لا نجد أمة تخاف من نفسها مثل الأمة العربية، فالتاريخ يدخل المقدس حتى لو كانت الجرائم في عهود سابقة، هي من أسست لتاريخ المرحلة الراهنة، وعدا الدين ليس هناك علم أو سلوك، أو حتى انتقال للسلطة بريء من الاتهام والأخطاء الكبيرة والمساءلة.. هناك من كتب نهاية التاريخ العربي والإسلامي بقتل الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهناك من جدول الأحداث والانفجارات والانقسامات بالفتنة الكبرى بخروج نزعات ومذاهب وقوميات، ومع ذلك فالتاريخ العربي كما يجب أن يكتب لا بد من إجماع على تحليل مراحله وظواهره بعيداً عن تاريخ الغالب للمغلوب بزوال عهده وحلول آخر، حتى نقف على الحقيقة ونطرح مشروعنا القومي.. ليس الماضي فقط هو من يجب أن يحرر من الروايات السيئة أو المبالغ بها، بل منذ نكبة 1948م واحتلال فلسطين، لم نجد من يحقق تلك المراحل بلغة الواقع لنحاسب ونعطي للحقائق إيجابياتها وسلبياتها، ومن هنا جاء الانقسام حول مرحلة لا يزال أرشيفها قائماً سواء من خلال المعلومات والوثائق التي تملكها كل دولة، أو ما تختزنه بريطانيا وفرنسا وتركيا، وغيرها، وحتى المرحلة الاستعمارية لا نعتقد أنها مذابح وجرائم وظلم اجتماعي وسياسي، لأنها لم تكن عذراً لدول جاء الاستعمار مدمراً لها مثل الهند والصين، ومع ذلك استطاعت أن تجعل من إرادتها باعثاً على المراجعة والتحليل، ومن ثمَّ وجود الطريق إلى القفزات المتقدمة في التنمية ومعالجة الفروقات الاجتماعية، والتحرر من عقد التاريخ بما فيها الاستعمار.. في ميثاق الجامعة العربية، الدفاع المشترك والتنمية البينية وصيانة الحقوق والاستقلال، وتحقيق كرامة الأفراد والجماعات، ومع ذلك لم تكن الحدود آمنة عندما أصبحت ذرائع تحرير وطن من آخر سلوكاً للعديد من الدول، لتقوم حروب صغيرة، حتى إن ضم الفرع للأصل دفع بصدام احتلال الكويت، ومن خلال العداء مع إسرائيل استطاعت أن تلاحق القيادات الفلسطينية بالقتل في تونس ولبنان، وتحتل بيروت وتبطش بغزة وتأتي إيران لتقول إن جزر الإمارات ملكها، وتصدر في الأيام الأخيرة تصريحات بأن البحرين إحدِى ولاياتها، وربما تكون هذه المقدمات احتلالاً للبصرة بأي دعوى، أخلق فوضى تكون هي مصدر الأزمة والحل؟ إذن نحن فقط بين أمم العالم التي نشأ تاريخها على الحروب والانقسامات ولا تزال مواثيق الجامعة العربية مجرد رخصة تباع في أسواق المزايدات وأحياناً السخرية من كل ما تقوم به، وعندما تطل على التاريخ في الماضي والحاضر، نجد من آمن بأن الأسر التقليدية من أموية وعباسية ثم ما تلاها من انهيارات، هي سبب لتراكم القضايا وحرمان الشعوب من ممارسة حرياتها، لكن عندما استولى أبناء الطبقة الوسطى من غير تلك الأسر بالانقلابات شهدنا مرحلة تقطع فيها البلد الواحد، وصارت العروبة تهمة ويجب أن تعود لأصلها في الجزيرة العربية لأن باقي الشعوب من أرومات أخرى..