السعودية تستضيف الاجتماع الأول لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    المياه الوطنية: خصصنا دليلًا إرشاديًا لتوثيق العدادات في موقعنا الرسمي    ارتفاع أسعار النفط إلى 73.20 دولار للبرميل    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مؤلفات هيكل كلها وباء!
الصحفي العربي مطيع النونو في مشواره:
نشر في الرياض يوم 23 - 06 - 2011

صحفي مخضرم، وشاهد مهم على التاريخ، عايش ما جرى من تطورات عربية وتحولات سياسية كبيرة حاسمة هزت أركان هذا الوطن الكبير، وغيّرت ملامحه وانحرفت به في دهاليز الاستعمار ثم عهود الثورات، والمظاهرات، و(زعيق) الشوارع، والانقلابات العسكرية، والفتن التي عصفت به كثيراً. إن الحوار مع الصحفي (مطيع النونو) هو بمثابة تصفح عاصفة للتاريخ السياسي العربي الحديث بكل آلامه وآماله وبكل خسائره وهزائمه وكبواته وتحولاته، فقد عاصر ورصد عن قرب أبرز الأحداث والوقائع السياسية والصحفية العربية منذ جلاء القوات الفرنسية عن سوريا عام 1925م وحتى الوقت الراهن.
في هذا الحوار الممتع نكتشف العديد من الآراء والمواقف غاية في الأهمية والتشابك لنفاجأ بأن هناك الكثير الذي لم يذكر عن تاريخ العرب الحديث...
؟ ذكريات صحفي عربي.. وكاتب مخضرم.. ومؤلف ناجح.. وصاحب تجربة إعلامية حافلة بالأحداث.. لو اقتربنا أكثر من حدودك الشخصية.. ماذا نكتشف ولنبدأ من مرحلة الطفولة والبيئة الاجتماعية بك.. أين ولدت؟ وما أبرز ذكريات كونتها؟
- كان شرف كبير لي أن يكون مسقط رأسي في مدينة دمشق التاريخية بأمجادها، وفي حي الشاغور الملقب بحي المجاهدين، وتاريخ ولادتي كان يوم الإثنين 28شعبان 1343ه الموافق 23آذار (مارس) 1925م؛ وهو أول يوم من فصل الربيع، ويسمى في الشرق العربي (نيروز)؛ حيث تطلع فيه حلل الزهر المثمر بفاكهته وتملأ الدنيا بالعطر والشذا.
ويعتبر حي الشاغور منذ العهد القديم بأنه منبع لرجال السياسة في الوطن السوري الكبير، ومنهم المجاهد الكبير شكري القوتلي الذي تقلد منصب رئاسة الجمهورية دورات ثلاث باعتباره حقق الجلاء والاستقلال عام 1946م من القوات الفرنسية التي حكمت الوطن ربع قرن إثر قضاء قوات التحالف الأوروبي على الإمبراطورية العثمانية التي حكمت المنطقة العربية أربعة عقود، ولهذا لقب الرئيس القوتلي (بطل الجلاء)، كما أنتج حي الشاغور الكثير من رجال السياسة؛ لأنه كان مليئاً بالأسر الدمشقية العريقة.
في طفولتي لم تشهد عيناي سيارة في دمشق بل كانت عربات (الحنتور) التي تشدها الخيل هي المتوافرة للمواطنين وتستعمل في التنقلات بين حي وآخر، وكان الطلاب كباراً وصغاراً وكذلك الأساتذة يذهبون إلى المدرسة مشياً على الأقدام. وفي فصل الشتاء كنا نتعرض لأمطار السماء وتساقط الثلوج فوق رؤوسنا، وكنا نحمل (مطبقية) نحاسية مليئة بالطعام للغذاء فالدوام صباحاً ومساء؛ لذلك كانت ظروف الطلاب لا تقارن مع هذه الأيام ووجود الرفاهية المتوافرة اليوم.
وكانت الأسر الدمشقية ومنها أسرتنا تفرض على كل طفل وحتى الشباب عدم التأخر في عودتهم إلى المنزل بعد غروب الشمس حفاظاً على سلامتهم، وإذا تأخر الشاب قليلاً بعد أذان المغرب يطرد من المنزل من قبل والديه، ويطلب إليه العودة إلى المكان الذي كان فيه، فقد كانت التربية قاسية؛ ولكن لها فوائدها الكثيرة في تنشئة الأبناء التنشئة الصحيحة لتعلم الرجولة والمحافظة على تربيتهم وأخلاقهم وتقاليد العائلة.
وكانت حافلات الترام الكهربائية تربط أحياء دمشق، بينما يستخدم القطار للتنقل بين مدينة وأخرى، وبين دمشق وبيروت، ودمشق والمدن الشمالية والغربية والشرقية.
وعندما تم انتخاب أول رئيس للجمهورية السورية وهو محمد علي العابد في عاد الانتداب الفرنسي في عام 1932م وكنت حينها في السابعة من العمر اشترت السلطات السورية سيارة خاصة لتنقلاته في المدينة. أما الشخصيات الرسمية الأخرى فكان لها عربات خاصة (الحنتور). وفي أيام الجمع وهو يوم النزهة في فصل الربيع وفصل الصيف كانت الأسرة تستأجر (الحنتور) لنقلها لأماكن النزهة إلى الربوة ودمر والهامة في محيط دمشق.
وعندما بلغت سن الطفولة كانت والدتي في كل يوم جمعة يوم العطلة المدرسية تكلفني أن أذهب إلى بستان الأسرة حاملاً سلة من القش لجلب كل ما أحصل عليه من أرضنا الزراعية من الخضار والفاكهة. وكان الطريق إلى البستان يفرض علي المرور في شارع حي اليهود، وفي إحدى المرات بينما كنت عائداً من البستان وعند وصولي إلى شارع اليهود نادتني سيدة يهودية وطلبت مني مساعدتها لإشعال (البابور) الكاز، وكان من المواقد التي تستعملها كل الأسر الدمشقية في إعداد وطبخ الطعام لعدم توافر الكهرباء حيث كنا نعيش على ضوء الشموع وضوء نور الكاز لمتابعة الدراسة وتحضيرالواجب اليومي، وقالت لي السيدة اليهودية: إن تعاليم ديننا تحرم علينا أن نوقد النار بأيدينا منذ عصر يوم الجمعة ولمدة 24ساعة.
ولبيت الطلب ودخلت المنزل اليهودي لأول مرة في طفولتي ولم أهب ذلك، بل كان خوفي على السلة المليئة بإنتاج بستاننا من أن أفقد منها شيئاً. وعند وصولي إلى المنزل ذكرت لوالدتي ما جرى معي في حي اليهود؛ لأن الوالدة علمتنا المصارحة وإبلاغها بكل ما نتعرض له في حياتنا لتقف على حقيقة نشأتنا الأولى. وكانت المفاجأة التي لم أتوقعها هي عندما رفعت الوالدة صوتها لأول مرة مؤنبة تصرفي هذا قائلة: كيف تجرأت يا ولدي على دخول منزل يهودي ولم ترتعش عندما دخلت لمنزل غير آمن على حياتك؟
وسارعت بالسؤال: هل من مانع من هذا العمل؟ وهل فعلت منكراً لا سمح الله في تلبية طلب سيدة يهودية تقيم في مدينتنا وأشعلت (بابور) الكاز؟
فأجابت بصوت عال: نعم كان عملك منكراً وأحذرك منذ هذا اليوم أن تقوم بمثل هذا العمل مستقبلاً.
ولكن لم أكتف بهذا التأنيب ورجوتها شرح السبب لأكون على علم من أمري؟
قالت : ياولدي إن أبناء الطائفة اليهودية يخطفون الناس من مسلمين ونصارى من خارج عقيدتهم ويذبحونهم للاستفادة من دمهم في صنع خبز (الفطير) الذي يستخدم في "عيد الغفران" عند اليهود كما هو معروف لديهم من عقيدة منكرة.
وكان نساء الحي يطلقن على الوالدة لقب "أخت الرجال"؛ لأنها تتمتع بشخصية فذة وجرأة بمواقفها ولا تهاب إلا الله تعالى وتعالج الأمور بحكمة وروية. ولكن كانت تستعمل الشدة والقسوة في تربية أولادها وتلقنهم الدروس في حياتهم حتى لا يقع أحدهم بالمطبات. ورغم أنها كانت أمية لا تكتب ولا تقرأ إلا أنها كانت تشرح لنا أمور الحياة الصعبة التي تمر علينا وكانت تحفظ الكثير من آيات كتاب الله تعالى .
تجارب ومفاجآت
؟ بعد أكثر من (50) عاماً في العمل الصحفي المتواصل بأحداثه وتقلباته المختلفة يبدولي مشوارك في الدراسة والسفر والعمل كسلسلة من التجارب والمفاجآت حدثنا عن تجاربك تلك؟
- بدأت الدراسة في بيت (الكتاب) ثم في مدرسة ابتدائية في منطقة تفصل الحي الإسلامي الذي نقيم فيه عن الحي اليهودي والنصراني، وكانت اللغة الفرنسية هي اللغة الثانية بعد العربية مفروضة على الطلاب في كل مراحل التعليم، ولعل هذا من حرص الحكومة الفرنسية على نشر ثقافتها بين الأجيال في كل بلد تسيطر عليه.
وكان أساتذتنا يستعملون القسوة والشدة معنا من نظريتهم بأنها ضرورة لتربية الطفل ولمصلحته، وفي نظري بأن هذا الأسلوب حسن في تربية النشء الجديد وتعليمه الحفاظ على الأدب والأخلاق وفي اختيار الزملاء.
في الحقيقة بعد إتمام المرحلة الثانوية لدراستي وبلوغ الصف الأول الجامعي كانت تلك المرحلة مهمة في حياتي؛ لأن مرحلة الدراسة فتحت لي آفاقاً واسعة من خلال نظرتي للمستقبل باعتبارها مرحلة أساسية من مراحل الوعي الكامل لمسؤولية كل مواطن شاب في النضال الوطني، ومصدر كل حركة وطنية يلتزم بها المواطن المؤمن بعقيدته وحبه للوطن. لذلك تابعت تطورات العمل السياسي الوطني في سورية العربية من خلال تلك السنوات الناضجة من حياتي، متابعاً قراءة الصحف الدمشقية والمجلات الأسبوعية، واستفدت كثيراً من هذه المتابعة وأثرت في نفسي كثيراً لما يحدث في الوطن السوري من أحداث مؤلمة.
لذلك اشتد لدي الوعي الوطني، وشاركت في اللجان الطلابية بهدف توحيد صفوف الطلاب، وكان كل منا يشعر بالحزن العميق يمزق قلوبنا مما نشاهده ونسمعه من عمليات الانتقام التي تلجأ إليها القوات الفرنسية واضطهادها لقادة الأمة وللشعب أيضاً. وكنا نشارك جميع المواطنين الآلام وما يتعرض إليه الوطن من ظلم وتعسف. وكنا في المدرسة ننتصر لوطننا أولاً ولأي بلد عربي وإسلامي عندما تحدث فيه انتفاضة، ونستغلها لمصلحة الوطن السوري ونتظاهر ونقاوم قوات الاحتلال بالحجارة ونتلقى من الجيش المحتل للوطن رصاص البنادق ويقع الشهداء منا دون أن نأبه لمصيرنا، لأن شعورنا الوطني يملؤنا عزيمة وقوة وإيماناً لمقاومة العدو المستعمر لبلادنا، والمكون خليطاً من أبناء المستعمرات الفرنسية في أفريقيا والمغرب العربي وأفريقيا السوداء.
وشاء القدر أن أستثمر العطلة الصيفية في العمل مبتدئاً في مهنة البحث عن المتاعب؛ وبدأت أتردد على الصحف للوقوف على هذه المهنة تمهيداً لتحمل المسؤولية الوطنية المفروضة على الشاب السوري ليشارك بكل ما يحتاجه الوطن. وبعد إتمام المرحلة الثانوية انتسبت للجامعة السورية الصف الأول؛ ولكن لسوء الحظ لم تتح لي الظروف استكمال المرحلة الجامعية؛ لأنني بحاجة للعمل؛ وأقمت علاقات صداقة مع أصحاب الصحف ورجال القلم ورجال السياسة، وكنت أحضر جلساتهم المفتوحة؛ حيث يعالجون فيها قضايا الوطن وتحقيق مستلزماته؛ وساعدني حضور المجالس المفتوحة في نمو الفكر وما يفرض على كل إنسان بذل خدماته والمشاركة بالواجب. كما ترددت على المجمع العلمي العربي في دمشق وهو يعتبر من أهم المراكز العلمية في الوطن العربي لما يحتويه من وثائق رسمية لوزارات خارجية الدول الكبرى.
الأحلام
؟ في الفترة المبكرة من حياة الإنسان تحلق به الأحلام في سماء الخيال إلى حيث يريد أن يكون في مستقبل أيامه.. هل نستطيع أن نقول إنك حققت كل ما تحلم به؟
- إن الثبات على التصميم لمتابعة غاية الإنسان وتحقيق حلمه الكبير ما يدفعه أن يحقق ما يريد من مستقبله؛ لأن العقل السليم، في الجسم السليم. ويقول المثل المأثور: (من جد وجد) والثبات في العمل هو أقوى دواعي النجاح للإنسان.
وهذا التفكير راودني منذ طفولتي مما دفعني أن أستمر في طلب المعرفة ومتابعة علومي بأساليب خصوصية لكتب التاريخ وسجلاته، ومتابعة تطور الأحداث في الوطن من خلال ما ينشر في الجرائد الوطنية والتحليلات لكبار الكتاب والمفكرين ورجال الوطن في قوله تعالى: "وقل ربي زدني علماً"؛ لأن النمو الجسدي في سن الشباب هو الذي دفعني في أن أسلك الطريق الصحيح، وأشق طريق المستقبل الذي ينتظرني على أساس بذل كل جهد لتأمين العيش الهادئ بحرية وسيادة، وأقوم بالواجب وتحمل المسؤولية الوطنية التي تفرض على كل شاب مؤمن بوطنه المقدس.
لذلك كنت أحاول اختيار الأشخاص العاملين في الحقل الوطني، وهم طبعاً أكبر مني سناً للاستفادة من تجاربهم في الحياة ملتزماً بقول سمعته كثيراً: "أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة" ، وهذا ما ساعدني على المعرفة لكثير من الأمور التي أجهلها في طريق الحياة، وحققت الكثير من الأحلام، وظهرت في المجتمع الدمشقي والسوري والعربي كعامل متواضع في مهنة البحث عن المتاعب في هذا الوطن.
الشباب
؟الصبا والشباب هما بداية الانطلاقة للإنسان في هذه الدنيا، ومن أجمل مراحل العمر الراسخة في زوايا الذاكرة.. ماذا عن فترة الصبا والشباب في حياتك ؟
- إن هذه الصفات التي أشرت إليها بالنسبة لنشأة الشباب لبداية انطلاقة الإنسان هي الحقيقة؛ والشاب اليافع في طفولته يحلم بالكثير ويتصور بأنه سيحكم الدنيا مستقبلاً؛ ولكن ليس لكل إنسان أن يحقق ما يدركه؛ لأن الله تعالى هو الذي يقسم الأرزاق للإنسان حسب قدراته. وعلى المرء أن يسعى في حياته حتى إذا حقق القليل ويكون القليل نعمة من رب العزة والجلال، ومن توزيع خيراته على كل المخلوقات، وفي اجتهاد الإنسان الذي يبذله يستطيع أن يحقق شيئاً مما يريد تحقيقه.
؟ ما الشخصية التي أثرت في مسار حياتك؟
- الحقيقة كان لوالدتي رحمها الله الفضل الأول والكبير، وأثرت في مسار حياتي منذ الطفولة؛ وقد التزمت بكل نصائحها التي زودتني بها؛ لأنها كانت واسعة الآفاق من تجاربها التي لازمتها في تلك الحياة الصعبة التي فرضت على كل فرد من أفراد المجتمع السوري؛ والتي أفرزت العديد من مشكلات الحياة بسبب الحرب العالمية الأولى التي هزت الوطن السوري، وبسقوط القنابل على رؤوس المواطنين وتدمير ممتلكاتهم، وما رافق ذلك من احتلال قوات أجنبية للوطن السوري الغالي ومقاومة سكان سورية لهذا الاحتلال الغاشم. ثم تتابعت الأحداث وفرضت الدول الكبرى الكيان الإسرائيلي في المنطقة العربية؛ لذلك كانت الأسر السورية تعيش بقلق دائم بعد أن قلت موارد العيش لدى الجميع. لذلك كانت الوالدة تحدث أولادها بكل هذه المآسي للاستفادة من هذه العبر التاريخية وإيجاد الوعي لاستدراك ظروف المستقبل وتحمل مسؤولياته. لقد توفيت والدتي يوم 28ربيع الأول الموافق شباط 1948م في وقت اشتد فيه القتال بين الجيوش العربية والعدو الصهيوني المغتصب للأراضي العربية في فلسطين، وفي ذلك الوقت تعرضت والدتي لمرض لمدة أسبوع واحد، وكنت في ذاك الوقت بمهمة صحفية خارج مدينة دمشق، ويبدو أن في تلك اللحظة التي مرضت فيها الوالدة قد أصابتني أزمة نفسية حادة في رحلتي لم أعرف سببها.
الصحافة
؟ صنعت نفسك بنفسك.. فكيف كانت بداياتك في عالم الصحافة؟ وما الذي جذبك إليها؟
- هذا السؤال هام جداً؛ إلا أن الإجابة عليه محرجة للغاية لاتصاله بصلب مهنة الإعلام بكل فروعها، ومنها طموح الشباب لممارستهم هذه المهنة التي يطلق عليها مهنة البحث عن المتاعب؛ لأنها حقاً متعبة ومسببة لمشكلات عديدة لكل من يعمل فيها.
فالشاب منذ طفولته وبدء مرحلة المراهقة يحلم بأفكار عديدة وخيالية يضيع فيها باعتبارها تتصل بمستقبل حياته واختيار المهنة المفضلة التي قد ينخرط بها في مستقبله، ليعيش في هذه الحياة عزيزاً مكرماً معتمداً على نفسه بعد اعتماده على الله. ولهذا تكون مخيلاته كثيرة عديدة الجوانب ترافقه حتى سن الرشد ليتخذ القرار اللائق للحياة.
أما بدايتي في الصحافة وما جذبني إليها كان يعود لما يعانيه وطني الغالي من قوات الاحتلال لأراضينا المقدسة، وما رافق ذلك من اعتداءات شرسة على أبناء الوطن، وما قدمه من ضحايا لشخصيات وطنية وقفت في وجه القوات المحتلة. إن الوطن أمانة معلقة في أعناق أبنائه وعلى كل واحد منهم واجب مقدس للدفاع عن مقدساته، وبحسب اختصاصه فالجندي يدافع بسلاحه والمواطن بأمواله ورجل السياسة بمواقفه الوطنية بإلقاء خطبه التي تنير طريق الجهاد، والصحفي بقلمه الشريف لكشف الحقيقة، والمرأة بعملها كممرضة لتضميد الجرحى من أبناء الوطن.
ومن هذه الصور المؤلمة التي أشاهدها وأسمعها كل يوم ما دفعني لشراء الصحف لمتابعة هذه الأحداث والتطورات في بلدي؛ حيث كنت أقتطع من ما تقدمه لي الوالدة صباح كل يوم، وكان قليلاً لا يذكر لأصرفه فيما أشتهيه في المدرسة الثانوية والجامعة؛ ولكن كانت شهوتي الأولى الاطلاع على أحداث الوطن من خلال ما تنشره الصحف، وأصبح هذا الأمر الغذاء المفضل والأول في حياتي، ودام الأمر حتى هذا اليوم دون انقطاع؛ سواء في وطني أو في أي بقعة من بقاع الأرض، وفي جولاتي ورحلاتي في فصل الصيف، لأطلع على أحداث الوطن العربي الذي أصيب بزلازل وكوارث لا يستحقها بسبب أعمال إجرامية متتالية وأساليب إرهابية لغايات فردية لفظها المجتمع العربي والإسلامي. لذلك وجدت من واجبي تجاه الوطن أن يكون قلمي المخلص له مساهمات مع أقلام الكتاب الكباروللدفاع عنه والنضال في سبيله، بعد أن اقتبست من أستاذي كامل مروة شعار جريدته(الحياة) منذ صدورها القائل : (قل كلمتك وامش).
وبدأت قصة مشواري مع الصحافة، كما تبدأ قصص الكفاح التي يخوضها كل شاب شريف في حياته لتأمين أفضل عمل يرسم له طريق الحياة المليئة بالصعوبات، وفي عام 1948م انتسبت لمدرسة "الأيام" الصحفية وبدأت العمل فيها بتوجيه من صاحبها الأستاذ "نصوح بابيل" - رحمه الله - (الذي كان له الفضل الكبير بعد الله تعالى في فسح المجال أمامي للتعمق لمعرفة الكثير من أسرار مهنة الصحافة التي عشقتها فبادلتني حباً بحب بما زاد من أواصر الالتحام والتلازم بيننا.
وفي عام 1952م اختارني الأستاذ كامل مروة صاحب صحيفة "الحياة" اللبنانية - رحمة الله عليه - لأمثل صحيفته في سورية، فقبلت هذا الاختيار شاكراً؛ حيث أصبحت من خلال هذه المهنة أتعامل مع صحيفتين هما "الأيام" في سورية و"الحياة" في لبنان، وهما تعدان من أكثر الصحف السورية واللبنانية انتشاراً، وكانت صحيفة "الحياة" المدرسة الثانية في حياتي العملية في المجال الصحفي وزادتني خبرة وأتاحت لي فرصاً جديدة للمضي قدماً إلى الأمام.
وفي صيف عام 1966م عهد حكم "البعث" صدرت تعليمات من وزارة الإعلام بمنع النشاط الصحفي غير الرسمي وفرضت القيود على أعمال الصحفيين والمراسلين، وعندها قررت مغادرة موطني دمشق إلى بلد عربي آخر، وكان اختياري لمدينة بيروت لعلاقتي مع صحيفة "الحياة" اللبنانية، وخلال إقامتي في هذه المدينة الجميلة - التي كان يقصدها الكثير من العرب بسبب طبيعتها في البحر والجبال الخضراء - تعاملت مع بعض المجلات اللبنانية التي تنسجم مع اتجاهي السياسي الحر غير الحزبي، وكان السبب المباشر لمغادرة موطني هو العقيد عبدالكريم الجندي رئيس جهاز المخابرات السورية آنذاك؛ وكان يتولى أيضاً منصب وزارة الإصلاح الزراعي، وكان ذلك الجندي يكره الصحفيين ويعمد إلى التنكيل بهم؛ لا سيما من لا يتفق منهم مع اتجاهاته المتطرفة، وكان لا يتردد في إصدار أوامره بملاحقتهم بواسطة عملائه في المخابرات.
اغتيال كامل مروة
؟ ذكرت أنك عملت مع الأستاذ كامل مروة.. فهل تذكر أحداث اغتياله وأسبابها؟
- كان الأستاذ مروة قبل استشهاده يوم 16أيار (مايو) 1966م وهو يخط بقلمه مقال افتتاحية العدد، محذراً القادة العرب من المؤامرات التي تحاط بهم من الأعداء؛ وبخاصة العدو اللدود إسرائيل، ومن أهداف مشاريعه التوسعية في المنطقة العربية، بينما ابتلي الوطن العربي بانقلابات عسكرية قلبت كل الموازين السياسية، وأضرت بمصالح الشعوب ولا يعرف أهدافها، وعملت تلك الأنظمة الغوغائية على إلغاء الحياة الديمقراطية الدستورية البرلمانية وفرضت أنظمة حكم لا تقرها الشرائع السماوية، وأهملت تلك الأنظمة الدخيلة على أوطانها وضع حدودها مع الدولة العبرية وسيطرت على أراضي فلسطين المقدسة.
وما زلت أتذكر عنوان مقال افتتاحية الأستاذ مروة قبل عشرة أيام من استشهاده وهو يوم السادس من أيار، وكان: "حظهم أنهم ماتوا"؛ حيث ذكّر العالم العربي بشهداء الواجب والحرية الذين ماتوا على أعمدة المشانق أبطالاً في دمشق وبيروت، وفي ذاك التاريخ المشؤوم في عام 1866م بأحكام جائرة أصدرها جمال باشا السفاح؛ لأنهم وقفوا في وجه الإمبراطورية العثمانية وطلبوا منها إعلان الحرية في سورية ولبنان ومنحهما السيادة المطلقة لشعبيهما؛ لذلك قال كلمته ومشى محارباً بسلاحه الذي لا يؤذي بل كان يهز مشاعر الحكام الديكتاتوريين الدخلاء على أوطانهم.
وفي يوم 17أيام مايو 1966م وبعد مضي أكثر من 14ساعة على اغتيال الأستاذ كامل مروة صاحب صحيفة "الحياة" اللبنانية برصاصة صامتة في مكتبه، صادفني الوزير "الجندي" في مبنى رئاسة الوزراء بعد خروجه من اجتماع كان يعقده مجلس الوزراء، وبادرني بالتهنئة على مقتل أستاذي كامل مروة، متجاهلاً الواجب الإسلامي والأخلاقي الإنساني الذي يفرض عليه تقديم التعازي، فانفعلت من هذا التصرف غير اللائق الذي يصدر من وزير مسؤول، وأجبته برد يليق بالموقف بقولي: لا "شماتة في الموت". وبسبب خلافات جوهرية مع السيدة سلمى البيسار زوجة كامل مروة - رحمة الله عليها -؛ حيث كانت مسؤولة عن جريدة "الحياة" قدمت استقالتي من الجريدة التي بادلتني الحب المشترك في عهد ناشرها وصاحبها.
وعندما علم اللواء علي الشاعر الملحق العسكري السعودي في لبنان بأمر استقالتي، وباعتباره الصديق العزيز والوفي لكل إخوانه، وكان يشرف مباشرة على مكتب وكالة الأنباء السعودية في بيروت أصدر قراراً بإلحاقي بجهاز تحرير الوكالة، فشكرت له هذه المبادرة الأخوية وهذه الثقة الغالية، ولم يستمر عملي طويلاً في وكالة الأنباء السعودية - مكتب بيروت -؛ حيث رشحني الصديق الكريم الدكتور عثمان العائدي الذي كان يرأس مجلس إدارة مجلة الأسبوع العربي لتولي مكتب المجلة في المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، وعندها استأذنت اللواء الشاعر بذلك؛ والذي رحب بهذا التكليف وزودني برسائل إلى القيادة السعودية الملك فيصل بن عبدالعزيز وإلى الشيخ إبراهيم العنقري وزير الإعلام؛ مزكياً مهمتي على أرض المملكة. وهكذا أقمت على أرض المملكة العربية السعودية بصفتي مديراً لمكتب مجلة الأسبوع العربي اللبنانية، وكنت الصحفي الوحيد غير السعودي المقيم على أرض المملكة العربية السعودية وبقرار خاص من جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز - طيب الله ثراه - بدءاً من عام 1972م.
المسيرة الصحفية
؟ خلال مسيرتك الصحفية الطويلة.. ما أهم مقال كتبته؟ وما المرحلة الصحفية التي ندمت عليها أكثر من غيرها؟
- لم أذكر طوال ممارستي لمهنة الصحافة والتي زادت على ستة عقود من تاريخي المهني أن كتبت مقالاً أو موضوعاً سيئاً لا قدر الله؛ لأنني كنت أبتعد عن نشر أي موضوع سيئ لتاريخنا الأصيل؛ لذلك كانت جميع المقالات التي نشرتها في الصحف السورية أولاً ثم في الصحف اللبنانية والعربية؛ ثانياً كانت من المقالات التي تتحدث عن مواضيع لها قيمة بأوضاع الأمة العربية وبخاصة كنت أذكر فيها التاريخ العربي المجيد الذي عاش فيه الآباء والأجداد رحمهم الله.
لذلك أحمد الله تعالى بأنه لم يسبق أن صدر لي في تلك المرحلة الطويلة أي تكذيب أو نفي لما أنشره، وكنت أتوخى الدقة في نشر المعلومات؛ والتي صادفتني في تاريخ عملي؛ ولم أكن أهدف منها الإساءة لأي زعيم عربي، بل لقول الحق للتاريخ لئلا يزوّر تاريخنا بالإساءات التي أوقعها بعض القادة العرب للأوطان ولشعوبها بهدف تحقيق مصالح خاصة لهم والسيطرة على مقاليد البلاد وتعيين الأزلام والأنصار ليتصرفوا في مقدرات الوطن والقضاء على الزعماء الذين ضحوا بكل غال وثمين في سبيل حرية الشعوب وسيادتها؛ لذلك نشر هؤلاء الفساد الاجتماعي الذي عم في تلك الحكومات الظالمة والتلاعب بمقدرات الأوطان العربية.
لقد كان ندمي خلال المرحلة الصحفية الطويلة يتعلق بالوضع السيئ الذي يتعرض له الوطن السوري خلال الهزات السياسية التي جرت في سورية وفي المنطقة العربية.
الصحافة السعودية
؟ كيف ترى الصحافة السعودية في الوقت الراهن؟ وما أبرز التغيرات التي طرأت عليها؟ وما أبرز ما تحتاجه الآن من وجهة نظرك؟
- من حق المجتمع في أي دولة أن يبحث ويطلع على أوضاع وطنه من خلال ما يحدث في هذا العالم من أحداث وتطورات على الكرة الأرضية.
لذلك فإن الصحافة المقروءة لها دور كبير في كشف الحقائق أمام الرأي العام باعتبارها مرآة الحياة، ولهذا أصبحت صناعة الصحافة من مهن العصر الحديث ومن أهميته وضرورية لتنوير الإنسان، وأضحت أكثرها ذيوعاً وانتشاراً في عالم متطور، فنجدها تدخل في كل منزل، وتحظى باهتمام كل مواطن وأي إنسان على وجه الأرض، مهما بلغت ثقافته ومكانته الشخصية ودوره في المجتمع واختصاصاته في أعماله؛ سواء المالية والمصرفية والاقتصادية أو له علاقة في الأمور الأدبية والثقافية والاجتماعية. وفي المملكة العربية السعودية تأخر ظهور الصحافة في الجزيرة العربية عندما ظهرت الدولة السعودية الحديثة في عهد الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - لأسباب جوهرية منها عدم وجود الوعي الكامل بأهمية وجود الصحافة الورقية التي تشجع على إنشاء صحافة قوية تفرض وجودها على المجتمع، ولعدم انتشار التعليم في الجزيرة العربية، ولوجود الكم الكبير من الأميين لقلة الموارد المالية أولاً في مجتمع نشأ حديثاً ولم يمض على نشأته سوى سنوات قليلة ثانياً؛ ولأن هناك مستلزمات ضرورية يجب أن يهتم بها الملك المؤسسة وهو يقوم بتوحيد الجزيرة العربية بين نجد والحجاز؛ بالإضافة لضرورة تنظيم الأمور الداخلية منها الإدارية وتركيز سياسة الدولة داخلياً وخارجياً، ثم إعداد الوسائل العلمية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية ومن ثم إيجاد المال اللازم لمجموع هذه المستلزمات الضرورية لقيام الدولة الحديثة، وكان تقدم الطباعة وإصدار الصحف يمر بحركة بطيئة لا تتناسب مع النشاط المطلوب لكيان الدولة وانصراف جهود الملك عبدالعزيز عن القول إلى العمل البناء.
وعندما وجد الملك عبدالعزيز ضرورة ما يتطلب معرفته عن العالم العربي والدولي عهد للشيخ عبدالله بلخير تولي إدارة شعبة شؤون الصحافة والأنباء في الديوان الملكي عام 1355ه 1936م واستمر في هذا العمل حتى عام 1382ه/ 1963م وأعفي من منصبه وتقاعد في عهد الملك سعود رحمه الله وتم تعيين معالي الشيخ جميل الحجيلان أول وزير للإعلام، وقام الوزير بتنظيم أعمال شؤون الإعلام والصحافة والإذاعة والتليفزيون؛ كما وضع أسس العلاقات الإعلامية للمملكة مع الصحف العربية الصديقة لعدم وجود الصحافة السياسية في المملكة بعد. وبعد تقاعد الشيخ بلخير أخذ يتردد على مدينة بيروت؛ وكنت ألتقي معه في بعض المجالس في بيروت عام 1966م وقامت بيني وبينه صداقة باعتباري أعمل في الصحافة ونتبادل الحديث عن الأجهزة الإعلامية في العالم العربي. وفي رأيي أن نظام المؤسسات الصحفية قد حقق الكثير في تطور الصحافة السعودية وتوفير الإمكانات في تغطية الأحداث العربية والعالمية؛ حيث اشتركت هذه المؤسسات بنشرات وكالات الأنباء الخارجية وفي الحصول على صور الأحداث أو عن طريق المراسلين مع وجود تحليلات ومقالات يومية يتحدث أصحابها عن مجريات الأحداث اليومية عالمياً؛ والتي يشارك فيها الكثير من الكتاب المحليين أو العرب؛ كما أن هناك بعض الكتاب الأجانب الذين يشاركون في مقالات لها صلة بالعالم الغربي.
ومن متابعة هذا التطور الإعلامي الذي شهدته المملكة مع نهاية القرن العشرين الماضي ودخول القرن الحادي والعشرين يتبين بأن الصحافة والمجلات السعودية قد أخذت شكلاً جديداً باهتمامها بالإخراج الفني والتبويب وأصبحت تضاهي صحافة العالم العربي والدولي.
الهجرة للمملكة
؟ حدثنا عن مغادرتك إلى المملكة.. ما الأسباب التي دفعتك إلى الهجرة؟
- غادرت سوريا إلى لبنان بسبب ظروف سياسية معينة، وبسبب الحرب الأهلية الدموية التي شهدها لبنان وبخاصة العاصمة بيروت قررت الهجرة إلى المملكة العربية السعودية مع جميع أفراد الأسرة بسيارتي؛ لأن منزلي في بيروت قد تعرض للنهب والسرقة وكانت خسارتي فادحة لفقدان مكتبتي التي تحوي كتباً تاريخية لها قيمة ثمينة وسرقت محتوياتها، وخلال إقامتي في المملكة كنت أتردد على مجالس الملك فيصل يومياً التي تعقد في منزل الدكتور رشاد فرعون المستشار الخاص للملك فيصل.
الوفد السعودي في الفاتيكان
؟ ذكرت في كتابك "حوار الحضارات بين المملكة والفاتيكان" الصادر في عام 2005م قصة زيارة وفد سعودي للفاتيكان بتوجيه من الملك فيصل - رحمه الله - قبل أكثر من أربعين عاماً.. فما تفاصيل هذا الحوار؟ وما خلفياته وأسباب انعقاده؟
- تحدثت عن الحوار الحضاري بين الإسلام والمسيحية، والذي سبق أن جرى بين المملكة العربية السعودية والفاتيكان في النصف الثاني من القرن العشرين الماضي، وفي ضوء الوثيقة التاريخية التي أصدرها البطريك بولس السادس بابا الطائفة الكاثوليكية المسيحية في العالم، وهي الوثيقة التي تعترف للمرة الأولى بقيمة دين الإسلام وأهميته في حياة البشرية، والتي عرضت على التصويت في اجتماعات المجمع الفاتيكاني السري الذي عقد في الأعوام 1962- 1965م ونالت تأييد شبه إجماع الكرادلة للطائفة الكاثوليكية في القارات الخمس، وبكونهم يمثلون أكبر طائفة مسيحية في هذا العالم. منذ مطلع العام الميلادي 1970م الذي أصدرت فيه كنيسة الفاتيكان وثيقة المجمع الفاتيكاني الثاني بشأن الحوار الحضاري مع المملكة العربية السعودية، شهدت سفارة المملكة في باريس نشاطاً كبيراً في استقبال رجال كبار القانون والفكر الديني الغربي للتشاور مع السفير السعودي الدكتور مدحت شيخ الأرض - رحمه الله - بشأن موقف قيادة المملكة العربية السعودية من إجراء هذا الحوار الديني المشترك بين المسيحية والإسلام؛ كما شارك بعض رجال الدين المسيحي ممثلاً لكنيسة الفاتيكان للهدف نفسه، وكانت تلك الاتصالات على غاية من السرية من حرص الجانبين السعودي والغربي الوصول إلى نتائج إيجابية تحقق الأهداف الإنسانية.
استمرت تلك الدراسات لدى الجهات السعودية عامين وشكلت لجنة ملكية برئاسة الملك فيصل شارك فيها بعض كبار الأمراء يتقدمهم الأمراء خالد بن عبدالعزيز ولي العهد وفهد بن عبدالعزيز النائب الثاني وزير الداخلية وعبدالله بن عبدالعزيز رئيس الحرس الوطني، وسلطان بن عبدالعزيز وزير الدفاع والطيران، ونواف بن عبدالعزيز المستشار الخاص لجلالة الملك فيصل؛ كما ضمت اللجنة بعض الوزراء وكبار المستشارين في الديوان الملكي؛ بالإضافة لهيئة كبار العلماء بغية اتخاذ القرار المناسب الذي عرضه قداسة البابا بولس السادس رئيس كنيسة الفاتيكان الذي أعلن انفتاح الكنيسة الكاثوليكية على الدين الإسلامي لتقريب وجهات النظر بين الديانتين؛ لذلك حرص الملك فيصل أن يترك الرأي لهيئة كبار العلماء في المملكة بالاشتراك مع وزارة العدل باعتبارهما تتوليان مسؤولية القضايا الدينية.
اختيار المملكة
؟ لماذا اختار بابا الفاتيكان الذي يمثل العالم المسيحي الكاثوليكي المملكة لهذا اللقاء التاريخي على الرغم من عدم وجود تمثيل دبلوماسي بين الفاتيكان والمملكة؟
- كان هذا الاقتراح أولاً من كبار رجال القانون المسيحي والفقهاء والعلماء في بعض العواصم الأوروبية، ورفع لقداسة البابا بولس السادس المنفتح على الديانات الأخرى؛ لذلك كان تبني الفاتيكان لهذه الرغبة التي أبداها رجال القانون المسيحي الأوروبي، وأن التاريخ الحضاري القديم والحديث يعرف مدى أهمية الجزيرة العربية بالحضارات والثقافات، فهي مهد الإسلام، ويشع منها الكثير والكثير من القيم الروحية الإنسانية باعتبارها أرض الرسالات والمقدسات الإسلامية، وشعائرها الدينية؛ إذ يلتقي على أرضها المقدسة في كل عام ملايين من المسلمين الذين يفدون إلى الأماكن المقدسة لتأدية فريضة الحج في كل عام؛ لذلك فإن المملكة العربية السعودية هي الراعية الأولى لشريعة الإسلام بعد أن شع الدين الإسلامي من الجزيرة العربية ونزل على رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم.
رحبت المملكة
؟ وبماذا ردت المملكة بشأن رغبة رجال الفاتيكان في الاجتماع بعلماء الدين السعوديين؟
- رحبت المملكة العربية السعودية برغبة وفد رجال القانون والفكر المسيحي في أوروبا الاجتماع بالعلماء في المملكة للتعمق في مفاهيم الشريعة الإسلامية وما يتصل بحقوق الإنسان في الإسلام وطلبت وزارة الخارجية السعودية من سفيرها في باريس الدكتور مدحت شيخ الأرض منح أعضاء الوفد الأوروبي تأشيرات الدخول للمملكة العربية السعودية للاجتماع بالوفد العلمي السعودي حول النقاط الأساسية حول التشريع الإسلامي. وبدأت الندوات المشتركة في مدينة الرياض ابتداء من الأربعاء السابع من صفر 1392ه الموافق 22مارس 1972م وترأس الوفد العلمي السعودي سماحة وزير العدل الشيخ محمد الحركان - رحمه الله -، وضم الوفد أصحاب الفضيلة العلماء الشيخ راشد بن خنين وكيل وزارة العدل، والشيخ عمر بن مترك وكيل وزارة العدل، والشيخ محمد بن جبير رئيس الهيئة القضائية العليا بوزارة العدل والذي اختير بعد ذلك لرئاسة مجلس الشورى - رحمه الله -، والشيخ عبدالعزيز المسند، المدير العام سابقاً للكليات والمعاهد الدينية في الرياض، والشيخ محمد المبارك الأستاذ في كلية الشريعة في مكة المكرمة، والدكتور منير العجلاني كبير مستشاري وزارة المعارف بالرياض سابقاً، والدكتور معروف الدواليبي المستشار في الديوان الملكي، والدكتور مدحت شيخ الأرض سفير المملكة العربية السعودية في باريس، والدكتور أسعد محاسن، والدكتور أنور حاتم، وأنور عرفان ترجمان السفارة في باريس، وكان اختيار الأعضاء الدواليبي، والمبارك، والعجلاني ومحاسن وحاتم بسبب ضلوعهم ومعرفتهم بالثقافة الفرنسية ويتحدثون بطلاقة بهذه اللغة إلى جانب معرفة السفير السعودي في باريس التحدث بهذه اللغة. وهذا ما سهل أعمال الحوار بين الفريقين، وانضم إلى الوفدين ممثلون عن عدد من وزارات المملكة وقدموا بيانات وإيضاحات عن مظاهر مختلفة من نهضةالبلاد السعودية.
وكانت هناك لقاءات شهدتها مدينة الرياض عام 1972م ثم اللقاءات التي شهدتها مدينة باريس، وروما والفاتيكان، وندوة مجلس الكنائس العالمي في جنيف، وندوة المجلس الأوروبي وكانت كلها لقاءات تاريخية مهمة وكلها أكدت نظرة الأديان السماوية إلى الإنسان وإلى تطلعه نحو السلام.
الحركات الانقلابية
؟ كشاهد عن قرب على التاريخ السياسي العربي الحديث.. إلى أي مدى ترى أن الانقلابات العسكرية والحركات الثورية التي قامت في بعض الدول العربية ساهمت في انحراف الأمة العربية عن طريق نهضتها الجادة.. وأدت إلى ما نعانيه من ضعف وتشتت حالياً؟
- في القرن العشرين الماضي وفي أعقاب نهاية الحرب العالمية الأولى والثانية لم يكن للولايات المتحدة الأمريكية أي نفوذ سياسي في سياسة الشرق الأوسط التي تجمع الدول العربية في هذه المنطقة الحساسة في العالم والتي تربط القارات الثلاث الأوروبية، وإفريقيا وآسيا. والمعلوم أن تسمية المنطقة العربية بالشرق الأوسط؛ إنما هي تسمية حديثة جاءت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية والتي انتصر فيها الحلفاء الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفييتي على الدولة الألمانية النازية - عهد الفوهرر هتلر.
وفي تلك المرحلة كان النفوذ الأجنبي في المنطقة العربية يتقاذف بين الحكومتين البريطانية والفرنسية وحدهما، وهذا النفوذ المشترك الذي تقرر في أعقاب اتفاقية سايكس/ بيكو عام 1917م مع إعلان وعد بلفور وزير خارجية بريطانيا اللورد بلفور "اليهودي" تقسيم الأراضي العربية الفلسطينية إلى دولتين عربية وإسرائيلية. ولهذا بدأ يتغلغل النفوذ الأمريكي في المنطقة في أعقاب الحرب العالمية الثانية عام 1945م عهد الرئيس فرانكلن ورزفلت رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، والرئيس ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا العظمى، والرئيس ستالين رئيس دولة الاتحاد السوفييتي والذي أعلن فيه ميثاق الأمم المتحدة في المؤتمر الدولي الذي عقد في سان فرانسيسكو. وعند نشوب أول ثورة عربية في فلسطين عام 1936م وأبرق الملك عبدالعزز إلى وزير المملكة العربية السعودية في لندن ليسعى لدى المراجع البريطانية العليا لينقل إليها شعور جلالة الملك الشديد وتأثره مما وصلت إليه الحال في فلسطين، واتفق الملك عبدالعزيز مع ملك العراق فيصل الأول والأمير عبدالله بن الحسين أمير شرق الأردن للتعاون المشترك للوصول إلى حل للقضية الفلسطينية بين الفلسطينيين والحكومة البريطانية.
وكان من سوء حظ العالم العربي وفاة الرئيس روزفلت وتولى نائبه الرئيس هاري ترومان منصب الرئاسة الأمريكية وهو يهودي وطوقته المنظمات الصهيونية بشأن تنفيذ قرار التقسيم في فلسطين، وعرض قرار التقسيم على الأمم المتحدة بدعم أمريكي والاتحاد السوفييتي وبريطانيا وأقر عام 1947م. وكانت دولة الاتحاد السوفييتي هي الأولى التي صوتت في الأمم المتحدة على القرار إرضاءً لليهود في أوروبا الشرقية وللتخلص من وجودهم في أراضي الدول التي تسير بالفلك السوفيتي. وتضاعفت الهجرة اليهودية من العالم الغربي لفلسطين المنكوبة.
وبرزت مبادئ القومية العربية مع ظهور جمال عبدالناصر في عقد الخمسينيات وترسخت تلك المبادئ بعد أن تحقق قيام الوحدة المصرية/ السورية عام 1958م. وكان عبدالناصر بعيداً عن قيادات القومية العربية ويعتبر من أقرب المقربين لجماعة الإخوان المسلمين ويتمسك بعقيدته الإسلامية؛ لذلك انقلب عبدالناصر بعد توليه سلطة الحكم وإبعاد اللواء محمد نجيب عن الحكم في مصر وانقلب رأساً على عقب فحاد عن أهدافه الإسلامية وأخذ بتصفية أقطاب الإخوان المسلمين، ووجد أن من مصلحته الشخصية تبني الفكرة القومية وأخذ ينادي بالمبادئ الرنانة في العالم العربي (وحدة - حرية - اشتراكية)؛ لذلك كان يناقض جميع مواقفه السياسية والتي يعرضها على الشعوب العربية حسب التيارات والأفكار الملحدة التي تصدر عن دولة الاتحاد السوفييتي لقيام الأنظمة اليسارية المتطرفة التي تلتقي مع النظام الماركسي في روسيا.
لذلك انتقلت السياسة من القيادات الوطنية إلى قيادات ثورية عن طريق الانقلابات العسكرية وتدخلها في سلطة الحكم وكان لكل حكم ثوري توجه سياسي خاص تفرضه دولة الاتحاد السوفييتي يبدأ بإطلاق الشعارات التي تندد بالحكم السابق.
جمال عبدالناصر
؟ تعاملت عن قرب مع الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر إبان الوحدة العربية بين مصر وسوريا.. كيف رأيت الرئيس عن قرب؟ وماذا كان يهمه في الدرجة الأولى؟
- الرئيس عبدالناصر كان همه الأول أن تتحدث عنه الصحافة العربية والعالمية بهدف تقوية مركزه في العالم؛ لذلك يعتبر في زمانه الزعيم العربي الأول الذي يفضل جهاز الإعلام على الأجهزة الأخرى ولديه رغبة بأن يتحلق حوله رجال الصحافة أينما كان الحديث عن تنقلاته وحركاته؛ لذلك أوعز عبدالناصر لجهاز رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية ولأجهزة المخابرات أن تقدم لهيكل نسخاً عن التقارير التي ترفع إليها من قبل سفارات مصر في العالم الخارجي، ومن الأجهزة المخابراتية المرتبطة في العالم وما أكثرها في العالم العربي، وتكون تلك التقارير تحت تصرف هيكل وله حرية الاختيار في الكتابة عنها ومن حقه أن يقلب مفاهيمها ويوظفها في خدمة قيادة عبدالناصر والتيار الناصري؛ لذلك كان يثبت هيكل عن قدرته في إعداد صفحة كاملة من جريدة الأهرام لمقاله "بصراحة" وهو يزوّر التاريخ العربي والدولي أيضاً ويجعله في خدمة الرئيس عبدالناصر؛ وهذا ما جعل عبدالناصر يثق في الصحفي هيكل ثقة عمياء.
فشل الوحدة العربية
؟ ما السبب المباشر في فشل الوحدة بين مصر وسوريا؟
- جمال عبدالناصر رغم تجربة الوحدة مع الشعب السوري الذي كان يتمتع بالنظام الديمقراطي الدستوري لم يفهم حقيقة مواقف الشعب السوري واندفاعه لقيام الوحدة فهو مطلب كبير يسعى إليه كل مواطن، لقد حاول عبدالناصر أن يحكم سورية بأسلوبه الديكتاتوري بينما الشعب السوري ضحى كثيراً وقدم كل ما يستطيع لقيام الوحدة واختار الرئيس عبدالناصر لزعامة سورية خلفاً لبطل الجلاء الرئيس شكري القوتلي رغم أن الوحدة الاندماجية قد تمت بانقلاب عسكري تنفيذاً لرغبات عبدالناصر في أن تكون الوحدة متلاصقة مع الشعبين، إلا أن جمال عبدالناصر قد انصاع لرأي المارشال تيتو الرئيس اليوغسلافي وقال له: إن كنت تريد أن تسيطر على الشعب السوري فعليك أن "تفقره"!! إن هذه العبارة سمعتها بأذني عندما كان الرئيس تيتو يزور دمشق في شتاء عام 1959م ووزع مع عبدالناصر شهادات تمليك الأراضي الزراعية للفلاحين؛ وهي أراضي كبار الملاك، وفي جولة قام بها بين دمشق وحلب توقف في مدينة "قارة" أواسط سورية واستضافهما شعب المدينة في منزل ريفي لآل قدور فاستغرب تيتو أن يكون الريف السوري رفيع المستوى ويختلف عن الريف اليوغسلافي؛ لذلك اقترح على عبدالناصر تجويع الشعب السوري؛ لذلك نفذ عبدالناصر رغبة الرئيس اليوغسلافي وأصدر قرارات التأميم المتعسفة في سورية.
هيكل كذّاب كبير
؟ تحدثت قبل قليل عن قيام أجهزة الاستخبارات بتزويد الصحفي محمد حسنين هيكل بمعلومات عديدة لكي يكتب مقالاته.. فما مأخذك على هيكل بشكل عام؟
- محمد حسنين هيكل أصبح فيلسوف سياسة التيار الناصري فهو يتقن فن اللعبة السياسية ويديرها جيداً.
ولقد كانت قصة محمد حسنين هيكل مع الرئيس عبدالناصر مثيرة للجدل؛ لذلك عندما بلغ مكانته الصحفية انتقم بشكل مؤلم من رجال الإعلام واستخدم عبارات لا تليق برجل الإعلام ولا بالمسؤوليات التي وصل إليها في عهد جمال عبدالناصر، وأخذ يتقلب بمواقفه الصحفية من الموالين لعهد الملك فاروق ووضع هيكل مؤلفات عن المملكة المغربية حتى دول الخليج، ويكيل الاتهامات شرقاً وغرباً بحق الحكام العرب إرضاءً للرئيس عبدالناصر؛ ولكن كلها تحمل عبارات الخيانة والأكاذيب المضللة مدعياً بأنه كان مقرباً من كتلة الضباط الأحرار، والذين قاموا بحركة 23يوليو (تموز) 1952م؛ ولكن ثبت عدم صحة الادعاءات؛ ولكن تسلل لشخص الرئيس عبدالناصر، وأصبح من المقربين إليه واضعاً نفسه في خدمته، ولهذا يعتبر أكبر مزيف للتاريخ، وكان ذو لسان مسلط على الأنظمة الملكية في العالم العربي ليحرض الشعوب.
ولا يخلو كلام هيكل عن الأموات من زعماء وقادة العالم العربي، ولقد أحسنت صحيفة الرياض لنشرها النصوص الحلقات التي نشرت في جريدة أخبار اليوم المصرية؛ والتي كشف فيها اللواء جمال حماد أحد ضباط حركة الأحرار في مصر شخصية هيكل وكل أكاذيبه وعن معلوماته عن حركة الضباط، وأكد حماد أن جميع هذه الأقوال لا تستند للصحة وهي عبارة عن سياسات ملتوية لتزوير التاريخ. ولقد كانت مؤلفات هيكل في الحقيقة بلاء كبيراً على الأمة العربية؛ وكان هيكل أول من شق في لعبته الطريق العربي على مصراعيه بتلك الصراحة الهدامة.
مصطفى أمين
؟ تمتعت بعلاقة صداقة مع أبرز الصحفيين العرب.. فما أبرز ذكرياتك عنهم؟ وخاصة الكاتب الكبير مصطفى أمين؟
- تعرفت على رؤساء تحرير الصحف المصرية؛ حيث كنت أزورهم في رحلاتي بين دمشق ومصر، وكان منهم الأخوين التوأمين مصطفى وعلي أمين في دار أخبار اليوم، ولا يمكن لأي شخص أن يفرق بين مصطفى وعلي -رحمهما الله -، ويعترف مصطفى أمين أن تشابهه مع شقيقه عجيب وكان من الصعب - كما سمعت من مصطفى أن تفرق والدته بينهما؛ لذلك كانت تضع على يد مصطفى شريطاً أزرقاً وفي يد علي شريطاً أحمراً. كما قال: وكثيراً ما فعلنا ذلك لدرجة أنني لم أعد أذكر إن كنت مصطفى أمين أو علي أمين.
ويتابع مصطفى حديثه عن التشابه مع شقيقه علي ويقول: في يوم من الأيام دخلت معجبة بأخي علي على مكتبنا وهي معتقدة بأنني علي وداعبتني ولم تكتشف بأنني مصطفى ورضيت بماجرى معي.
فقلت لمصطفى سبحان الله الخالق العظيم على هذا التشابه المتلازم وصوركم الله بالصورة الواحدة، وسألت مصطفى وهل اكتفيت بمداعبة معجبة شقيقك علي فأجاب علينا أن نستر الأمور. وهو يقهقه كثيراً، وكان فرحاً في أحاديثه مما يجعلك لا تمل بقصصه وذكرياته.
وعندما توفي مصطفى أمين في شهر أبريل/ نيسان 1997م وكان الفقيد يكتب في جريدة الشرق الأوسط بقلمه الرفيع المؤدب لا يعلو عليه أي كاتب بلغة الضاد ولا يمكن أن يقارن محمد حسنين هيكل مع الكاتب الكبير مصطفى أمين فالفارق بينهما شاسع كبير.
عزاب الصحافة
؟ عُرف عنك أنك كنت من أشهر عزاب الصحافة السورية والعربية، فلماذا نجد في الصحافة دون غيرها من المهن العزاب بكثرة؟ وكيف اقتنعت أخيراً بفكرة الزواج؟
- الحقيقة إن عملي في مهنة الصحافة قد أخرني سنوات عن الارتباط مع زوجة لتكون شريكة الحياة؛ لأني لم أفكر بعد في سلوك هذا الطريق وقررت الانتظار حتى يستقر العمل مع علمي أن الزواج من سنة الله في خلقه، ولقيام الأسرة وإنجاب الأولاد وتربيتهم؛ لذلك يقال بأن الزواج إتمام للدين. وكان يقال في المجتمعات بأن الصحفي المتزوج يتعب في حياته بين الزوجة وبين عمله؛ لأنه زوج الاثنتين وعليه الاختيار بواحدة منهما.
ولهذا كان الزواج في عام 1957م وكان هذا التاريخ انطلاق مشروع قيام الوحدة الاندماجية بين مصر وسورية أو قيام اتحاد بين البلدين كمرحلة أساسية لتجربة هذا الاتحاد وتأثيره على العالم العربي؛ ولكن أصر الرئيس جمال عبدالناصر أن تكون الوحدة الاندماجية هي الأساس في قيام الدولة بين البلدين. وفي ذاك التاريخ كان اختياري لشريكة الحياة؛ التي تقيم عائلتها في الحي الذي نقيم فيه، وليست غريبة على الحياة التي تعيش فيه الأسر المحافظة. وأسرتنا وأسرتها من الأسر المعروفة والمحافظة على التقاليد الإسلامية وتمسكها بأخلاقها الحميدة. وكنت أعرف والدها - رحمه الله - منذ سن الطفولة وبدء الدراسة في المرحلة الابتدائية باعتباره صاحب مكتبة لبيع الكتب الدراسية والتاريخية والمعروفة لدى الدارسين في مختلف المعاهد. وتحوي على كتب جميع المراحل الدراسية في المدارس والمعاهد السورية، ويعرفها الجميع باسمها مكتبة "الكتبي" والعائلة هي القصيباتي وكل طالب أو دارس لا بد أن يعرف هذه المكتبة ويذهب إليها ليسأل عن كتاب معين، وفي أكثر الحالات يجد فيها مطلبه بعد تفتيش دقيق من صاحبها؛ لذلك كنت أقصد المكتبة المذكورة في كل مراحل التعليم.
وأذكر في مرحلة من تلك المراحل قصدت المكتبة لهدف معين، وخلال وجودي بانتظار تحضير صاحب المكتبة للكتاب الذي طلبته جاء شخص وطلب من صاحب المكتبة كتاب مختصر مسلم، فقال له انتظر قليلاً، ثم جاء شخص آخر وسأل صاحب المكتبة هل لديك كتاب مختصر القرآن فرد عليه عليك أن تأخذ هذا الشخص الذي بجانبك - ويعني من طلب كتاب مختصر مسلم - وقال له هذا طلبك.
فابتسمت لهذا الحوار وبعد أن انصرف طالب مختصر مسلم وطالب مختصر القرآن قال لي - رحمه الله -: ماذا تريد أن أجيب على أسئلة الشباب الذي لم يعِ بعد أو يقدر قيمة العقيدة الإسلامية. كل هذا قد جرى قبل تفكيري بالزواج ولم أفكر في أن تكون زوجتي ابنة صاحب المكتبة، فالحياة الزوجية نصيب ومكتوب من عند الله.
وأود أن أؤكد أن اختياري الزواج كان عند بلوغي سن الرشد، وكنت بحمد الله سعيداً في هذه النقلة من حياة العزوبية إلى الحياة الزوجية، وخاصة تحملت زوجتي الكثير والكثير من المتاعب دون كلل أو ملل؛ لأنها كانت مسؤولة عن تربية جميع الأولاد وعددهم خمسة أكرمني الله تعالى بذكر واحد والحمد لله؛ لذلك قاسمتني الزوجة تقلب الأزمات وتطور الأحداث بكل حلاوتها ومرارتها.
وأحمده تعالى بعد أن مضى على زواجنا نصف قرن بالتمام والكمال قبل بضعة شهور وأسعدتنا أن نحتفل في شهر أيلول "سبتمبر" الماضي بمرور العقد الذهبي لحياتنا الزوجية مع أولادنا بهذه الذكرى السعيدة ونحمد الله تعالى على فضله الذي أمدنا بالعمر الطويل وبلوغ السنين الطويلة في حياة كريمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.