو يختلف في لغته وفي سلوكه وأخلاقه وتدينه وولائه عن عموم الجزائريين ويكره "رائحة" شيء اسمه العرب أو العروبة وغالبيتهم يحملون الجنسية الفرنسية مع الجزائرية طبعا ، وحزب فرنسا في الجزائر على قلة عدده إلا أنه يمتلك نفوذا كبيرا في المؤسسة العسكرية المهيمنة على الكثير من الشأن الجزائري وذلك من خلال عدد من الجنرالات الكبار الذين كانوا يعملون ضباطا في جيش الاحتلال الفرنسي ، ثم تم إخراجهم بتنسيق خاص مع اقتراب رحيل الفرنسيين للحاق بجيش ثورة التحرير ، حيث قفزوا بدعم فرنسي استخباراتي إلى قيادة المؤسسة العسكرية وأجروا فيها تغييرا هيكليا ليس بالقليل ، كذلك يمتلك حزب فرنسا هيمنة اقتصادية واسعة النطاق في الجزائر ومنابر إعلامية وثقافية قوية ونفوذا في مؤسسات رياضية ونوادي وخلافه ، كما يمتلكون نفوذا في الحزب الرئيس "حزب جبهة التحرير" وهناك اتهامات علنية تصدر حتى الآن ضد قيادات كبيرة من الحزب ، مثل عبد العزيز بلخادم بأنه من "حزب فرنسا" وهناك قضايا منظورة في هذه الاتهامات ، وقضية التعريب والهوية العربية للجزائر وكل ما يمثل الأخلاق العربية الإسلامية تمثل عدوا أساسيا لحزب فرنسا حيث يعاني الحزب من هامشية حضوره الجماهيري بالنظر إلى حضور "الإسلام" كمكون جوهري وأساس في الجمهور الأوسع من المجتمع الجزائري وهو داعم لحركة التعريب وحماية الهوية العربية للجزائر ، ومن ثم لا يترك "حزب فرنسا" أي حادثة أو حالة أو قضية تمس العروبة والتعريب في الجزائر أو ما حولها إلا وحاول استغلالها في صراعه التاريخي مع العروبيين ، وأتت واقعة مباريات كرة القدم الأخيرة في تصفيات كأس العالم مع مصر كفرصة من ذهب للتنكيل بالتيار العروبي في الجزائري ووضعه في زاوية ضيقة وحبس صوته ، لأنهم نجحوا في تأجيج مشاعر ملايين الشباب العاطل والمهمش والفارغ من أي قضية لتكون قضية الانتصار على مصر في كرة القدم هي قضية حياته ، ثم حركوا الإعلام الموالي لهم من أجل "تفجير" قنابل صوت لتهييج الناس أكثر مثل نشر أخبار أسطورية عن قتلى وشهداء الجزائر في الشارع المصري وعمليات الاعتداء على عرض نساء الجزائر من قبل المصريين ثم حرضوا البلطجية وما لا يمكن استبعاده من بعض قوات الدرك من أجل تفجير معارك ومشاحنات ودماء مع المصريين والسودانيين في الخرطوم ، لكي يقولوا للجزائريين :هؤلاء هم العرب الذين كنتم تقولون أهلنا وأمتنا ، ووجدوا في قطاع كبير من الإعلام المصري مجموعة من الجهلة والسطحيين والغوغاء ، بلا ثقافة ولا خبرات ولا أخلاق أيضا ، فعملوا على استفزازهم أكثر وهم في غاية السعادة من تلك الشتائم التي تقاطرت على الجزائر ، وكلما زادت هذه الشتائم والسخائم والإهانات كلما تعززت مواقع "حزب فرنسا" وزادت سعادتهم بالنصر الكبير الذي حققوه ، ليس على المصريين ، ولكن على الوطنيين والعروبيين في الجزائر الذين خفت صوتهم وضعفت حجتهم وسط هذه الموجة من البذاءات التي تنصب على الجزائر بكل ما فيها من "أشقائهم" العرب ، والمؤكد أن "حزب فرنسا" وجنرالاته في الجزائر سوف يقيمون في المستقبل القريب تماثيل ونصبا تذكارية لأبطال معركتهم الكبيرة : مصطفى عبده وعمرو أديب ومحمود معروف وخالد الغندور وبقية أنصار "حزب فرنسا" وجنرالاته في القاهرة . هامش : أخي جمال اسمح لي أن أدعوك باسمك الأول ، كما يدعو الأخ أخاه. أنا جزائري أكاديمي في المملكة المتحدة. أود أن أشكركم جزيلا الشكر علي مقالاتكم المتوازنة جدا والمستنيرة في خضم فوضى وسائل الإعلام والهجمات والهجمات المضادة بسبب لعبة كرة ، أنا و آلاف الجزائريين وجدنا ملاذا في صحيفتكم النبيلة بمقالات منعشه حقا وهادئة تجعلنا نشعر أننا ما زلنا ننتمي إلى عائلة واحدة . مثل الكثير من الجزائريين ، بكيت كثيرا في الأيام الأخيرة علي حالنا..... . فأناس أمثالك يعطوننا إيمانا أننا ما زلنا إخوة وما يوحدنا هو أكبر بكثير من مجرد لعبة كرة ، أو حتى لعبة سياسية عنوانها "الجزائر البوابة إلى التوريث ". أشكركم كثيرا و سدد الله خطاك مسعود [email protected]